يمثل انخراط عناصر بالأجهزة الأمنية في موجة العمليات المتصاعدة بالضفة الغربية المحتلة هاجسًا حقيقيًا لأجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي؛ نظرًا لانسلاخ تلك العناصر عن المشروع السياسي الذي تنتهجه السلطة الفلسطينية وفشل محاولات تغيير عقيدتهم الأمنية، إضافة للإمكانيات التي يمتلكونها ما يساعدهم في إيقاع الخسائر بالإسرائيليين، بحسب محللين سياسيين.
وقتل صباح الأربعاء، ضابط إسرائيلي يدعى بار فيلح ويشغل نائب قائد وحدة استطلاع في لواء "الناحال" في عملية إطلاق النار على حاجز الجلمة قرب جنين شمالي الضفة، فيما استشهد منفذا العملية وهما أحمد أيمن عابد من جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطينية، وعبد الرحمن عابد، وهما من بلدة كفر دان في جنين.
وتأتي العملية في وقت تشهد فيه الضفة تصعيدًا ملحوظًا وارتفاعًا في معدل العمليات ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه، والتي يتركز معظمها في محافظات جنين ونابلس ورام الله.
كما تتزامن مع ما كشفته وسائل إعلام عبرية عن عقد مسؤولين أمنيين إسرائيليين اجتماعًا مع وزير الشؤون المدنية الفلسطيني حسين الشيخ، ومدير المخابرات العامة ماجد فرج، داخل منطقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة في الضفة، لاحتواء التصعيد بالضفة
وتسبق عملية الجلمة جدول اقتحامات كبيرة للمستوطنين في المسجد الأقصى المبارك وأعمال استفزازية متوقعة؛ بمناسبة الأعياد اليهودية أواخر الشهر الجاري خلال الشهر المقبل.
ظاهرة طبيعية
بهذا الصدد، يقول الأكاديمي نشأت الأقطش: إن ظاهرة مشاركة أبناء الأجهزة الأمنية في موجة العمليات الحالية طبيعية وليست خارجة عن السياق.
ويضيف الأقطش في حديث مع وكالة "صفا"، أن عناصر الأجهزة الأمنية هم من الشعب الفلسطيني ومقاومون بالأساس ومشاركتهم بالعمليات لشعورهم بالإحباط من قيادتهم ونهجها.
ويوضح أن الضفة شهدت أكثر من 200 عملية إطلاق نار منذ مطلع العام الجاري، وأتوقع أن جزءًا كبيرًا منها بمشاركة عناصر من الأجهزة الأمنية، خاصة من جنين.
ويؤكد الأقطش أن هذه الانخراط من عناصر الأمن كان موضوع بحث معمق لدى الاحتلال خلال الفترة الماضية، بهدف احتواء حالة التصعيد بالضفة.
ويتابع "منذ عام 2015 لم تتوقف العمليات الفردية في الضفة الغربية وهذا ناتج عن شعور بالإحباط لدى الشعب الفلسطيني سواء من قيادته السياسية أو قيادة أحزابه التي باتت تسعى لتحقيق مكاسب سياسية وحزبية".
ويرى الأقطش أن "الدلالة الرئيسية فيما يحصل أن على القيادات أن تعي بأن كل انتفاضة تأتي بقيادة جديدة".
المساس بالأقصى سيفجر المنطقة
وبالنسبة للاقتحامات المرتقبة للمسجد الأقصى، يقول الأقطش إن "إسرائيل" منذ عام 2000 تمارس سياسة تخدير وجس نبض لمعرفة ما إذا كان الشعب الفلسطيني بات يقبل بالأمر الواقع في الأقصى المتمثل في محاولات تقسيمه زمانيا ومكانيا.
ويلفت إلى أن معظم الأحداث التي شهدناها طوال العقود والسنوات الماضية كانت مرتبطة بالمسجد الأقصى والقدس، معتبرًا أن "إسرائيل" لا تتعلم الدروس من التاريخ.
ويستطرد الأقطش "الاحتلال لا يريد أن يقرأ التاريخ في أن أي مساس بالأقصى سيفجر المنطقة".
بوادر ثورة كبيرة
من جانبه، يتوقع المحلل السياسي مصطفى الصواف، أن الضفة الغربية مقبلة على "ثورة كبيرة" وحالة اشتباك مستمرة في كل مدنها وقراها.
ويرى الصواف أن عملية اليوم تحمل عدة رسائل أولها أن الشعب الفلسطيني مرتبط ارتباطا لصيقًا بقضية الأقصى وأن أي حماقة من الاحتلال في القدس ستؤدي لاشتعال الضفة.
ويعتقد أن عملية جنين تؤكد أن أي اعتداء على القدس والأقصى لن يمر بسهولة، خصوصا أن المستوطنين يتجهزون لموجة اقتحامات كبيرة للمسجد الأقصى بمناسبة الأعياد.
أما الرسالة الثانية- بحسب الصواف- تتمثل في أن محاولات الاحتلال تحويل أبناء الأجهزة الأمنية إلى عملاء له من خلال التنسيق الأمني كان عبارة عن وهم وسراب.
ويؤكد الصواف أن العملية دليل فشل قيادة السلطة في تدجين فكر عناصر الأجهزة الأمنية، وتمثل "ضربة لمشروع دايتون" الهادف لتغيير عقلية الفلسطيني.
ويضيف أن "العملية رسالة أيضًا لأصحاب مشروع أوسلو بأن أبناء الأجهزة الأمنية يرفضون نهج التنسيق والتعاون مع الاحتلال أو الانسلاخ عن القضايا الوطنية لشعبهم".
ويتوقع الصواف أن هذه العملية لن تكون الأخيرة من أفراد الأجهزة الأمنية بل سيلحقها العديد من العمليات الأخرى في الفترة المقبلة.
"ضربة للتنسيق الأمني"
بينما يقول المختص بالشأن الإسرائيلي أيمن الرفاتي إن توقيت العملية يتزامن مع ذكرى اتفاق أوسلو، وكأنها تقول لا مكان لهذه الاتفاقية ومن يؤمنون بها.
ويشير الرفاتي إلى أن العملية تتزامن مع تزايد الضغوط على السلطة الفلسطينية للقيام بتحرك كبير ضد المقاومة في مدن الضفة، وهي تعطي رسالة بأن الافراد المطلوب منهم مواجهة المقاومة هم جزء لا يتجزأ منها.
ويؤكد أن "منفذ العملية بحد ذاته ضربة لفريق التنسيق الأمني وفي مضمونه رسالة معاكسة للتيار الذي يقود حركة فتح حاليا، (..) هذا التيار الذي لا يثق في قدرات الشعب الفلسطيني على إحداث تغييرات أو منجزات أكثر مما أنجزته جماعة أوسلو".
ويرى الرفاتي أن عقيدة الأجهزة الأمنية ليست عقيدة أفراده بل هي دخيلة على الشعب الفلسطيني، يؤمن بها قلة ويحاولون فرضها على الكل طيلة السنوات الماضية.