دخل الخلاف الدائر بين أعضاء مجلس إدارة شركة الجامعة العربية الأمريكية في جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، منعطفًا حاسمًا بعد إعادة انتخاب رجل الأعمال يوسف عصفور رئيسًا لمجلس إدارة الشركة، وسط تشكيك بشرعية العملية في وقت لم تفصل المحكمة في القضايا المرفوعة ضده.
وعقد بتاريخ 23/11/2022 اجتماع الهيئة العامة غير العادي للشركة في العاصمة الأردنية عمان، بدعوة من عصفور على الرغم من اعتراض عضوي مجلس الإدارة عبد الحليم موحد ورشاد البطة، اللذين يملكان 43% من أسهم الشركة، كثاني أكبر حصة، وتم فيه انتخاب مجلس إدارة جديد للشركة استبعد فيه العضوان.
وبناءً على ذلك، عُقد اجتماع مجلس الإدارة الجديد، وانتخب عصفور رئيسًا للمجلس، وصدرت بتاريخ 11/12/2022 شهادة تعديل على مجلس الإدارة من مسجل الشركات.
الشكوى الخامسة
ودفعت هذه التطورات العضوان المستبعدان، الموحد والبطة، للتقدم بخامس شكوى إلى وزير الاقتصاد الوطني خالد العسيلي طالباه فيها باتخاذ ما يلزم من إجراءات في الشكاوى الأربعة السابقة المقيدة ضد عصفور لديه لتطبيق أحكام المواد 333 و336 من القرار بقانون رقم 42 لسنة 2021 بشأن الشركات.
كما طالباه بإجراء أعمال التفتيش والتحقيق في المخالفات المالية والإدارية المنسوبة لعصفور، وإلزام الشركة بتصويب أوضاعها القانونية المترتبة على اجتماع الهيئة العامة غير العادي، وإلزام عصفور بتصويب أوضاعه القانونية كرئيس مجلس إدارة ومدير تنفيذي للشركة.
وفي لائحة وأسباب الطلب، أشار الموحد والبطة إلى أنهما تقدما بأربعة شكاوى متعلقة بتطبيق أحكام مواد القانون لإجراء التفتيش والتحقيق في مخالفات منسوبة لعصفور بإدارته للشركة وامتناعه عن تزويدهما بوثائق أو قيود عمليات مالية تمت خلافا للأنظمة المالية والقانون، وآخر هذه الشكاوى بتاريخ 16/10/2022 وحتى تاريخه لم يتلقيا أية ردود خطية على هذه الشكاوى.
ولفتا إلى اجتماع الهيئة العامة غير العادي الذي عقد بتاريخ 23/11/2022 بدعوة من عصفور على الرغم من اعتراضهما باعتبارهما يملكان ثاني أكبر حصة من أسهم الشركة، والذي تم فيه انتخاب مجلس إدارة جديد للشركة بغيابهما، وتمت المصادقة على مكافآت أعضاء مجلس الإدارة لقاء حضورهم اجتماعات مجلس الإدارة.
وأشارا إلى اجتماع مجلس الإدارة الجديد وما جرى فيه من انتخاب عصفور رئيسًا له، وصدور شهادة تعديل على مجلس الإدارة عن مسجل الشركات بتاريخ 11/12/2022.
"اجتماع غير قانوني"
وسجل الموحد والبطة اعتراضاتهما على اجتماع الهيئة العامة غير العادي واجتماع مجلس الإدارة اللاحق له، وما احتوياه من مخالفات قانونية، وفق قولهما.
ودفع المستدعيان بعدم قانونية انعقاد اجتماع الهيئة العامة غير العادي واجتماع مجلس الإدارة اللاحق له استنادا لأحكام القانون ولأحكام النظام الداخلي للشركة المعدلة في اجتماع الهيئة العامة غير العادي بتاريخ 8/9/2021 والتي وضعت قيدا خاصا على أية صلاحيات كانت لرئيس مجلس الإدارة.
كما دفعا بعدم شرعية انتخاب عصفور رئيسا لمجلس إدارة الشركة ومخالفته لأحكام القرار بقانون رقم (42) لسنة 2021 بشأن الشركات، بخصوص عدم جواز الجمع بين منصب رئيس مجلس إدارة الشركة والإدارة التنفيذية.
ويشغل عصفور منصب الرئيس التنفيذي للشركة براتب شهري صافٍ مقداره (15000) دولار بدءا من 1/10/2017، وتتحمل الشركة كافة الضرائب والاقتطاعات المفروضة على راتبه بما فيها ضريبة الدخل واقتطاعات صندوق الادخار والتقاعد، وفق الشكوى.
