منذ مطلع العام الجاري، والحفريات الإسرائيلية في محيط المسجد الأقصى لم تتوقف، بل تزداد وتيرتها في هذه الفترة بشكل غير مسبوق، بحيث تستغل سلطات الاحتلال الأوضاع والأحداث التي تشهدها القدس والضفة الغربية المحتلتين.
ودائمًا ما تجري الحفريات تحت الأرض، لكن هذه المرة تتم فوقها، وكل من يمر من محيط الأقصى، يُشاهد عددًا كبيرًا من الآليات والجرافات والعمال التابعين للاحتلال والجمعيات الاستيطانية يعملون يوميًا وعلى مدار الساعة في تلك المنطقة.
وتسابق حكومة الاحتلال الزمن للسيطرة الكاملة على الأقصى، وفرض وقائع جديدة فيه، عبر طمس معالمه وآثاره الإسلامية والعربية وسلخ المسجد عن هويته، سواءً عبر الحفريات والأنفاق أسفله وفي محيطه، أو من خلال تكثيف الاقتحامات وفرض الطقوس والصلوات التلمودية فيه، أو تنفيذ مخططات تهويده.
طمس المعالم
الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب يقول إن سلطات الاحتلال والجمعيات الاستيطانية والتهويدية تُسارع الخطى لتنفيذ أعمال الحفريات والتنقيب في محيط المسجد الأقصى، لكن هذه المرة فوق الأرض وليس تحتها.
ويوضح أبو دياب، في حديث خاص لوكالة "صفا"، أن الاحتلال بدأ فعليًا وبشكل أكثر تسارعًا العمل فوق الأرض، بحيث تتركز الحفريات في منطقة حائط البراق، والقصور الأموية وبلدة سلوان، في محاولة لتجريف وطمس المعالم والآثار العربية والإسلامية في محيط الأقصى بشكل كامل.
ويضيف أن هذه الحفريات تهدف إلى ربط "بركة الهيكل" التي يعمل على إقامتها مكان بركة عين سلوان، بعدما استولى على "أرض الحمراء" قرب العين التاريخية، مع طريق "درب الحجاج" الاستيطاني، وصولًا إلى المسجد الأقصى وحائط البراق.
و"درب الحجاج" طريق استيطاني، افتتحته جمعية "العاد" الاستيطانية عام 2019، ويمتد مساره تحت الأرض من عين سلوان، ويلتف أسفل سور البلدة القديمة من جهة باب المغاربة، وينتهي عند أساسات حائط البراق غربي الاقصى.
وتستغل حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة- كما يؤكد أبو دياب- الأحداث الميدانية التي تشهدها القدس والضفة الغربية، وانشغال وسائل الإعلام بتسليط الضوء على الاعتداءات الإسرائيلية بحق أبناء شعبنا، من أجل استكمال حفرياته في محيط الأقصى.
ويشير إلى أن إقامة ما يسمى بـ"مطاهر الهيكل -المغطس" في عين سلوان ومنطقة القصور الأموية، وغيرها، تعد خطوة أولى متقدمة تسبق بناء "الهيكل" المزعوم.
ويبين أن الحفريات الإسرائيلية تجري أيضًا، فوق السور الجنوبي للبلدة القديمة قرب باب المغاربة، بهدف وصلها مع طريق "درب الحجاج"، ولتوسعة "نفق الحجاج" الاستيطاني.
وبحسب الباحث المقدسي، فإن هناك أنفاق يجري العمل عليها في محيط الأقصى، أحدهما يمتد من بركة وعين سلوان، وصولًا للقصور الأموية جنوبي الأقصى، ونفق آخر يصل لمنطقة باب الرحمة.
وحسب مخطط الاحتلال بشأن الحفريات، فإنه سيتم إزالة جزء من السور التاريخي قرب باب المغاربة "سور القدس القديم"، لاستكمال مسار "درب الحجاج" فوق الأرض، وإزالة كل المباني الموجودة بالمنطقة.
تغيير كبير
وكل هذه الأعمال التهويدية تُدلل على أن" الاحتلال يسعى حثيثًا إلى تحقيق حلمه في إقامة الهيكل المزعوم، خاصة في ظل وجود الحكومة اليمينية المتطرفة، ورُبما أُعطيت الأوامر للانتهاء من الخطوة الأولى ألا وهي إقامة (مطاهر الهيكل)". وفق أبو دياب
ويؤكد أن حكومة الاحتلال ترى أن" هذه الفترة تشكل فرصة ذهبية، لأن كل الظروف الإقليمية والعالمية مواتية لتحقيق ما تريد بشأن المسجد الأقصى".
ويُصاحب أعمال الحفريات إغلاقًا لكل الشوارع والطرق المحيطة بالأقصى، وخاصة المنطقتين الجنوبية والجنوبية الغربية، بالإضافة إلى اقتلاع أشجار الزيتون، ووضع سياج لعدم الدخول إلى المنطقة المستهدفة.
ويوضح أبو دياب أن الأمور في محيط الأقصى أخذت مسارًا تغييرًا كبيرًا فوق الأرض، بعدما كانت كافة الحفريات والأنفاق تتم سابقًا فوقها فقط، لافتًا إلى أن هذا التسارع الخطير في الأعمال لم تشهده مدينة القدس منذ احتلالها عام 1967.
ويشير إلى أن بلدية الاحتلال و"سلطة الآثار" الإسرائيلية، وجمعية "إلعاد" الاستيطانية، وما يسمى "صندوق تراث حائط المبكى" يعتبرون أحد أذرع الاحتلال الذين يعملون بشكل متسارع على تهويد القدس والأقصى، وتشويه معالمهما وآثارهما التاريخية والدينية.
ويحذر الباحث في شؤون القدس، من تزايد وتيرة الحفريات الإسرائيلية في محيط الأقصى، مما يُهدد بانهيار أساساته، ويشكل خطرًا داهمًا على المباني التاريخية القديمة وعلى وجوده.