لليلة الثانية على التوالي؛ نجح مئات المصلين والمرابطين بإرادتهم وصمودهم في فرض الاعتكاف داخل المسجد الأقصى المبارك والمصلى القبلي، رُغم أنف الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولاته لإخلائهم منه.
وشهد المسجد الأقصى خلال اليومين الأخيرين، هدوءًا حذرًا، بعدما تعرض في الأيام الماضية لهجوم إسرائيلي واعتداءات وحشية استهدفت المصلين والمعتكفين داخل المصلي القبلي، بالأعيرة المطاطية وقنابل الصوت والغاز، ما أدى لوقوع إصابات، واعتقال المئات، وإلحاق أضرار فادحة في محتويات المصلى وعيادة الأقصى.
ورغم تهديدات الاحتلال بإخلاء المعتكفين بالقوة، إلا أن الاعتكاف استمر داخل المصلى القبلي وفي ساحات الأقصى لليلة الثانية، بفعل ما فرضته معادلة المقاومة ووحدة الساحات من قوة الردع، نصرةً للأقصى والقدس.
وأثارت اعتداءات الاحتلال واستخدامه القوة المفرطة في قمع المعتكفين يومي الأربعاء والخميس الماضيين، ردود فعل فلسطينية وعربية ودولية واسعة غاضبة، مما دفع المقاومة في قطاع غزة لإطلاق نحو 25 صاروخًا باتجاه المستوطنات المحاذية.
ولم يتوقف الأمر عند حدود غزة، بل تعرض الاحتلال لرشقات صاروخية من جنوب لبنان باتجاه المستوطنات شمال فلسطين المحتلة عام 1948، وأيضًا من الأراضي السورية باتجاه مستوطنات في الجولان المحتل.
وهذا ما شكل صدمة لأجهزة الأمن الاحتلال التي لطالما عملت على فصل ساحات الصراع معها، في محاولةً للاستفراد بإحداها دون سواها.
ويرى مختصون في الشأن المقدسي أن الاحتلال فشل في تفريغ المصلى القبلي من المعتكفين والمصلين، بعدما تمكنوا بصمودهم وثباتهم من فرض إرادتهم، رغم عمليات القمع والإرهاب التي تعرضوا إليها خلال الأيام الماضية.
ضجة كبيرة
رئيس مركز القدس الدولي، الخبير في الشأن المقدسي حسن خاطر يرى أن قمع المعتكفين وإرهابهم خلال الأيام الماضية أثار ضجة كبيرة وأحدث حالة من الغضب الشديد لدى العالم والمجتمع الدولي والأنظمة الغربية الرسمية، بعدما انتشرت الفيديوهات والصور التي توثق جريمة الاحتلال بحق هؤلاء المعتكفين.
ويقول خاطر، في حديث لوكالة "صفا": إن "إطلاق الصواريخ من غزة ولبنان وسوريا باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، ردًا على هذه الاعتداءات الوحشية بحق المصلين، وكذلك العمليات الفردية في الضفة الغربية والداخل المحتل، كلها أربكت حسابات الاحتلال".
ويضيف أن "تطور قدرة المصلين والمرابطين ونجاحهم بتوثيق جرائم الاحتلال ونقلها للعالم، رُغم القمع والإرهاب، ما أدى إلى حدوث صدمة كبيرة لدى حكومة الاحتلال، التي شعرت بأن الحقيقة انكشفت للعالم، وأن هذه الاعتداءات لن تمر مرور الكرام".
وفي نظر خاطر، فإن "الاحتلال أصيب بإرباك شديد، أثر على قدرته في المضي بسياسته اتجاه المعتكفين، لذلك يحاول تخفيف عمليات القمع والإرهاب حتى لا تذهب الأمور باتجاهات أكثر خطورة، لأن انتشار الصور والفيديوهات بشكل كبير كشفت عن وجهه الحقيقي، وأسقطت ديمقراطيته الزائفة".
إرادة المرابطين
ويوضح أن ردود الفعل وفضح الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية بحق المعتكفين، أربكت حسابات الاحتلال وأرغمته على وقف اعتداءاته ومحاولاته لإخراج المعتكفين من الأقصى، ومنع الاعتكاف.
ويشير إلى أن الاحتلال لم يجرؤ اليوم على الذهاب إلى نفس مستوى القمع والإرهاب الذي ارتكبه في الأيام الماضية، كونه بات يحسب ألف حساب قبل ارتكابه مثل هذه الجرائم.
ويؤكد الخبير المقدسي، أن الاحتلال خضع للآثار التي ترتبت على كشف جريمته بحق المعتكفين، ولا يستطيع إبعاد هذه الوسائل عن توثيق الأحداث بهذا المستوى من الوضوح والدقة، والتي عكست إرادة المرابطين والمصلين وصموهم في مواجهة المحتل.
ويتابع أن "توثيق وفضح الجرائم الإسرائيلية وسيلة لمحاكمة وإسقاط القناع عن حكومة الاحتلال، حيث أدت إلى حدوث أزمة داخل الشارع الإسرائيلي، ووجدنا الكثير من الأصوات اليهودية والقيادات السياسية خارج الحكومة رفضت هذه الجرائم، وأكدت أنها ستؤدي لحصار دولة الاحتلال وتشويه صورتها".
وهذه الجرائم-وفقًا لخاطر- تتحول إلى أفضل وسيلة لإظهار حقيقة الاحتلال وحصاره على مستوى العالم والمجتمع الدولي، وإعطاء زخم جديد للقضية والحقوق والرواية الفلسطينية.
تشويه صورته
وأما المختص في شؤون القدس ناصر الهدمي فيرجع سبب تراجع الاحتلال عن اقتحام الأقصى وتفريغه من المعتكفين، إلى أن استخدامه للقوة المفرطة في قمعهم خلال الأيام الماضية، وما أحدثه ذلك من ضجة إعلامية، وردود فعل عربية ودولية أثر بشكل كبير على صورته أمام العالم.
ويوضح الهدمي، لوكالة "صفا"، أن التحذير من انفجار الأوضاع، فضلًا عن العمليات التي شهدتها الضفة والداخل شكلت عوامل ضغط جعلت الاحتلال يُعيد النظر في سياسته اتجاه المعتكفين، ومنع الاعتكاف في المسجد الأقصى.
ويشير إلى أن الاحتلال عمل في اليومين الأخيرين على تمرير اقتحامات المستوطنين للأقصى، دون المساس بالمعتكفين، واللجوء للقوة.
ويؤكد أن الشعب الفلسطيني والمرابطين وجهوا رسالة واضحة للاحتلال مفادها "أنهم لن يتركوا الأقصى وحيدًا في مواجهة سياساته، ولا يعترفوا بسيادته على المسجد، باعتباره مكانًا مقدسًا خاصًا للمسلمين وحدهم لا يشاركهم فيه أي أحد، وأن اعتداءاته مرفوضة وتشكل جريمة بحق المقدسات، وعلى رأسها الأقصى".