وذكرت أن "انتخاب مجلس الإدارة خالف أحكام المادة 43 من النظام الداخلي والتي نصت على أن يتم انتخابهم بالاقتراع السري من بين أعضاء الهيئة العامة، في حين أن أعضاء مجلس الإدارة تم انتخابهم بالتصويت العلني".
وأشارت الشكوى إلى أن "التصويت على البند الثاني من جدول اجتماع الهيئة العامة لم يحصل على أغلبية 66% من أصوات الحاضرين وفقا لأحكام المادة 110/4/ب من القرار بقانون بعد استبعاد أصوات الأعضاء المنتخبين كأعضاء مجلس إدارة، والذين لا يحق لهم التصويت على المكافآت المقررة لأعضاء مجلس الإدارة بسبب تضارب المصالح ولوجود مصلحة مباشرة لهم في هذا التصويت من حيث رفع قيمة هذه المكافآت الباهظة".
وذكر المستدعيان أن مجلس الإدارة الجديد أصدر بتاريخ 24/11/2022 قرارًا بمنع موظفي الشركة أو الجامعة من تزويد المساهمين في الشركة بأية وثائق إلا من خلال رئيس مجلس الإدارة أو بموافقته الخطية، الأمر الذي أدى إلى حجب كافة المعلومات والبيانات المتعلقة بإدارة الشركة عن المستدعيان خلافا لمبادئ النزاهة والشفافية.
دعوة للتدخل
وطالب المستدعيان وزير الاقتصاد بالتدخل "حرصا منهما على سمعة ومكانة الجامعة والشركة، قبل شروعهما باتخاذ إجراءات قضائية جزائية وحقوقية إضافية ضد عصفور والذي حملاه المسؤولية كاملة عما ستؤول إليه الأوضاع المالية والإدارية في الجامعة نتيجة تفرده ومخالفته المستمرة لأنظمة الجامعة".
وكان الموحد والبطة وجّها إخطارًا عدليًا لكل من يوسف عصفور بصفته الشخصية وبصفته مساهما في الشركة بالإضافة إلى صفته رئيسا لمجلس إدارتها ومنفردا بالتوقيع عن الشركة قبل تعديل نظامها الداخلي بتاريخ 8/9/2021، وعنان يوسف الديك بصفته الشخصية وبصفته مساهما في الشركة.
وجاء هذا الإخطار على ضوء الكتاب الوارد من بنك فلسطين لمحكمة بداية رام الله/ الغرفة الاقتصادية بتاريخ 13/12/2022، وصور وإيصالات الشيكات، ووفقًا لما هو ثابت بميزانيات الشركة المدققة، حيث تأكد صرف قيمة ثلاثة شيكات مسحوبة على حساب عصفور لصالح الديك بقيمة إجمالية بلغت 750 الف دولار خلال العام 2020، وفق الموحد والبطة.
وأضافا "ثبت أن قيمة هذه الشيكات والمبالغ المصروفة قد تم تقييدها كجزء من مساهمة عصفور في رأس مال الشركة، وأنها دفعت للديك كبدل اعتماد برامج في الداخل المحتل".
ووفقا للميزانيات المدققة للأعوام 2020 و2021 فقد تضمنت تكاليف اعتماد برامج الداخل باعتبار دفع قيمتها للديك من حسابات الشركة.
وحمل الإخطار ما وصفاه بالفرصة الأخيرة للحفاظ على مصالح الشركة وسمعتها ونجاحاتها وتجنباً لسلوك الطرق القضائية لغرض التعامل مع الإجراءات السابقة التي تمت خلافا لأنظمة الشركة المالية.
وطالباهما خلال مدة أسبوع ببيان الأسباب التي دعت عصفور لدفع قيمة الشيكات المذكورة للديك من حسابه الشخصي عن أعمال تخص الجامعة وليس من حسابات الجامعة حسب أنظمة الجامعة المالية، وبيان ماهية المعززات والمستندات لعملية الدفع واعتماد البرامج وماهية البرامج المعتمدة التي تم دفع قيمة الشيكات عنها.
وكذلك بيان أسباب تحميل قيمة اعتماد البرامج في الداخل للجامعة في ميزانياتها المدققة وعدم التصريح بالمدفوع على ذات البرامج من عصفور للديك على الرغم من ثبوت خصم قيمتها من مساهمة عصفور في رأس مال الجامعة.
