نظّمت وزارة الثقافة، بالتعاون مع جامعة الأزهر وبيت الصحافة في قطاع غزة، على مدار يومين، مؤتمر غسان كنفاني للسردية الفلسطينية "الأثر والتأثير"، ضمن سلسلة الفعاليات الخاصة بإحياء الذكرى الـ51 لاستشهاد الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، ويوم الثقافة الوطنية.
وتضمن المؤتمر، الذي نظم باليوم الأول في قاعة هاني الشوا في جامعة الأزهر أوراق عمل ومداخلات لعدد من الأكاديميين والأدباء والأديبات حول تأثير غسان كنفاني في الأدب الفلسطيني، بالإضافة إلى عرض لوحات لفنانين تشكيليين خاصة بالأديب غسان كنفاني.
وقال وزير الثقافة عاطف أبو سيف، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر: "في تذكر غسان استحضار لحياتنا كفلسطينيين، استحضارٌ واجبٌ لمسيرة حافلة بالعطاء وبالمزاوجة الحقيقية بين كل أشكال النضال، في تذكر غسان تذكر لفلسطينيتنا، لكل ما يجعل منا فلسطينيين، للألم الذي يعطب قلوبنا كلما تذكرنا البلاد التي سرقها الغزاة منا وظلت لنا، للوجع الذي نحسه ونحن نعيد تركيب حياتنا بعد تيه الشتات القهري، للدمع الذي يسح على العيون ونحن نستذكر أيام الصبا حين كانت القدس حارسة السماء ويافا عروس البحر وكانت عكا بوابته التي لا تخافه، وبئر السبع خوذة الصحراء التي تقيها سيوف العدا".
وأضاف "في تذكر غسان تذكر لماضينا ولواقعنا ولما نصبو إليه، تمثل حياة غسان مقطعاً مهماً من حياة شعبنا. فغسان الطفل ولد في عكا في عام الإضراب الشهير 1936 وعاش في يافا أرض البرتقال الحزين وحمل معه أحلام البلاد حين هجّرت العصابات الصهيونية أهلها وسرقت حتى ماضيهم وذكرياتهم، وكتب عن حيفا رائعته التي ناقشت سؤال الهوية بشكله الأعمق. بذلك جمع غسان بين أهم ثلاث درر في الساحل الفلسطيني. بعد النكبة التحق غسان بالثورة الفلسطينية باحثاً عن استرداد أحلامه ومستقبله".
وتابع "إن إحياء ذكرى غسان هو احتفال بهذا الاستذكار الواجب لكل ما يجب أن نقوم به سيراً على دربه وعملاً بوصايا الشهداء الذين حملوا الحياة إلى مصاف الخلود بحثاً عن فلسطين. فغسان مثل كل آباء الوطنية الفلسطينية ثبّتوا البوصلة على فلسطين ورفضوا أن يكون هناك طريق آخر، وسخّروا كل ما يمتلكون من أدوات من أجل الوصول إلى فلسطين. ورغم عمره القصير زمنياً حيث لم يعش إلا ستاً وثلاثين سنة، فإن غسان عاش قروناً في عمق التاريخ وأعماراً قادمة في حيوات المستقبل، لأنه قرر أن يكون على الضفة الصحيحة من نهر التاريخ الخالد".
بدوره، قال عضو اللجنة الوطنية لإحياء ذكرى كنفاني، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين كايد الغول، في كلمة القوى الوطنية، إنَّ "تطوّرَ أيِّ مجتمعٍ ونهضتَهُ يُقاسُ بمدى ما يُقدّمُهُ من إنتاجٍ أدبيٍّ وثقافيٍّ وفكريّ، وبحجمِ الاهتمامِ بالثقافةِ والأدب، وتقديمِ عددٍ كبيرٍ من الأدباءِ والمفكّرين والشّعراءِ وتسخيرِهم في خدمةِ تطوّرِ هذا المجتمع".
وأكَّد الغول أنّ "هذا المؤتمرِ يؤكّدُ على المكانةِ التي يحظى بها الشهيدُ الأديبُ والسياسيُّ والمفكّرُ الفلسطينيُّ غسّان كنفاني، في ترسيخِ ثقافةِ الأدبِ المقاوِم؛ سفيرًا للحقيقةِ ولثقافةِ المقاومة".
وأشار إلى أنّ "غسان كنفاني الأب الروحيَّ للثقافةِ الوطنيّةِ الفلسطينيّة، المؤسس الفعليَّ لأدبِ المقاومة"، مُبينًا أنّ "المؤتمر فرصةٌ لإطلالةِ النخبِ الشبابيّةِ المثقّفة، وإبحارهم في هذهِ التِّجرِبةِ الأدبيّةِ والنضاليّةِ، التي كانت من أوائلِ التَّجارِبِ الأدبيّةِ التي استعرضت التفاصيلَ الدقيقةَ لعذاباتِ اللجوءِ أثناءَ النكبةِ وخلالها وبعدَها، ومرارةِ الهزيمةِ بعد النكسةِ وأسبابِها، مرورًا بالتبشيرِ بالمقاومة".
من جهته، أكد رئيس جامعة الأزهر عمر ميلاد اعتزاز الجامعة باستضافة هذا المؤتمر، مشيدا بدور وزارة الثقافة الريادي في إبراز أعمال ومنجزات كتابنا وشعرائنا العظام، الذين كان لهم الأثر الأكبر في صياغة الرواية الفلسطينية وإيصال عدالة قضيتنا للعالم بأسره.
وعرج ميلاد على أهم أعمال كنفاني الروائية التي عرضت المعاناة الفلسطينية بأبلغ الكلمات، وأصّلت لمفهوم المقاومة الواجبة للمحتل الغاصب، معتبراً أن روايات الشهيد غسان التي ترجمت للعديد من اللغات في أكثر من عشرين دولة، هي مرجعية أدبية وثقافية يجب البناء عليها ومحاكاتها، بما يخدم الأجيال القادمة من الكتاب الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.
وحضر المؤتمر، الوكيل المساعد للشؤون الثقافية محمد عياد، ومدير عام الآداب والنشر في الوزارة عبد السلام عطاري، ورئيس مجلس أمناء جامعة الأزهر في غزة خليل أبو فول، إضافة لعدد من الكتاب والأدباء والمثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي، وقد أدار وقدم جلسة الافتتاح الناقد والكاتب ناهض زقوت.
وفي السياق ذاته، عقد في بيت الصحافة جلسات أدبية لشهادات إبداعية لعدد من الروائيات والروائيين الذين تحدثوا عن تجاربهم ورؤيتهم لأدب كنفاني ومدى أثره وتأثيره في حياتهم الإبداعية.