قد يُفضي تفكك القائمة العربية المشتركة إلى تراجع كبير في التمثيل العربي بالكنيست، خلال الانتخابات الإسرائيلية المقررة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، في وقت تشير الوقائع إلى أصابع إسرائيلية في تفكيك القوائم العربية.
وفي اللحظة الأخيرة لإغلاق باب تقديم القوائم للترشح للانتخابات، منتصف ليلة الخميس الماضي، تلقت الأحزاب العربية صفعة قوية، بعد انشقاق حزب التجمع الوطني الديمقراطي عن القائمة المشتركة، الأمر الذي سيزيد من فرص عدم اجتياز نسبة الحسم لأحد القوائم.
وبذلك، تخوض الأحزاب العربية الانتخابات المقررة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، بثلاث قوائم منفصلة، إذ قدمت القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس، في وقت سابق، قائمتها الانتخابية لخوض للكنيست الـ25، على نسق الانتخابات الأخيرة في آذار/ مارس 2021.
ووفقاً للمصادر الحزبية الإسرائيلية؛ قد تؤدي خطوة انشقاق حزب التجمع برئاسة سامي أبو شحادة إلى عدم اجتياز أحد الأحزاب العربية نسبة الحسم سواءً التجمع أو القائمة العربية الموحدة، وبالتالي ذهاب الأصوات العربية إلى الأحزاب الأكبر وعلى رأسها "الليكود".
وتأسست القائمة العربية المشتركة عام 2015 من 4 مركبات عربية بتوجهات مختلفة وهي: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والقائمة العربية للتغيير، والتجمع الوطني الديمقراطي، والقائمة العربية الموحدة.
أساس الخلاف
ويرى المختص في شؤون الداخل الفلسطيني أليف الصباغ أن الانشقاق أساسه التباين في وجهات النظر بين الأحزاب العربية، حول دعم حكومة إسرائيلية أو الدخول فيها من عدمه، ومحاولات التكتلات في "إسرائيل" لجذب كل طرف عربي لصالحه.
ويقول الصباغ في حديثه لوكالة "صفا": "بعد تأسيس القائمة العربية المشتركة عام 2015 تم التغلب على التوجهات المتباينة بين مكوناتها الأربعة بشكل أو بآخر".
ويوضح أنه مع مرور الوقت بدأ هذا الانسجام بين المكونات العربية يتلاشى خصوصا مع بداية عام 2019 وبعد حل الكنيست والذهاب لانتخابات جديدة.
ويضيف الصباغ "بعد بداية الأزمة السياسية حول تشكيل الحكومة أصبح هناك نوع من التوازن بين القوى الحاكمة المرشحة للحكم في إسرائيل وأصبح أحد الأطراف يحتاج إلى أصوات أعضاء الكنيست العرب للحصول على الحكم".
ويتابع "حينها بدأ بنيامين نتنياهو بالتواصل مع القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس حتى يحمي حكومته، بينما المعسكر الآخر اهتم بالأمر وأصبح التنافس من كل طرف على جذب أطراف القائمة المشتركة لمصلحته".
ويشير الصباغ إلى أن الخلاف داخل "إسرائيل" دخل إلى القائمة المشتركة، إذ رأى البعض في الدخول للحكومة فرصة للتغلب على التحديات الكبرى في المجتمع العربي وأبرزها تحدي العنف.
ويلفت إلى أن القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس رأت أنه لا فرصة للتغلب على التحديات إلا بدخول الحكومة، أو تكون داعمة لحكومة معينة حتى تحصل على مطالب مدنية للسكان بالداخل.
ويبين الصباغ أن الأطراف الحكومية الإسرائيلية الأخرى كانت تخشى من دخول أي طرف عربي للحكومة خوفًا من التأثير السياسي، وهنا بدأ نقاش بين القائمة العربية المشتركة بجميع مركباتها، بشأن صوابية دعم حكومة برئاسة لابيد وبينيت أو نتنياهو.
ويوضح أن الانشقاق بدأ فعليًا عندما انشقت القائمة العربية الموحدة في يونيو 2021 وذهبت إلى حكومة بينيت ولبيد.
وقبل أيام انقسمت التكتلات إلى 3 قوائم، هي القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة ومعه أحمد الطيبي، وقائمة منصور عباس، بينما القائمة الثالثة للتجمع الوطني الديمقراطي برئاسة سامي أبو شحادة.
والقائمة المشتركة هي اتحاد حزبين هما: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة برئاسة أيمن عودة، والقائمة العربية للتغيير برئاسة أحمد الطيبي.
امتيازات وحقوق مدنية
ويرى الصباغ أن "الصراع الأخير بدأ على خلفية الموقف السياسي أننا هل فعلا قادرين على أن نؤثر (سياسيا) على حكومة ليست برئاسة نتنياهو أو لبيد أو غانتس وهل نذهب إلى نهج منصور عباس؛ فحصل الانشقاق على هذا الأساس".
