طرحت مجموعة الأزمات الدولية ثلاثة سيناريوهات قد تحدث خلال إدارة "العملية الانتقالية" التي ستعقب الرئيس محمود عباس، محذرة من سيناريو انهيار السلطة وحدوث فوضى.
وحصرت المجموعة، خلال تقرير أصدرته بعنوان: "إدارة العملية الانتقالية الوشيكة في القيادة الفلسطينية"، السيناريوهات في العودة إلى الإرادة الشعبية، أو تعيين عباس خليفة له قبل مغادرته المشهد، أو انهيار العملية الانتقالية وحدوث فوضى.
وقالت المجموعة، وفق متابعة وكالة "صفا": "يتمثل السيناريو الأول في أن يقوم عباس أو خلفاؤه المؤقتون بإصدار قرار بالعودة إلى القواعد، وإحياء مؤسسات الرقابة القضائية التي همشها وإعادة إحداث درجة من الإرادة الشعبية في إجراءات الخلافة".
لكنها استدركت "حتى الآن، ما من شيء يشير إلى أن القادة الفلسطينيين سيختارون هذا المسار، رغم أنه سيكون المسار الأسلم".
وأضافت "في السيناريو الثاني، إما أن يعين عباس خليفة قبل مغادرته المشهد أو، إذا لم يفعل ذلك، تختار فتح خليفة بعد ذلك، ويمكن لمثل هذه الخطوة أن تحقق استقراراً أولياً في العملية الانتقالية لكن من غير المرجح أن يكون مستدامًا، إذ من المرجح أن تتزايد الضغوط بسرعة بين الفلسطينيين من أجل إجراء تصويت شعبي. علاوة على ذلك، فإن أي خليفة لن يتمتع بسلطة عباس بصفته أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية أو يحكم قبضته على المؤسسات الفلسطينية التي سمحت له بتأجيل الانتخابات".
ورأت أن "السيناريو الثالث، هو بالتأكيد محتمل، ويتمثل في انهيار العملية الانتقالية إلى شكل من أشكال الفوضى، وربما العنف بين فصائل مسلحة متحالفة مع سياسيين معينين وتسيطر على أجزاء مختلفة من الضفة الغربية، ومن شأن هذا المآل الأخير أن يلقي بظلال من الشك على بقاء السلطة الفلسطينية".
وذكرت المجموعة أن "الرئيس محمود عباس، البالغ من العمر 87 عامًا، ما زال يحكم قبضة قوية على السلطة، إلا أن فترة حكمه تقترب لا محالة من نهايتها، وستشكل عملية خلافته تحدياً، بالنظر إلى أن عباس يشغل ثلاثة مناصب قيادية؛ فهو رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية وقائد منظمة فتح، الفصيل الأكبر في المنظمة".
تعطيل المؤسسات
وأشارت إلى أن عباس "أفرغ أو عطل المؤسسات والإجراءات التي كان من شأنها أن تقرر من يحل محله، وما يعقد المسائل هو أنه في حين أن عباس هو قائد الفلسطينيين في سائر أنحاء العالم، فإن مركز جاذبية الحركة الوطنية انتقل إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل؛ وواقع الحال هو أن وحدهم الفلسطينيين الذين يعيشون هناك سيكون لهم صوت في اختيار خليفته".
وتابعت "ومن أجل تفادي مخاطرة حدوث فوضى، ينبغي على أي قيادة فلسطينية مؤقتة أن تضمن عملية انتقال مستقرة، عملية يعترف الفلسطينيون بشرعيتها، من خلال السماح بإجراء انتخابات رئاسية من شأنها أن تصادق على خليفة معيّن أو أن تسمح للفلسطينيين بالاختيار بحرية من بين مرشحين، وهو الخيار الأفضل".
وقالت المجموعة إن "قادة الفلسطينيين، وبمساعدة إسرائيل، أحبطوا بشكل متكرر تطلعاتهم للتصويت في انتخابات رئاسية وتشريعية كطريقة لإضفاء الشرعية الشعبية".
وأشارت إلى أن عباس "جمع كل المناصب القيادية الثلاثة، وحكم بشكل استبدادي على نحو متزايد، وتجاوز الإجراءات، وأضعف المؤسسات وأسكت المنتقدين، إلى نهاية فترة حكمه، ما يضيف إلى تعقيد التحدي حقيقة أن عباس لم يعطِ مؤشراً واضحاً بشأن الشخص الذي يرغب بأن يخلفه، الأمر الذي يحدث فوضى وارتباكاً ويشجع المنافسة خارج المؤسسات بين الخلفاء المحتملين".
