لم يسبق أن اقتُحم المسجد الأقصى المبارك خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، خشيةً من أعداد المعتكفين والمصلين الكبيرة، وتجنبًا لردة فعلهم، والتي تجلت في سنوات سابقة، حين حاولت شرطة الاحتلال الإسرائيلي فرض الاقتحامات بتلك الليالي المباركة.
وفي سابقة خطيرة لأول مرة منذ سنوات، سمحت سلطات الاحتلال، يوم الثلاثاء، للمستوطنين بمواصلة اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، مع بدء العشر الأواخر من رمضان، وسط دعوات فلسطينية بمواصلة الاعتكاف والرباط داخل المسجد.
ولم يحسم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قراره النهائي في منع الاقتحامات من عدمه خلال العشر الأواخر، وما زال يواصل مشاوراته مع قادة الأجهزة الأمنية والشرطة ووزراء في حكومته بشأن ذلك.
وتباينت مواقف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بهذا الشأن، حيث أبدت بعضها موقفًا معارضًا للسماح للمستوطنين باقتحام الأقصى اليوم، بينما البعض دعم هذا الموقف، قبل أن يتم تقديم موقف موحد بالسماح بها اليوم فقط، على أن تتوقف الاقتحامات غدًا الأربعاء، وحتى نهاية رمضان.
تطور خطير
الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب يقول: إن "العادة جرت أن يتم إغلاق المسجد الأقصى أمام اقتحامات المستوطنين خلال العشر الأواخر لرمضان، لكن شرطة الاحتلال اليوم أرادت بالسماح للمقتحمين أن تقول بأن هناك شراكة بين المسلمين واليهود بالأقصى، وأن هذا المكان مقدس لليهود".
ويضيف أبو دياب، في حديث لوكالة "صفا"، أن الاحتلال يريد فرض واقع تهويدي على الأقصى تدريجيًا، وتغيير الصورة النمطية التي اعتاد عليها المسلمون داخل المسجد خلال العشر الأواخر.
ويتابع أن الاحتلال أراد أيضًا، إيصال رسالة للمسلمين والأوقاف الأردنية والأمة، مفادها بأنه "لا يوجد حصانة ولا وصاية أردنية على الأقصى، وأن الإدارة فقط أصبحت للشرطة وجماعات الهيكل".
وفي نظر أبو دياب، فإن "السماح للمستوطنين بالاقتحامات اليوم يشكل تطورًا دراماتيكيًا خطيرًا للغاية، ومؤشرًا على بدء الاحتلال فعليًا في فرض التهويد والتقسيم الزماني بالأقصى، وإثبات أنه صاحب الهيمنة والسيطرة والسيادة عليه".
ويوضح أن الاحتلال أصبح بذلك يفرض ما يريد بالأقصى، باعتباره "مكانًا مقدسًا لليهود وليس للمسلمين"، في مقابل إلغاء الوصاية الأردنية على المسجد، والتي باتت "شكلية".
تحقيق مكاسب
ووفق الباحث المقدسي، فإن "جماعات الهيكل" نجحت في تجييش أعداد كبيرة من المستوطنين المتطرفين، وخاصة بعد صعود اليمين المتطرف لسدة الحكم، وما شهده الكيان الإسرائيلي من أزمات وانقسامات داخلية في الفترة الأخيرة".
وتصاعدت في الأيام الأخيرة، وتيرة اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال، بمناسبة "عيد الفصح" العبري، وسط قيود وإجراءات على دخول الفلسطينيين للمسجد.
ويبين أبو دياب أن حكومة الاحتلال تسعى لتصدير أزماتها الداخلية، في محاولة لتحقيق مكاسب أكبر تتمثل في فرض السيطرة على الأقصى وتكثيف الاقتحامات وتغيير الوضع القائم فيه، واستعادة ما يسمى "جبل الهيكل"، وكذلك بناء المستوطنات، والاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية، وغيرها.
ويشير إلى أن "جماعات الهيكل" ومؤسسات إسرائيلية رسمية هي من تقود اقتحامات الأقصى، وتُقدم كل الإمكانيات والدعم المادي والسياسي والإعلامي للمقتحمين، الذين يتقاضى غالبيتهم رواتب على الاقتحام.
ويؤكد أن ردود الفعل الفلسطينية والعربية دائمًا ما تحكم سلوك وتصرفات الاحتلال في التعامل مع قضية الأقصى، كما حدث في الأيام الماضية، كونه يخشى التصعيد وانفجار الأوضاع في المنطقة.
ردع الاحتلال
وأما المختص في شؤون القدس زياد إبحيص فيقول: إن "الامتناع عن فرض اقتحامات الأقصى في العشر الأواخر لرمضان هو سقف طوعي حددته شرطة الاحتلال لنفسها، منذ أن بدأت بفرض الاقتحامات برمضان عام 2008".
ويوضح إبحيص في تصريح نشره عبر صفحته بـ"الفيسبوك"، أن مصدر ذلك الخوف تدفق المصلين والمرابطين بعشرات الآلاف للاعتكاف في تلك الليالي، ما يجعل الاقتحام في اليوم التالي تحديًا أمام شرطة الاحتلال.
ومع صعود "الصهيونية الدينية" و"جماعات الهيكل" حاولت شرطة الاحتلال فرض الاقتحامات في العشر الأواخر عام 2014 تحت ظل الحرب على غزة، وحاولت منع الاعتكاف فجاء الرد من شباب القدس ومرابطيها في ليلة 27 رمضان بفرض الاعتكاف وإحراق مركز الشرطة بالخلوة الجنبلاطية في صحن قبة الصخرة المشرفة. وفق إبحيص.
ويضيف أنه في العام 2016، تكررت المحاولة فكان الجواب بالاعتكاف والرباط، واندلاع مواجهات واسعة، لكن في عامي 2019و2021، تقاطعت ذكرى احتلال القدس مع 28 رمضان، فشهدت الأولى رباطًا محدودًا واستفرادًا بالقلة من المرابطين، فيما كانت الثانية شرارة انطلاق معركة "سيف القدس".
ويشير إلى أنه محاولة فرض الاقتحامات في العشر الأواخر تعود هذا العام، لتزامن اليومين السادس والسابع من "عيد الفصح" العبري مع يومي ٢٠ و٢١ رمضان، وقد يتجه الاحتلال لفرض الاقتحامات في كليهما.
ويؤكد أن وقف اقتحام الأقصى في العشر الأواخر مصدره ردع ذاتي في وعي حكومة الاحتلال وشرطتها، لطالما جرى تكريسه بالتجربة بأن محاولة كسره تقابل بثمن كان باهظًا جدًا في بعض الأحيان، وهذا الثمن والردع يجب أن يستمر ويزداد، لأن الاحتلال يتطلع لفرض الاقتحامات 365 يومًا".