ويشير إلى أن "يائير لابيد قدّم وعودًا إلى أيمن عودة وأحمد الطيبي بالحصول على موازنات وحقوق مدنية للعرب مقابل دعم الحكومة".
خطر تحول النضال إلى مدني
بينما يتوقع المحلل السياسي من مدينة الناصرة نظير مجلي، أن يسفر الانشقاق الحاصل إلى انخفاض عدد مقاعد النواب العرب في الكنيست.
لكن الانعكاس والأهم - بالنسبة له – هو التأثير السياسي ولاسيما أن الأعضاء العرب سيصبحون ضمن المؤسسة الحكومية أو داعمون لها، وستصبح قضيتهم الأساسية في الكنيست هي القضية المدنية دون التدخل في القضايا السياسية الأخرى.
ويقول مجلي، في حديثه لوكالة "ًصفا": "الخطر أن يتحول نضال فلسطينيي الداخل إلى نضال مدني بعيدا عن النضال الوطني، وإذا بقي نضال وطني سيكون مجرد شعارات فقط".
ويشير إلى أن "الكنيست ليس مكانا لتحقيق حقوق مدنية وهذه الحقوق بالإمكان تحقيقها من خلال مؤسسات المجتمع المدني عبر الذهاب للمحاكم".
وحول أسباب التفكك، يوضح مجلي أن الأحزاب العربية تحتاج إلى الميزانيات، والثمن أن تتحول هذه الأحزاب إلى برلمانية مدنية لا علاقة لها بالحقوق الوطنية".
ويلفت إلى أن "هذا هو التوجه الحالي لأيمن عودة وأحمد الطيبي، وهو التوجه الأمريكي أيضًا عبر تقديم ملايين الشواكل للقائمة المشتركة مقابل دعم الحكومة".
ويؤكد مجلي وجود دور إسرائيلي واضح في تفكيك القائمة المشتركة، مشيرًا إلى أن مراسلة قناة 12 العبرية قالت إن لابيد كان متداخلا ومؤثرا نشطا في التفكيك.
ويضيف "بنيامين نتنياهو له مصلحة في هذا الانقسام وليس مستبعدا أن يكون له دور مباشر، والأمر نفسه منطبق على لابيد وربما يكون له الدور الأكبر".
زيادة الإحباط
وينوه مجلي إلى أن هذا الانقسام يزيد الإحباط، وبالتالي ستنخفض نسبة التصويت من الفلسطينيين بالداخل بشكل كبير.
ويحذر من خسارة العرب لتمثيلهم في الكنيست وتأثيرهم داخله "إذا استسلم المواطن العربي ليأسه وإحباطه من تصرفات القيادة".
ويتابع مجلي "لا توجد قائمة بريئة من خطر الانقسام، وإذا صدقت استطلاعات الرأي وقاطع الانتخابات حوالي60% من السكان العرب سيكون لدينا 40% يعني 380 ألف صوت".
ويبين أن "هذه الأصوات سيذهب منها للأحزاب الإسرائيلية 40 ألف صوت وسيبقي لنا 350 ألف صوت تساوي 8% من نسبة التصويت في إسرائيل ونسبة الحسم 3.25%".
ويمضي مجلي قائلا، "في هذه الحالة يوجد خطر على القوائم الثلاث أو قائمتين منها على الأقل ومن المتوقع أن تخسر الانتخابات ولا يكون لها تمثيل وسيهبط تمثيلنا العربي في الكنيست مرة أخرى إلى 4 مقاعد أو 8 مقاعد وهذه ضربة لوجودنا داخل الكنيست".
ويلفت المحلل السياسي إلى "أهمية وجود العرب في الكنيست؛ لأنه يجعلنا أكثر علما بما يجري تحت البلاط لشعبنا ولنا وما يحاك ضدنا، ويجعلنا نسهم في عدة قوانين وأمور إجرائية تخص حقوقنا وحقوق شعبنا الفلسطيني".
نصيب "المشتركة"
وفي المرة الأخيرة التي خاضت فيها القائمة المشتركة الانتخابات موحدة، في مارس/آذار 2020، حصلت على عدد مقاعد كبير وغير مسبوق، وهو 15 مقعدا من أصل مقاعد الكنيست الـ120.
وعندما انفصلت عنها القائمة العربية الموحدة في العام 2021، حصلت القائمة المشتركة على 6 مقاعد، فيما حصلت الموحدة على 4 مقاعد، وهو ما يعني أن التمثيل العربي بالكنيست خسر 5 مقاعد.
وقبيل إعلان التجمع الوطني الديمقراطي انفصاله عنها، كانت استطلاعات الرأي العام تتوقع حصول القائمة المشتركة على ما بين 5 إلى 6 مقاعد.
وبالمقابل تشير الاستطلاعات الى حصول القائمة العربية الموحدة برئاسة عباس، على 4 مقاعد.
ويٌشكل الفلسطينيون بالداخل نحو 21% من عدد السكان في الكيان الإسرائيلي البالغ نحو 9.5 ملايين نسمة.