"آيات وآلاء وألين"، ثلاث لاجئات فلسطينيات من مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان، أصغرهن ثمانية أعوام وأكبرهن اثنا عشر عامًا، نجون من كارثة محققة بأعجوبة، قبل أن ينهارَ جزءٌ من سقف الغرفة التي تواجدن فيها ويسقط على الأرض بعد خروجهن منها خلال ثوانٍ معدودة.
أبنية المخيم المكتظ بالسكان متهالكة كما بقية المخيمات اللبنانية، في ظل عجز الأهالي عن ترميمها أو حتى استئجار منازل أخرى، ومع غياب أية وعود بترميمها قريبًا؛ مما يضطرهم للعيش تحت الخطر، لأنه لا سبيل آخر إلا البقاء في منازلهم.
ويحتاج 5500 منزل في مختلف المخيمات إلى أعمال ترميم، ويخشى اللاجئون من انهيار منازلهم فوق رؤوسهم بأي لحظة، ووقوع كوارث مفاجئة لا يستطيعون تحمل تبعاتها.
ووفق آخر إحصائية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن معدلات الفقر لدى اللاجئين وصلت إلى ٧3٪، إلى جانب ذلك، يُمنع الفلسطيني في لبنان من التملك بموجب القرار رقم 296 لعام 2001.
وهذا العام، مرّ ربع قرن على إصدار السلطات اللبنانيّة قرارًا تمنع بموجبه إدخال مواد البناء والترميم إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، مما أدى إلى تزايد خطر انهيار المنازل المتهالكة على سكانها، ولا سيما في فصل الشتاء، وفقًا للأمم المتحدة.
خطر الانهيار
عماد عزام والد ألين الناجية من انهيار جزءٍ من بنايتهم، يقول لوكالة "صفا" :"بيتي وبيت شقيقي محمد المتواجدان في بناية واحدة ويقطنهما 10 أفراد، معرضان للانهيار بشكلٍ كامل في أي وقت، لأن بيوت المخيم ضعيفة وغير متينة، بسبب ما عانته من حروبٍ كثيرة".
ويضيف "لا يوجد أمان داخل المنزل، ننام ونحن في حالة خوف من انهياره علينا، فهو في خطر بالغ منذ فترة طويلة، ووضعنا الاقتصادي لا يسمح لنا باستئجار منزل آخر، كما أن عائلة أخي تنام في المطبخ بعد انهيار أجزاء من سقفِ منزله".
ويتابع "معاناتنا تتفاقم يومًا بعد يوم، ولا نجد أي وجهة أخرى للهرب إليها، في ظل انعدام فرص العمل، وشح المال، وكذلك الظروف المعيشية الصعبة للغاية".
ويصف وضعهم في مخيمات لبنان بـ"المأساوي"، مبينًا أنهم محرومون من حقوق كثيرة تتعلق بالعمل والتملك، عدا عن أزمة سقوط الأبنية التي زادت أوضاعهم سوءًا.
ويقول: "قدّمنا لوكالة أونروا منذ 6 أعوام طلبًا لترميم منزلنا، نحن وكثير من أبناء المخيمات، وجاؤوا إلينا وعاينوا المكان، وقاموا بتصويره، وقطعوا لنا وعودًا كثيرة، لكنهم لم ينفذوا أيًا منها حتى اللحظة، ولم يساعدنا منهم أحد".
ويناشد عزام "أونروا" والأمم المتحدة ومنظمة التحرير والمؤسسات الإنسانية بالوقوف إلى جانبهم في مخيمات لبنان، والتدخل السريع للعمل على إنهاء معاناتهم وترميم منازلهم المتهالكة.
سكن غير لائق
مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد" محمود الحنفي، يوضح أن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والتي مضى عليها 75 عامًا، لم تعد الآن صالحة للسكن اللائق، وغير قادرة على استيعاب المزيد من اللاجئين.
ويشير، في حديث لوكالة "صفا" من بيروت، إلى أنّ المخيمات عندما أُنشأت عام 1949، كانت تتسع لعدد معين من السكان، وبعد سنوات أصبحت العائلات تتمدد عموديًا، وهو ما يفوق قدرتها.
وحول الأسباب التي تُعيق ترميم المنازل، يقول الحنفي إن لبنان اتخذت قرار منذ العام 1996 يقضي بمنع إدخال أي شكل من أشكال مواد البناء إلى المخيمات، عدا عن تدني القدرة الاقتصادية للاجئين، والحصار والحروب الإسرائيلية والداخلية التي تعرضت لها المخيمات.
ويذكر أنّ مشكلة المباني المهددة بالانهيار تتواجد في جميع المخيمات ولا تقتصر على مخيم واحد، مبينًا أنّ العدد الأكبر من تلك المباني يتواجد في مخيم عين الحلوة.
ويعيش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان-كما يضيف الحنفي- في حالة استنزاف وموت بطيء، إذ باتت حياتهم صعبة وبائسة، دون عمل أو أي حق بالتملك أو السكن اللائق، ما أدى إلى تقليص عددهم إلى 200 ألف نسمة، بعدما كانوا 500 ألف.
ويحذر الحنفي من أنّ تلك الأوضاع تُعرض بنية المجتمع الفلسطيني في لبنان للتآكل، وانتشار الآفات الاجتماعية، أو التوجه نحو التطرف، أو الهجرة، "وكلها أمور خطيرة"
ويؤكد أنّ وكالة "أونروا" مسؤولة بشكل رئيس عن اللاجئين الفلسطينيين، مسؤولية متواصلة لا تنقطع عند وقتٍ معين.
ويضيف "لا ننكر أنّ أونروا ساهمت في فترة من الفترات بترميم عدد من المنازل، لكن ما نحتاجه هو مواصلة هذا الجهد، تِبعًا لمسؤولياتها القانونية تجاه الفلسطينيين عامةً، واللاجئين في لبنان خاصةً".
ويطالب مدير مؤسسة "شاهد"، بضرورة تعديل قانون التملك، بما يسمح للفلسطيني المقتدر شراء عقار وتملكه، داعيًا "أونروا" لإطلاق نداءات استغاثة عاجلة، لتذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني.
ويوضح أن منظمة التحرير تتحمل مسؤولية أخرى تجاه هؤلاء اللاجئين، كونهم ينضوون تحت مسؤوليتها، وعليها ألا تُهمل أوضاع المخيمات، مضيفًا في الوقت نفسه، "رغم ما تقدمه المنظمة للاجئين، إلا أنه لا يصل للحد الأدنى مما يحتاجونه في لبنان".
ويؤكد أنّ منظمات المجتمع المدني في لبنان أيضًا، عليها أن تتحمل المسؤولية وتضع ضمن برامجها الإغاثية والتنموية تأهيل منازل اللاجئين غير الصالحة للسكن.