التدخلات الإقليمية والدولية
ولفتت إلى أن "إسرائيل تنظر إلى الوضع في المناطق التي تحتلها بشكل رئيسي بصفتها هاجساً أمنيًا، وهو السبب الرئيسي لقيامها بتحويل السلطة الفلسطينية من راع ٍومشرف على قيام دولة فلسطينية مستقبلية إلى ما تحول فعلياً إلى مساعد لإسرائيل في فرض سيطرتها".
وتابعت "ومن أجل إدامة الاحتلال وكل ما يأتي معه، تفضل إسرائيل أن تبقى حلقات القيادة الموجودة حالياً في مواقعها في حقبة ما بعد عباس، إلا أنها حذرة من المصادقة على أي مرشح بعينه، خشية أن تكون مصادقتها قاتلة سياسياً لذلك الشخص لدى الجمهور الفلسطيني".
ورأت أن "الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة القادمة من أقصى اليمين من شبه المؤكد أن تُحدث عناصر جديدة مزعزعة للاستقرار في احتلالها العسكري؛ مثل تسريع التوسع الاستيطاني، والتحرك نحو الضم الكامل، أو أفعال استفزازية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، التي من شأنها أن تقوض ما تفضله المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ظاهرياً من محافظة على الوضع القائم".
واعتقدت أن "الدول المجاورة مثل الأردن ومصر، ورغم أن مسؤوليها يحافظون على صمتهم، فإنهم يفضلون عملية انتقالية لا تغير شيئاً في المعادلة، على الأقل كي لا يحدث شيء مختلف قد يجبرهم على التحرك".
وأضافت "وبالنسبة للقوى الخارجية، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، فإنها تستمر في التعبير لفظياً عن دعمها للديمقراطية حتى عندما توحي بأنها ستكون راضية عما يمكن لإسرائيل وجيرانها أن يقبلوه أو يحدثوه".
وأكدت أنه "لا توجد طريقة سهلة لتجديد قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، إذ سمحت اتفاقات أوسلو للدوائر العليا في منظمة التحرير الفلسطينية بالعودة إلى الضفة الغربية، ولغايات عملية يعود الأمر الآن للفلسطينيين الموجودين هناك الذين قد تتاح أو لا تتاح لهم الفرصة لاختيار قائدهم القادم، على الأقل كرئيس للسلطة الفلسطينية".
وشددت على أنه "في حين ينبغي على الفلسطينيين أن يستمروا في السعي لتجديد حياتهم السياسية بشكل عام، فإن العملية الانتقالية الوشيكة في الأراضي المحتلة تشير إلى أن الاستعدادات للخلافة ينبغي أن تبدأ هناك فوراً إذا لم يكن هناك رغبة بجعل وضع متوتر أكثر توتراً".
وأوضحت أن هناك "ثمة إجراءات دستورية لتحديد الخلافة، والتي ينبغي على القيادة الفلسطينية أن تتخذ خطوات لإعادة توكيدها وإعادة ترسيخها بعد سنوات من الإهمال، إلا أنها من غير المرجح أن تفعل ذلك".
وأضافت "كما لا يبدو أن الجهات الفاعلة الدولية الضالعة اسميًا في السعي للتوصل إلى حل عادل ودائم للصراع ستفعل الكثير لدفع عباس في ذلك الاتجاه".
وبيّنت أنه "من الصعب تصور سيناريو لا تتصاعد فيه الضغوط من أجل إجراء انتخابات بعد ذلك مباشرة (مغادرة عباس)، حتى لو حدثت العملية الفعلية لتسليم السلطة دون مشاكل".
وتابعت "لذلك من الحيوي أن تفعل الجهات الفاعلة الأجنبية كل ما بوسعها لدعم عملية تجري بعد مغادرة عباس لمنصبه من شأنها أن تؤكد شرعية أي خليفة يتم اختياره من خلال إجراء انتخابات، في الحد الأدنى انتخابات رئاسية، تجرى في جميع الأراضي المحتلة، وبالتأكيد عدم الوقوف في وجه مثل تلك العملية".
وأكدت أن "ذلك سيكون أقل بكثير من تعزيز الجهود المترنحة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، لكنه سيقلص فرص تسبب عملية خلافة فاشلة بالمزيد من الفوضى أو حتى بانهيار السلطة الفلسطينية".