أزمة الجامعة
وعلى مدى أكثر من سنتين كان مجلس إدارة شركة الجامعة العربية الأمريكية مسرحًا لصراع بين رئيسه واثنين من كبار المساهمين، الموحد والبطة، على إثر اتهامات وجهها المساهمان لرئيس الشركة بعمليات احتيال وفساد مالي بملايين الدولارات، في وقت يقول رئيسها إن الدافع وراء المزاعم هو إجباره على بيع حصته، التي تزيد عن النصف، في الجامعة.
وكانت وكالة "صفا" أول من كشفت من خلال وثائق حصلت عليها عن دعوى قضائية تقدم بها الموحد والبطة ضد عصفور لدى محكمة بداية رام الله- الغرفة الاقتصادية تتهمه بارتكاب مخالفات قانونية.
وتشتمل القضية على ثلاث دعاوى، إحداها دعوى فرعية لإبطال تصرفات وتعاقدات تمت باسم الشركة بتاريخ 14/6/2022 لإدارة مكاتب الجامعة في الداخل المحتل، ودفع مبلغ 750 ألف دولار للمتعاقد عنان الديك بدل نفقات مكاتب الداخل بشيكات شخصية، وقيدت قيمة الشيكات على حساب الشركة وخُصمت من حصة عصفور في زيادة رأس مال الشركة عام 2020 دون وجود معززات تثبت صحة هذه المدفوعات.
وفي اجتماع الهيئة العامة غير العادي الذي عقد بتاريخ 8 سبتمبر 2021 تم تعديل النظام الداخلي للشركة ليصبح عصفور مفوضا رئيسيا بالتوقيع عنها بالإضافة إلى توقيع عضو المجلس الموحد أو توقيع المفوض المسمى من وزير الاقتصاد كتوقيع ثانٍ.
ورغم قرار عدم توقيع عصفور منفردًا نيابة عن الشركة، إلا أنه فوّض مدير الشركة بالتعاقد مجددًا مع الديك لإدارة مكاتب الداخل بالرغم من تبليغه كتابيا من الشريكين برفضهما التعاقد مع الديك.
كما أنه استمر برفض الإفصاح عن النفقات المدفوعة بغير أوجه الصرف المحاسبية ودون معززات على الرغم من مطالب الشريكين المتكررة بتصويب الأوضاع المالية والإدارية السابقة، وفقًا للموحد والبطة.
وأمام ذلك، لجأ الاثنان إلى القضاء، يلتمسان إلزام "عصفور" بدفع أو إعادة مبلغ 6,814,517 دولارًا للشركة، وتمكين لجنة خبراء مدققي حسابات من الاطلاع على جميع دفاتر وسجلات الشركة وأرصدتها ومدخولاتها ومصروفاتها وكشوفاتها البنكية وسندات أصولها الثابتة وأموالها غير المنقولة للأعوام 2019-2022، وذلك لبيان قيمة الأرباح المتحصلة للشركة بعد احتساب كافة المبالغ المصروفة بغير وجه حق.
ومن اللافت، تأكيد مصادر مطلعة لوكالة "صفا" أن رئيس الوزراء محمد اشتية- الذي كان يرأس مجلس أمناء الجامعة وقت ما زُعم أنها مخالفات- سحب خلال وجوده بالحكومة القضية من المحكمة وحوّلها لوزير الاقتصاد في محاولة لإغلاق الملف، وعليه قام المساهمان "الموحد" و"البطة" بإعادة رفع القضية لدى محكمة بداية رام الله. (بعد نشر التحقيق تواصل مكتب رئيس الوزراء مع وكالة "صفا" ونفى تدخله في القضية).
كما أن "عصفور" التقى في يناير 2019 رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ، وتباحثا، وفق بيان رسمي، "في الشؤون الاقتصادية وآخر المستجدات السياسية"، ولم يُعرف ما إذا كان للقاء علاقة بهذا الملف الذي كان متفاقمًا آنذاك.
وينفي عصفور جميع التهم عن نفسه، ويعزو ما يقوم به الموحد إلى رغبة الأخير بالاستيلاء على الجامعة.
وما بين اتهامات متبادلة تعصف بالجامعة منذ سنوات، ودعاوى قضائية بين أعضاء مجلس إدارتها، ومطالبات باسترداد مبالغ مالية بملايين الدولارات وأخرى بالتعويض، تبقى الخشية من انعكاس هذه الأزمة على مصير آلاف الطلبة ونحو 500 من الهيئة التدريسية فيها.