تبذل سلطات الاحتلال الإسرائيلي جهودًا مضاعفة ومحاولات حثيثة لأسرلة عقول المقدسيين وغزو وعيهم ثقافيًا وفكريًا، من خلال أنشطة وفعاليات ترويجية تُركز على التطبيع والدمج في المجتمع الإسرائيلي، وصولًا إلى محاولة تجنيدهم ضمن ما يسمى "الخدمة المدنية".
ومع فشل وسائل الاحتلال المتعددة في كي وعي الشباب المقدسي وغسل أدمغتهم، لجأ إلى حيلة أخرى لا تقل خطورة عن الخدمة العسكرية، ألا وهي "الخدمة المدنية"، والتي تعد بديلًا عن التجنيد الإجباري في جيش الاحتلال.
وتُعرّف "الخدمة المدنية" بأنها خدمة تطوعية لمصلحة الجمهور كبديل للمعفيين من الخدمة في جيش الاحتلال أو من لا يستدعون إليها.
و"الخدمة المدنية" ترجع لعام 1953، عندما اقترحت لحل مشكلة الفتيات اليهوديات المتدينات اللواتي لا يخدمن في جيش الاحتلال، إلا أنه في العام 2000، تم تحويلها لمشروع جرى تطبيقه على الفلسطينيين في مدينة القدس، والأراضي المحتلة عام 1948. كما يقول الكاتب المقدسي راسم عبيدات.
إغراءات وامتيازات
ويوضح عبيدات في حديث لوكالة "صفا"، أن "الخدمة المدنية" مرتبطة بجنود الاحتلال المعفيين من الخدمة العسكرية أو من لا يتم استدعائهم إليها، لكن سلطات لاحتلال استهدفت في تطبيقه المقدسيين عبر تقديم المزيد من الإغراءات والامتيازات لهم.
ويضيف أن "الاحتلال يُقدم للمنتسبين إليها ذات الامتيازات التي يحصل عليها الجنود المسرحون من جيش الاحتلال، مثل مستحقات التأمين الوطني، والمنح الدراسية والقروض، وفتح المجال أمامهم للالتحاق بالوظائف الحكومية والأمنية".
ويندرج مشروع "الخدمة المدنية" ضمن مساعي الاحتلال المتواصلة لتهويد الأرض الفلسطينية وأسرلة عقول الفلسطينيين، تمهيدًا لإبعادهم عن المقاومة، ومحو الهوية الوطنية الفلسطينية في مدينة القدس، وبث الفتنة والفرقة بين المقدسيين.
ويرى عبيدات أن هذه الخدمة تحمل بعدًا أمنيًا مباشرًا، قائلًا: "نحن ندرك أن لدى حكومة الاحتلال خطة خماسية، رصدت لها 2 مليار شيكل، لدمج المقدسيين في المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي، بحيث خصصت من هذه الميزانية مبلغ 875 مليون شيكل لأسرلة العملية التعليمية في القدس".
ويشير إلى أن حكومة الاحتلال خصصت أيضًا مبالغ ضخمة جدًا لفتح مراكز ثقافية وجماهيرية ومراكز للخدمة المدنية بهدف الغزو الثقافي والفكري، وكي وعي المقدسيين، بما يمهد الطريق أمام عملية التجنيد و"الاعتراف بيهودية الدولة".
وبحسب بحث نفذته جامعة حيفا في كانون أول/2010، فإن 85% من الذين التحقوا بالخدمة المدنية أقروا "بيهودية الدولة"، و"هذا ما يعكس مدى خطورة غزو الوعي والثقافة الفلسطينية الذي تسببه هذه الخدمة، من خلال غسل الأدمغة الذي يتعرض له الفلسطينيون المنتسبون إليها"، يقول عبيدات.
ويبين أن مشروع الخدمة المدنية يستهدف بالأساس تجنيد الفتيات، لأن الحديث يدور عن أن هناك نحو 400 فتاة مقدسية يعملن بالمشروع، وأغلب العاملين فيه من الفتيات، بواقع 87% فتيات و13% شباب، وبأعمار تقل عن 25 عامًا.
ويلفت عبيدات إلى أن الاحتلال يعمل الآن على توسيع تطبيق الخدمة المدنية، ومحاولة استقطاب المزيد من الفتيات والشبان، بعيدًا عن معرفة البعد الأمني ومدى خطورة الالتحاق بمثل هذا المشروع، بغية إبعادهم عن دائرة الفعل والعمل الوطني.
والترويج للخدمة المدنية يتم من خلال التواصل المباشر ما بين الملتحقين بالمشروع ومحيطهم الاجتماعي أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون الإفصاح عن الاسم.
غزو ثقافي
ويضيف عبيدات "عمليًا، فإن الخدمة المدنية ارتباطًا بتعيين 15 لجنة من أصل 17 للتعامل مع القسم الشرقي من القدس يقودها ضباط ورجال أمن إسرائيليين سابقين، يعني تحقيق بعد أمني في إطار عملية أسرلة المجتمع المقدسي، وغزو ثقافي وغسل الأدمغة وتطويع المفاهيم والمصطلحات، وصولًا لفتح الطريق أمام التجنيد في جيش الاحتلال".
ويعمل الملتحقون بهذه الخدمة في المدارس والمشافي ومراكز الإطفاء ومكافحة المخدرات وصناديق المرضى والمكتبات البلدية والجامعية ومراكز الشرطة الجماهيرية، وغيرها.
ويؤكد عبيدات أن "إسرائيل تريد من خلال الخدمة المدنية، اختراق المجتمع المقدسي وطنيًا ومجتمعيًا، من خلال الترويج لمشاريعها، وتحسين صورتها وأنها دولة تسامح وديمقراطية وإنسانية، وليست دولة محتلة".
ويضيف أن" الاحتلال يريد تشكيك حتى من يلتحق بالخدمة المدنية بحقوقه وحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية وأهدافه، وكذلك جعل العلاقات غير الطبيعية بين الملتحقين بالخدمة ومشغليهم والعاملين معهم من يهود علاقة طبيعية".
والخطر اليوم-وفقًا لعبيدات- يُكمن بتوجه الاحتلال للمدارس المقدسية التي تُدرس المنهاج الإسرائيلي، واستقطاب بعض الفتيات للترويج لمشروع "الخدمة المدنية" شفويًا أو من خلال مواقع التواصل.
مواجهة المشروع
ويؤكد الكاتب المقدسي أن المطلوب لمواجهة هذا المشروع الخطير يرتكز على ضرورة تركيز المؤسسات المقدسية والمرجعيات الرسمية على رفع مستوى الوعي الوطني والتحصين المجتمعي عند الفتيات والشبان المقدسيين.
ويبين أن الالتحاق بالمشروع يأتي نتاجًا لغياب الوعي والتثقيف وإدراك أبعاد ذلك، وعدم قدرة المؤسسات على خلق بدائل، بالإضافة لاستغلال الظروف الاقتصادية والاجتماعية للكثير من الفتيات.
ويشدد عبيدات على ضرورة إيجاد مشاريع بديلة تستوعب طاقات وقدرات هؤلاء الشبان والفتيات، وتجد لهم فرص عمل، بديلًا عن الأماكن التي يُعرضها الاحتلال ودائرة المعارف الإسرائيلية.