طالب حقوقيون وصحفيون بمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه بحق الصحفيين الفلسطينيين، مشددين على أن غياب ملاحقة قادة الكيان في المحافل الدولية جعله يتمادى في انتهاكاته.
وأكد هؤلاء، في أحاديث منفصلة لوكالة "صفا"، حق الصحفيين الفلسطينيين في ممارسة عملهم دون تهديد أو ملاحقة، في ظل تصاعد اعتداءات الاحتلال عليهم بشكل غير مسبوق.
وتُحيي الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام "اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين"، والذي أعلنته في قرارها 68/163، لحث الدول الأعضاء على تنفيذ تدابير محددة لمواجهة ثقافة الإفلات من العقاب الحالية.
"عام دموي"
ويصف رئيس لجنة دعم الصحفيين صالح المصري العام الجاري بـ"الدموي" على الصحفيين الفلسطينيين؛ بفعل حجم جرائم الاحتلال الكبيرة بحقهم.
وأوضح المصري، في تصريح لوكالة "صفا"، أنّ ذروة جرائم الاحتلال بحق الصحفيين كانت خلال شهر مايو/ أيار باغتيال مراسلة قناة الجزيرة الصحفية شيرين أبو عاقلة، ثم اغتيال الصحفية غفران وراسنة، في الأول من يونيو/ حزيران من العام الجاري.
وأكد أنّ الرسالة الأساسية في اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، هي محاكمة كل من ارتكب الجرائم بحق الصحفيين أمام محاكم دولية لضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
وذكر المصري أنّ لجنة دعم الصحفيين وثقت أكثر من 600 انتهاك بحق الصحفيين منذ بداية العام الحالي.
ويقبع في سجون الاحتلال، وفق لجنة دعم الصحفيين، 21 صحفيًا، 7 منهم رهن الاعتقال الإداري دون تهم، و4 آخرون معتقلون دون محاكمة.
وطالب رئيس لجنة دعم الصحفيين المجتمع الدولي والمؤسسات التي تُعنى بحرية الرأي والتعبير بالتحرك بشكل جدي لإقرار هذا اليوم، كي يكون يومًا حقيقيًا لملاحقة قتلة الصحفيين.
وبيّن أنه منذ العام 2000، قتل الاحتلال الإسرائيلي نحو 55 صحفيًا، أثناء أداء مهامهم الصحفية.
ووفقًا لدراسة تفصيلية نشرتها منظمة "التيارات المضادة Countercurrents" في أميركا بيونيو/ حزيران الماضي؛ تصدّر الاحتلال المرتبة الأولى عالميًا في قتل الصحفيين وانتهاك حقوقهم وملاحقتهم، بفارق كبير عن دول أخرى تشهد حروبًا متواصلة أو تنشط فيها عصابات المخدرات والإجرام.
وبينت المنظمة أنّ قتل الصحفيين على يد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي في فلسطين المحتلة يتصدر العالم، وهو أكبر بنسبة 73.4 مرة مما هو عليه في العالم ككل.
تدويل الصراع
من جانبه، طالب رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، صلاح عبد العاطي، المجتمع الدولي بضرورة منع إفلات قادة الاحتلال من العقاب، وتعزيز مسار المساءلة بحقهم على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفوها بحق المدنيين الفلسطينيين، من خلال تفعيل آلية الولاية القضائية، وآلية محكمة الجنايات الدولية، ووقف سياسة الكيل بمكيالين، وازدواجية المعايير.
وحول سبل ضمان حماية الصحفيين ووقف الانتهاكات ضدهم، أوضح عبد العاطي، لوكالة "صفا"، أنّ ذلك يتطلب تضافر الجهود باتجاه تدويل الصراع مع "إسرائيل"، وضمان ملاحقة قادة الاحتلال على كل الجرائم التي اقترفت بحق الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين؛ من خلال نقل السلطة الفلسطينية عدة ملفات إلى محكمة الجنايات الدولية، وضغط اتحاد الصحفيين والمنظمات الحقوقية على مدعي عام محكمة الجنايات الدولية لوقف سياسة التسويف.
