يرى مختصون في شؤون القدس أن العملية التفجيرية المزدوجة التي وقعت صباح الأربعاء، في مدينة القدس المحتلة، تشكل تطورًا نوعيًا ومنظمًا في عمليات المقاومة، وفشلًا استخباريًا واختراقًا لمنظومة الأمن الإسرائيلية، أربكت حسابات حكومة الاحتلال، وأعادت إلى أذهانها مشاهد عمليات التفجير التي حدثت عام 2000.
والعملية التي أدت إلى مقتل إسرائيلي وإصابة 22 آخرين، بعضهم في حال الخطر الشديد، جراء انفجار عبوتين ناسفتين في موقفين للحافلات بالقدس، جاءت كرد طبيعي على التغول الإسرائيلي المستمر في المدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك، وعلى أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة.
ووفقًا للتحقيقات التي نشرها جيش الاحتلال، فإن شخصًا واحدًا وضع العبوتين في موقفين قريبين للحافلات وانسحب من المكان، وفيما بعد قام بتفجير العبوات عبر جهاز تحكم عن بعد أو عبر هاتف نقال.
واحتوت العبوات ذات الحجم المتوسط على كمية متوسطة من المتفجرات بالإضافة إلى احتوائها على الشظايا المكونة من المسامير والكرات المعدنية الصغيرة، والتي زادت من قوة العبوات وتسببت بهذا العدد من الإصابات.
نوعية ومنظمة
المختص في شؤون القدس ناصر الهدمي يصف عملية القدس بأنها "نوعية ومنظمة"، وجاءت مؤلمة للاحتلال، ربما أعادت إلى ذهنه عمليات التفجير التي حدثت عام 2000، مما يثير الرعب والخوف لديه من وقوع عمليات مشابهة.
ويقول الهدمي لوكالة "صفا"، إن العام 2022 يعد من أقسى الأعوام على الشعب الفلسطيني عامة وأهل القدس والمسجد الأقصى خاصةً، جراء تصاعد اعتداءات وجرائم الاحتلال بحق المقدسات، واقتحامات المستوطنين واستفزازاتهم في المسجد المبارك.
ويوضح أن الاعتداءات الإسرائيلية التي شهدناها خلال العام الجاري، وحجم التطرف الواضح لدى الاحتلال وإصراره على إظهار سيادته في القدس والأقصى، أدى لنشوء حالة من الغضب في الشارع الفلسطيني والمقدسي، واستفزازه بشكل كبير.
وبنظره، فإن العملية جاءت كرد فعل طبيعي على ما يجري في المدينة المقدسة من انتهاكات وإجراءات عنصرية، وتصعيد خطير ضد المسجد الأقصى، وهي تُوازي خطورة ما يرتكبه الاحتلال من اعتداءات على الشعب الفلسطيني.
ووفقًا للهدمي، فإن "الشعب الفلسطيني لم يعدم طرق ووسائل المقاومة، ورد الصاع صاعين لهذا الاحتلال الذي أصر خلال الأعوام الأخيرة على استفزاز أبناء شعبنا، والاعتداء على مقدساتهم بشكل فج وخطير".
ويبين أن العملية تأتي في إطار العمليات التي يُواجهها شعبنا، وتُلقي الاحتلال دروسًا بعدم الاعتداء على المقدسات الفلسطينية.
ويعتقد الاحتلال-كما يقول الهدمي- أن "مزيدًا من القبضة الحديدية ضد المقدسيين والفلسطينيين، ستؤدي إلى بسط الأمن، إلا أن ذلك لم يؤدي طيلة 70 عامًا لحدوث ما يسعى إليه، بل زاد من الكراهية والعداء لدى الشعب الفلسطيني، وإصراره على مقاومة المحتل وإزالة وجوده عن أرض فلسطين".
ويحذر الناشط المقدسي من تداعيات العملية البطولية، والتي رُبما ستزيد من اعتداءات الاحتلال وإجراءاته التنكيلية بحق الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية، ومقدساته.
وسائل المقاومة
أما الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب فيرى لوكالة "صفا" إن عملية القدس تشكل انتقالًا وتطورًا نوعيًا في وسائل المقاومة، كونها جاءت بعد سنوات طويلة من وقوع مثل هذه العمليات التفجيرية.
ويضيف "لم نشهد منذ ما يزيد عن 10 سنوات مثل هذه العمليات، والتي سيكون لها ما بعدها، كونها تأتي في سياق الاعتداء الإسرائيلي المستمر على أبناء الشعب الفلسطيني ومقدساته، وخاصة المسجد الأقصى، بالإضافة إلى تهويد القدس".
ويوضح أن العملية تحمل رسائل للحكومة الإسرائيلية القادمة، وخصوصًا المتطرف إيتمار بن غفير في ظل تهديداته المتواصلة ضد الفلسطينيين، والتي سيكون لها ردود فعل في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة، بما سيؤدي لمزيد من الاحتكاك وتصاعد الأوضاع.
خيار المقاومة
وتشكل عملية القدس فشلًا استخباريًا واختراقًا لمنظومة الأمن الإسرائيلي، والتي "كان الاحتلال يتبجح بأنها قادرة على الوصول للمقاومين الفلسطينيين". كما يرى الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات
ويضيف عبيدات في حديث لوكالة "صفا"، أن العملية جاءت لتقول إن "المنظومة الأمنية الإسرائيلية ليست بالمنظومة التي يصعب اختراقها، والتذكير أيضًا بالعمليات التي وقعت في مدينة القدس عام 1996 وخلال انتفاضة الأقصى، بما يعيد مشاهد الرعب والقلق لدى المجتمع الإسرائيلي".
ويوضح أن العملية المزدوجة أكدت أن شعبنا الفلسطيني لديه القدرة على استمرار المقاومة، حتى في قلب مدينة القدس التي يعتبرها أكثر تحصنًا وأمنًا، وأنها عاصمته الموحدة.
وبنظره، فإن العملية تُدلل على أن قوى المقاومة تُراكم تطور الوسائل النوعية في عملياتها، وما حدث اليوم من تفجير عن بعد يشكل تطورًا نوعيًا ومنظمًا لدى المقاومة، ولم تأتي في الإطار الفردي، وهذا ما سيُربك حسابات الاحتلال ويُدخل حكومته في أزمة جديدة.
ومن شأن العملية البطولية-كما يقول المحلل السياسي- أن "تعمق من أزمة النظام السياسي الإسرائيلي، وأن تصبح دولة الاحتلال على المدى المتوسط طاردة لليهود للهجرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة".
ويتابع أن العملية توجه رسالة وذات دلالة واضحة لحكومة نتنياهو المقبلة بأنها" جاءت لتقول بشكل واضح أن القدس ليست عاصمة لدولة الاحتلال ولا هي موحدة، رغم حالة التبجح وعمليات التصعيد المستمرة ضد شعبنا الفلسطيني من خلال جرائم الاعتقالات والاغتيالات وعمليات الدهم والتفتيش وغيرها".
ويؤكد أن العملية تلعب دورًا كبيرًا في رفع معنويات الشعب الفلسطيني، ومزيد من الالتفاف الشعبي والجماهيري حول خيار المقاومة، في ظل فشل المفاوضات، وتراجع دور السلطة الفلسطينية وثقة الشارع الفلسطيني بها.