أعادت عملية حوارة الثانية التي نفذها مقاوم فلسطيني مساء الأحد وأسفرت عن إصابة مستوطنَين أحدهما بحالة الخطر الشديد، البلدة إلى تصدر المشهد من جديد وذلك بعد نحو شهر من قتل مستوطنَين على يد القسامي عبد الفتاح خروشة.
وتزامن تنفيذ كلتا العمليتين مع اجتماعين أمنيين بين الاحتلال والسلطة برعاية أمريكية لأجل كبح المقاومة بالضفة و"استعادة الهدوء" أحدهما بالعقبة والآخر في شرم الشيخ، في رسالة اعتبرها متابعون ومختصون أنهما رسالتين للمجتمعين بأن شعلة المقاومة والثورة لايمكن لأي مؤامرة أو اجتماع إطفائها.
وأصيب مستوطنان بجراح متفاوتة مساء اليوم الأحد بعملية إطلاق نار نفذها مقاوم تجاه سيارة جيب في بلدة حوارة جنوبي نابلس، فيما أعلن جيش الاحتلال عن اعتقال منفذ العملية بعد إصابته بالرصاص من قبل أحد المصابين.
وذكرت إذاعة جيش الاحتلال أن مكان العملية لا يبعد سوى أمتار عن مكان عملية حوارة السابقة، مشيرة إلى أن المنفذ وصل مشياً على الأقدام إلى المكان وانسحب بعد تعطل سلاحه.
وتزامنت العملية وللمرة الثانية مع مباحثات واجتماعات أمنية بمشاركة ممثلين عن الاحتلال والسلطة جرت في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر سعيا لـكبح المقاومة بالضفة المحتلة، خاصة بعد تنفيذ الاحتلال لعدد من الجرائم والمجازر لاسيما في جنين ونابلس.
وكانت أوضاع البلدة تأزمت يوم 26 فبراير الماضي أكثر من ذي قبل، لا سيما بعد تنفيذ عملية فدائية قًتل خلالها مستوطنين اثنين في وسط الشارع الرئيسي للبلدة الواصل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها ردًا على مجزرة نابلس والتي ارتقى خلالها 11 مواطنا وجرح العشرات، حيث تزامن تنفيذ العملية مع اجتماع العقبة الأمني بمشاركة السلطة وممثلين عن الاحتلال وبوساطة أمريكية وبحضور مصري وأردني.
وعقب العملية، احتشد أكثر المستوطنين تطرفًا والذين قدموا من المستوطنات المحيطة بالبلدة والجاثمة على أراضيها، وخاصة من مستوطنتي "يتسهار" و"هار براخا"، ومع دخول ساعات المساء هاجموا البلدة وأحرقوا ممتلكاتها ومنازل مواطنيها ومركباتهم، في مشهد مكرر ذكّر المواطنين بمآسي أيام النكبة عام 1948 وما ارتكبته العصابات الصهيونية آنذاك من مجازر بحقهم.
كما خرجت دعوات لمحو بلدة حوارة أطلقها غلاة المستوطنين المتطرفين، مثل وزير مالية إسرائيل "بتسلئيل سموتريتش"، وهو ما طالب به أيضا "دافيد بن تسيون" نائب رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية، وأيده في ذلك وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير".
الموقع والتقسيم الإداري
وتتبع "حوارة" هي و56 قرية وبلدة أخرى مدينة نابلس، إحدى أكبر محافظات شمال الضفة الغربية، ويعني اسمها باللغة السريانية "البياض" أو "الأرض البيضاء"، وسُميَّت بذلك لبياض تربتها المعروفة باللهجة الفلسطينية بـ"الحُوَّر".
وتقع حوارة جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، وتبعد عن مركز المدينة 9 كيلومترات، ويقسمها "شارع حوارة" (طريق "نابلس – القدس" كما عرف قديما) بين شرق وغرب.
وتتبع البلدة إداريا لمحافظة نابلس، وحسب اتفاق أوسلو عام 1993 صنفت أراضي حوارة بين مناطق "ب" الخاضعة إداريا وأمنيا للسلطة الفلسطينية، والمنطقة "ج" الخاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية.
المشاركة بالنضال
وشاركت بلدة حوارة في النضال والمقاومة ضد الغزاة خلال مختلف المراحل التاريخية، وفي العصر الحديث يذكر لأبنائها مشاركتهم في ثورة عام 1936 ضد الإنجليز، واستشهاد 3 منهم وهم محمود الحمور وماجد سعادة والسنوسي الحواري.
وبعد الاحتلال الإسرائيلي للبلدة عام 1967 وحتى مطلع عام 2023، سُجلت أكثر من 800 حالة اعتقال بين أبنائها الذين تراوحت أحكامهم بين 18 يوما و16 عاما، بالإضافة إلى 25 شهيدا، بينهم 5 خلال انتفاضة الأقصى الثانية.
وشكَّل موقع البلدة على الشارع الرئيسي الذي يسلكه المستوطنون صيدا ثمينا لمقاوميها، وخاصة في الانتفاضة الأولى حين شنوا فرادى وجماعات هجمات ضد المستوطنين.
كما شكّل مقاومون خلايا لمقاومة الاحتلال منهم نجم عوده، الذي ارتقى شهيدا مع 15 مقاوما آخرين في "ملحمة عين البيضاء" بالأغوار الفلسطينية الشمالية عام 1970، ولا يزال الاحتلال يحتجز جثامينهم بمقابر الأرقام.
الاحتلال والاستيطان
ويعتبر الاستيطان أكثر العوامل الطاردة والقاهرة لأهالي حوارة، فقد نهشت مستوطنة "يتسهار" 1500 دونمًا من شمال البلدة وآلاف الدونمات من القرى المجاورة، بالإضافة إلى مستوطنة "جفعات رونين" الاستيطانية التي تفرعت منذ سنوات عن المستوطنة الأم "هار براخا".
وإلى جانب المستوطنتين استولى الاحتلال على المعسكر الأردني القديم "معسكر حوارة" الذي أقيم قبل عام 1967 على أراضي عورتا وحوارة، فحوَّله مقرا لجيشه، ومركزا للتوقيف والتحقيق مع الأسرى الفلسطينيين، مع مقرات للشرطة والمخابرات الإسرائيلية والارتباط العسكري، وأضاف مهبطا للطائرات العمودية، ثم تحوَّل جزء من المعسكر لإدارة مدنية من أجل "إدارة شؤون الفلسطينيين".
وقرب المعسكر أقام الاحتلال حاجز حوارة العسكري عام 2000 ليشكل مع حاجز زعترة جنوبا على بعد 5 كيلومترات فكي كماشة لشارع حوارة بأكمله.
وصادر الاحتلال 1100 دونمًا من أراضي البلدة لمصلحة الشارع الاستيطاني الالتفافي الجديد، الذي بدأ بشقه بداية عام 2021 ليكون بديلا عن شارع حوارة الرئيسي، الذي حوَّله الاحتلال لثكنة عسكرية عبر إقامته 15 برجا عسكريا للمراقبة، وحواجز متحركة وثابتة بين طرفي شارع حوارة.