وأشار إلى أنّ الهيئة الدولية لحماية الصحفيين، توثق وتتابع الانتهاكات مع الأجسام الدولية كافة، بما فيها لجنة تقصي الحقائق، لافتًا إلى أنّ عددًا من مذكرات الإحاطة أرسلت إلى محكمة الجنايات الدولية.
وطالب عبد العاطي بضرورة بلورة استراتيجية وطنية تقوم على تدويل الصراع، وتوظيف كل الأدوات لضمان مسار جاد وعادل لمحاسبة قادة الاحتلال.
آلية إنصاف
وفي السياق، أكد مدير الشؤون القانونية والسياسات في منظمة "سكاي لاين" الدولية لحقوق الإنسان محمد عماد، وجود ملف طويل في الإفلات من العقاب فيما يتعلق بالانتهاكات ضد الصحفيين الفلسطينيين، موضحًا أنّ الانتهاكات ضد الصحفيين مستمرة منذ سنوات، وتتنوع بين عمليات قتل واعتقال وملاحقة.
وأشار، في تصريح لوكالة "صفا"، إلى أنّ الصحفيين الفلسطينيين يتعرضون لاعتداءات أثناء أداء مهامهم الصحفية في تغطية التظاهرات أو إخلاء بعض البيوت أو القرى في الضفة الغربية، كإطلاق الغاز المسيل للدموع عليهم بشكل مباشر.
ولفت مدير الشؤون القانونية في "سكاي لاين" إلى الانتهاكات المتعلقة بإغلاق المؤسسات الإعلامية والمكاتب الصحفية وملاحقة النشطاء الإعلاميين واعتقالهم والتعدي عليهم بالضرب منذ لحظة اعتقالهم.
وأوضح أنّ منظمته توثق تلك الانتهاكات وترسلها إلى الجهات المعنية، كالمقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية والمقرر الخاص المعني بحالة حرية الرأي والتعبير.
وأكد أنّ غياب الملاحقة الدولية لسلطات الاحتلال من أجل ثنيها عن ممارساتها غير القانونية، التي تنتهك الحقوق الأساسية التي ينص عليها القانون الدولي والاتفاقيات الدولية التي كفلت الحماية الخاصة والحصانة للصحفيين أثناء ممارستهم لعملهم، أعطت الضوء الأخضر لها للتمادي في انتهاكاتها ضد الصحفيين.
ورأى أنّ سلطات الاحتلال "لو وجدت نفسها أمام مخاطبات دولية، أو حتى محاكمات، أو جلسات استماع، لما وصل الحال بالصحفيين الفلسطينيين لما هو عليه اليوم من اضطهاد ومطاردة واعتقال وملاحقة وتهديد".
وشدد على أنّ تلك الانتهاكات نتيجة طبيعية لاستمرار الصمت الدولي، ليس في ملف الصحفيين فقط، بل فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية بشكل عام.
وقال مدير الشؤون القانونية بـ"سكاي لاين": إن "الصحفي الفلسطيني لم يجد آلية إنصاف ومتابعة حقيقية دولية تضمن له حقوقه، أو على الأقل تضمن تطبيق قواعد القانون الدولي، التي كفلت له حرية ممارسة عمله دون تهديد أو ملاحقة".
انتهاكات الفضاء الإلكتروني
وحول انتهاك المحتوى الفلسطيني، وثق مركز صدى سوشال أكثر من ألف انتهاك بحق المحتوى الفلسطيني منذ بداية العام الحالي، 49% منها كانت بحق الصحفيين والحسابات الإعلامية.
وذكر المركز، في تقرير وصل وكالة "صفا"، أنه وثق خلال أكتوبر المنصرم أكثر من 125 حالة انتهاكٍ للمحتوى الفلسطيني، منهم 46 عملية حذف لحسابات وصفحات بشكلٍ كامل عن الفضاء الرقمي.
وعدّ هذا الحجم من الانتهاكات "اغتيالاً رقميًا للصحافة الفلسطينية، وانتهاكًا صارخًا لحرية التعبير".