صائمان مشتبكان اختتم المقاومان محمد غازي أبو ذراع وسعود عبد الله الطيطي مسيرتهما الجهادية شهيدين مقبلين، حاملين إرث من سبقهما من الشهداء.
واستشهد أبو ذراع والطيطي عصر يوم الثلاثاء الماضي خلال اشتباك مسلح مع قوة للاحتلال قرب مستوطنة "ألون موريه" الجاثمة على أراضي قرى شرقي نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة.
عرف الشهيدان بنفَسهما الوحدوي والعزيمة الصلبة التي لم تكسرها سنوات الاعتقال ولم تحرف بوصلتهما نزعة حزبية أو وظيفة أمنية، فكانا نموذجًا للوحدة وقول الحق والفعل المقاوم.
كانت الشهادة هي النهاية المتوقعة لهما من عائلتيهما وأهالي مخيم بلاطة شرقي نابلس وكل من عرفهما، فهما لم يتركا السلاح، وتشهد لهما ساحات المخيمات والبلدة القديمة.
والدة الشهيد "أبو ذراع" حملت صورته وضمتها إلى صدرها، وقالت لنا: "الحمد لله طلب الشهادة ونالها مقبلا غير مدبر".
وتضيف لوكالة "صفا"، "منذ أن كان طفلا صغيرا وهو يتمنى الشهادة، ويسارع إلى ساحات المواجهة مع الاحتلال، ولم يُدِر لهم ظهره".
عاش محمد حياة اليتم وهو في السادسة من عمره، وهو ينحدر من عائلة قدمت الكثير من التضحيات في مسيرة مقاومة الشعب الفلسطيني، فوالده وجده وعمته استشهدوا قبله، كما أنه هو وإخوانه كلهم دخلوا سجون الاحتلال.
وفي طفولته رافق الشهداء خليل مرشود ومحمود الطيطي الذين لمع نجمهم في بداية انتفاضة الأقصى، وتأثر بهم وتشرّب منهم الشجاعة والإقدام وحب الوطن.
كان "البوب" -كما يلقب- شديد الحب والشوق للمسجد الأقصى، وتنقل والدته عنه قوله: "لن أتنازل عن بلاطة واحدة من المسجد الأقصى حتى آخر قطرة من دمي".
أمضى محمد ثماني سنوات في سجون الاحتلال، وأفرج عنه في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011.
ومع تصاعد عمليات المقاومة والاغتيالات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، انخرط في العمل المقاوم ضمن كتائب شهداء الأقصى في مخيم بلاطة وربطته علاقات صداقة مع رفاق الدرب في مدينة نابلس.
وتقول والدته إنه عندما كان يسمع عن اقتحام الاحتلال للبلدة القديمة بنابلس يكون أول الواصلين لمساندة أصدقائه المقاومين وفك الحصار عنهم.
وفي يوم استشهاد حسام اسليم ومحمد الجنيدي في فبراير/ شباط الماضي، تأثر كثيرا والتزم الصمت ولم يرد على إخوته وهم يحدثونه، فطلبت منهم أمهم أن يتركوه وشأنه، فهي تدرك حجم الألم الذي يشعر به وهو يفقد أصحابه واحدا تلو الأخر، وفق قولها.
وتشكو والدته من تضييق السلطة عليه، فلم يشفع له تاريخه المقاوم عند السلطة التي واصلت قطع راتبه منذ 6 سنوات.
"فدا فلسطين"
والد سعود، الحاج الثمانيني عبد الله الطيطي، تحامل على مرضه وعض على جرحه، وهو يقول لوكالة "صفا": "سعود طلب الشهادة ونالها، ونتمنى أن يكتب عند الله شهيدا في جنان النعيم مع صحابة رسول الله".
ويضيف بكلمات ملؤها الفخر والاعتزاز: "سعود بطل من أبطال فلسطين مثل أخوه محمود وابن عمه جهاد".
وبدا الوالد متهيئا لهذا اليوم، وراضيا بفقد اثنين من أبنائه ثمنا لحرية فلسطين، ويقول: "فلسطين غالية علينا وهي أمنا التي أرضعتنا، وإذا لم نقدم أبناءنا اليوم شهداء من أجلها فمتى نقدم؟".
أمضى سعود نصف عمره في سجون الاحتلال، وأفرج عنه في مارس/ آذار 2022 بعد اعتقال متواصل لمدة 16 عامًا، وخرج من سجنه أشد عزيمة على مواصلة الدرب الذي اختاره لنفسه.
ويوم الإفراج عنه قال: "خضنا هذا الاعتقال جنودا وخرجنا جنودا وعدنا لكم جنودا"، وبالفعل؛ لم تكد تمض أيام حتى عاد الاحتلال لمطاردته على خلفية استئناف نشاطه المقاوم بكتائب شهداء الأقصى، ومشاركته بتأسيس مجموعة "شباب الثأر والتحرير".
ورغم أنه كان يحمل رتبة "عقيد" في أجهزة أمن السلطة، إلا أنه ومنذ اللحظة الأولى التي لامست فيها قدماه خارج الأسر رفض التعاطي مع كل العروض التي قدموها له مقابل التخلي عن فكره ونهجه المقاوم.
ويقول صهره محمد صباح إنهم: "حاربوه بشتى الطرق والوسائل، ومنها افتعال مشاكل عائلية تعرض على إثرها للاعتقال أكثر من مرة في سجون السلطة".
ويضيف "صحيح أن سعود كان منتمياً لحركة فتح، إلا أنه كان يرفض رفضًا قطعيًا كل الخيارات السلمية التي اختارتها قيادتها، ودفع ثمن ذلك بأن أغلقت كافة الطرق بوجهه، ما اضطره لبيع مركبته لاقتناء السلاح".
ويؤكد أنه "اختار تصحيح نهج كتائب شهداء الأقصى، ومن هذا المنطلق بدأ بالعمل الـعسكري بالاسم الذي أسسه شقيقه الشهيد محمود الطيطي منذ بدايات انتفاضة الأقصى".
ومع استمرار الاحتلال باحتجاز جثماني الشهيدين، فإن مطلب عائلتيهما هو استعادتهما ليتمكنوا من وداعهما بما يليق بمكانة الشهداء.