تمر السلطة الفلسطينية بوضع لا تحسد عليه في ظل ما أفرزته انتخابات الكنيست الإسرائيلي من صعود لليمين المتطرف بزعامة رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو وعودته المتوقعة لرئاسة الحكومة الإسرائيلية.
وحقق معسكر اليمين الإسرائيلي نتائج مريحة في الانتخابات التي جرت مطلع الشهر الجاري، محرزا 64 مقعدًا من أصل 120 عدد مقاعد الكنيست.
ورغم أن المراقبين لا يرون اختلافًا جوهريًا بين معسكري اليمين ويمين الوسط، إلا أن السلطة كانت تعول على بقاء المعسكر الثاني في قيادة دفة الحكم في "إسرائيل"، لما يوفره هذا من وضع مريح وغطاء لاستمرار العلاقات واللقاءات المباشرة مع حكومة الاحتلال.
إغلاق بوابة الحل السياسي
ويتوقع الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات أن تكون العلاقة مع حكومة الاحتلال المقبلة أسوأ مما كانت عليه مع حكومات نتنياهو السابقة.
ويعزو ذلك إلى أن الحكومة المقبلة ستضم مجموعة من الشخصيات الفاشية، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وبالتالي سيزداد الضغط على السلطة "لتتحول إلى وكيل أمني كامل للاحتلال".
ويضيف لوكالة "صفا" أن "نتنياهو يقول بشكل واضح إنه سيغلق بوابة الحل السياسي، وستقتصر العلاقة مع السلطة على الجوانب الاقتصادية، بمعنى التبعية الاقتصادية، وما دون ذلك سيعمل نتنياهو على الاستغناء عن السلطة".
"وهذا بدوره سيضع السلطة أمام خيارات صعبة، فإما أن تتجاوب مع نتنياهو واشتراطاته وتعمل كوكيل أمني لدولة الاحتلال، أو أن تعمل على الخروج من مسار أوسلو والتحلل من التزاماته"، وفق عبيدات.
ويرى أن السلطة بوضعها الحالي غير راغبة بالتحلل من التزامات أوسلو ومن الالتزامات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
ويتابع "يمكن أن نلمس ذلك من خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة وفي القمة العربية في الجزائر، إذ أكد على استمرار التمسك بخيار المفاوضات وعدم الخروج عن هذا النهج الذي أوصلنا إلى مزيد من ضياع حقوق شعبنا وتكثيف الاستيطان والإجهاز على مدينة القدس".
ويقول إن: "السلطة ما زالت تراهن على الحل الأمريكي والمحور العربي الأمريكي، ولو كانت لديها نية لقلب الطاولة لأخرجت القرار الفلسطيني نحو أرحب فضاء عربي إسلامي، ولعمدت إلى تشكيل تحالفات جديدة للضغط على إسرائيل وأمريكا والدول الغربية، لكنها لم تخرج حتى الآن عن محور التطبيع العربي والقرار الأمريكي بهذا الاتجاه".
ولتكون السلطة قادرة على اتخاذ قرارات جريئة، يرى عبيدات أن عليها أن "تخرج القرار الفلسطيني من تحت العباءة الأمريكية، وأن تستعيد وحدة الشعب الفلسطيني".
وأكد أنه "ما لم تتخذ السلطة خيارات ذات بعد استراتيجي بالتحلل من أوسلو والتزاماته والعمل على تطبيق قرارات الهيئات الفلسطينية من مجلس وطني ومركزي ولجنة تنفيذية، فإن العلاقة ستكون أسوأ مما كانت عليه مع الحكومات الإسرائيلية السابقة".
انتظار تغيير دولي
ويكاد يتفق الكتاب والمحلل السياسي جهاد حرب مع ما ذهب إليه عبيدات، ويقول لوكالة "صفا" إن السلطة لا تتوقع العودة للعملية السياسية خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن نتنياهو وائتلاف اليمين المتطرف لا يرغبون بعملية سياسية.
ويلفت إلى أن نتنياهو سبق أن عطّل خلال سنوات حكمه أي إمكانية لمفاوضات جدية تفضي لإنهاء الاحتلال أو لعملية سياسية، سواء عام 1996 أو بعد عودته للحلبة السياسية عام 2009، ولا يوجد على أجندته أي أفق لعملية سياسية.
ولا يعتقد حرب أن تتخلى القيادة السياسية للسلطة عن برنامجها الذي انتهجته على مدار 20 سنة ماضية والسياسات والوسائل والأدوات، وهي ليست في وارد تغيير جوهري وجدي ودراماتيكي لأدواتها في العلاقة مع حكومة الاحتلال.
ويتوقع أن تكون خيارات القيادة السياسية هي الاستمرار في "المواجهة السياسية" من خلال الأمم المتحدة وبعض الأدوات المتعلقة بالقانون الدولي مثل محكمة الجنايات الدولية.
ويعني هذا إبقاء الوضع على ما هو عليه بانتظار حصول تغيّر على المستوى الدولي أو على مستوى المجتمع والقوى السياسية الإسرائيلي في قادم السنوات، وفق حرب.
لكنه يدعو في المقابل لعدم إغفال الخيارات الأخرى لدى الشعب الفلسطيني.
ففي ظل انغلاق الأفق السياسي والإحباط العالي لدى المواطن من إمكانية إنهاء الاحتلال عبر السبل السياسية، سيدفع ذلك لبروز مجموعات مقاومة مسلحة على غرار "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" وستتعزز قوة ومكانة من يتبنون المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.