كان بيت الفلسطيني زهدي أبو الجبين نموذجًا استطاع بتخصصه في الهندسة، مستعينًا بـ"مهندس خانه لاحقًا"، أن يجعله حديثًا للناس في فلسطين، قبل أن تأتي عصابات "إسرائيل" وتفجره بمن فيه، وترتكب مجزرة راح ضحيتها ما يزيد عن 15 شخصًا.
وضمن ملف الكشف عن مجازر وملفات مخفية إبان عام النكبة 1948، الذي أطلقته وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا"، تسلط الضوء على المجزرة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في فيلا الفلسطيني زهدي أبو الجبين.
وتستعين الوكالة بمختصين ومحامين في تسليط الضوء على المجازر والملفات المتعلقة بجرائم "إسرائيل" إيان النكبة، والتي تُخفى على كثير من أبناء الشعب الفلسطيني، تحت طي أرشيف الاحتلال وملفات مجازره في فلسطين.
جمع الطراز الشرقي والغربي
ويقول المختص بملفات النكبة جهاد أبو ريا: "إن زهدي أبو الجبين رجل أعمال فلسطيني، أراد أن يقيم قصرًا في بيت دجن بالقدس ومطلًا على يافا، وذلك على بعد أمتار من بيت البيارة أو بيت البئر، الذي يقوم على نبع ماء، على مدخله مضخة تضخ الماء إلى بركة مياه تتشعب منها قنوات تسقي أشجار الحمضيات".
ويشير إلى أن أبو الجبين بدأ بناء بيته في بداية الثلاثينات من القرن الماضي على الطراز الشرقي، وأتم بناء مبنى مكون من طابقين، تميزه الأسقف العالية وسبعة اقواس في واجهة كل طابق، لكن سرعان ما تبدل رأيه، وقرر أن يبدل هوية المبنى إلى الطراز الغربي.
ويكمل "ومن أجل ذلك استخدم خدمات المهندسين ريكارد كاوفمان ويتسحاك راببورت من القدس، وكانا من أشهر المهندسين، ومن أجل إقامة الحدائق حول المبنى وشلالات المياه وقنوات المياه، فقد استأجر خدمات المهندس يحيئيل سيجل، وكان يريد أن يجعله قصرًا يضاهي به قصور النبلاء".
وأبو الجبين كان رجلاً ثرياً وتاجرًا كبيرًا، من أكبر تجار الحمضيات في فلسطين، كان يمتلك شركة مسجلة في فلسطين وفي بريطانيا، يصدر من خلالها البرتقال اليافاوي، من ميناء يافا إلى جميع أنحاء العالم، وكان أيضًا يملك شركة طباعة لختم صناديق البرتقال وطباعة العلامات التجارية على الورق الذي يُلفّ به البرتقال، اسمها "مطبعة أبو الجبين وإخوانه".
وسكن زهدي أبو الجبين وعائلته في يافا، وكان عضواً في مجلس بلديتها، لقد كان رجلا كريمًا، ففي عام ١٩٤٠، تبرع بمبلغ كبير من المال، ٥٠٠٠ جنيه، لبناء ملجأ للأيتام بالقرب من بيت دجن، لرعاية أبناء الشهداء المجاهدين، ملجأ الرجاء، على اسم ابنه".
ومما ميز جمال مبنى أبو الجبين، كانت الحدائق الرائعة التي كانت تحيطه، تبدأ ببركة مياه سداسية الشكل، تصل إليها المياه عبر قناة من بيت البئر، ومن ثم تتشعب بقنوات إلى برك أخرى، وإلى أحواض الورود الفريدة، تزينها شلالات من المياه، أنها أشبه بقصور ألف ليلة وليلة.
واستضاف أبو الجبين شخصيات كبيرة في قصره، منهم ملك السويد غوستاف السادس عندما كان أميرًا ، وهنا استضاف الرئيس السوري عطا بك الأيوبي، والرئيس المصري مصطفى النحاس باشا.
مهندس عضو عصابة
لكن كان للمهندس المساعد قصة "خيانة" مع رجل الأعمال أبو الجبين، وعنها يقول أبو ريا: "استأجر أبو الجبين، خدمات مهندس يُدعى يتسحاق راببورت، لإتمام بناء بيته الجميل، تحديدًا بين قرية بيت دجن وعيون قارة-ريشون لتسيون، ولم يخطر على باله آنذاك، أن هذا المهندس، سيساعد لاحقًا عصابة البالماح الصهيونية على هدم بيته"، يقول أبو ريا.
ويضيف "لم يكن يخطر ببال أبو زهدي أو يعلم بأن هذا المهندس، هو في حقيقته عضو في عصابة الهجناه الصهيونية".
وجاء أنه "في تاريخ ٢٦/٢/١٩٤٨، في ساعات الليل، نجحت وحدة خاصة من عصابة البالماح، بقيادة شلومو لاهط، بالدخول إلى فيلا زهدي أبو الجبين وقامت بتفجيره على من فيه، لوم يكن زهدي أبو الجبين وعائلته موجودين في البيت".
ولكن تلك العصابات قتلت وأعدمت 15 شخصًا كانوا موجودين داخله، وسبق ذلك بقليل قيام نفس العصابة بتفجير بيت البيارة وقتل وإعدام من فيه، خمسة أشخاص على الأقل.
ورغم قوة الانفجار لم يهدم البيت بكامله، كان المبنى قويا متماسكًا، فجاء المهندس يتسحاك راببورت، المهندس الذي شارك في تخطيط المبنى، ليدل العصابة ويساعدها على تفجيره بالكامل".
واتضح لاحقًا، أن هذا المهندس الذي شارك بالتخطيط لبناء الكثير من البيوت العربية، مثل بيت عائلة الدجاني ومستشفى الدجاني في يافا، وبيت محمود عبد الرحيم، الذي تحول إلى بيت للسفير الفرنسي، ما هو إلا عضو في عصابة الهجناه ومسؤولاً في وحدة الهندسة عن التفجيرات، وأنه كان ينقل ما يسمعه داخل هذه البيوت وخاصة ما يحدث من لقاءات المجاهدين في بيت محمود عبد الرحيم، إلى عصابة "الهجناه".
هدم شلومو لاهط وعصابته فيلا أبو الجبين وبيت البيارة، وقتل وإعدام من فيهم، وكانت جائزته أنه أصبح رئيس بلدية "تل أبيب" بين السنوات ١٩٧٤ حتى ١٩٩٣.
يقول أبو ريا: "لو بقيت فيلا زهدي أبو الجبين عامرة بحدائقها وشلالات المياه من حولها، وبيارات البرتقال التي تحيطها، ولو لم تهدمها عصابة البالماح، لكانت ولا زالت أجمل فيلا في فلسطين".