بتاريخ 25 يوليو عام 1948 الذي كان يوافق التاسع عشر من رمضان، عادت العصابات اليهودية إلى طيرة حيفا، بعدما هجّروا كل من فيها، ولم يبق سوى العجزة وكبار السن، وكان من بينهم ضرير.
وضمن ملف خاص أعدته وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا)؛ لتسليط الضوء على مجازر طُويت صفحاتها في أرشيف "إسرائيل" منذ عشرات السنين، تكشف اليوم عن تفاصيل مجزرة حرق من تبقى من أهالي قرية طيرة حيفا، بعد تهجير سكانها إبان عام النكبة.
"سعداء الأولى".. لوّح أطفالها للطائرة نهارًا ففجرّ طاقمها رؤوسهم ليلًا
وبدأت عصابات الاحتلال الإسرائيلي بنقل من تبقى من الأهالي البالغ عددهم نحو 60 إلى 80 شخصاً في باصات تحت حراسة شديدة إلى منطقة شرق قرية اللجون نحو الساعة الثامنة مساءً، وهناك كانوا على موعد مع أبشع مجزرة في تاريخ النكبة الفلسطينية.
ماء وبنزين
وقفت الباصات على طريق العفولة، قرب بعض البيوت الجديدة التي هدم الاحتلال بعضها حديثاً، وأمرت العصابات اليهودية الركاب بالنزول وأن يحمل كل منهم صرته، ويجلسوا في دائرة تبعد نحو 200 متر عن الطريق العام في حقل قمح محصود.
ومما جاء في الأرشيف أن عصابات الاحتلال كذّبت على الأهالي وأخبرتهم بأنهم "قريبين من الخطوط العربية".
لكن حراس المجموعة سلموا المواطنين إلى حراس يهود من مستوطنة قريبة اتضح أنها مركز شرطة احتله اليهود، وكانت قبعاتهم تماثل قبعات الشرطة.
واشتد العطش بالأهالي بعد يوم طويل من السفر في رمضان، فطلبوا ماءً ليشربوا خاصة وأن موعد آذان المغرب قد مضى، وهو ما أجاب عليه عناصر الاحتلال بالانتظار.
مجزرة "هونين".. حين اغتصبت العصابات الصهيونية 4 فتيات وأعدمتهن مع 20 شابًا
وجاء في سجل المجزرة بأنه "بعد قليل عاد العناصر، بغالونات من البنزين وصبوه على الأهالي الجالسين على صررهم وعلى الحصاد الجاف حولهم، وأشعلوا فيهم النيران، وتركوهم يحترقون".
استكمال المجزرة بأخرى
ولم يكتف عناصر الاحتلال بحرق الفلسطينيين، فأطلقوا النار عندما حاول بعضهم الهرب، وأصاب الأهالي الذعر والنار تأكلهم، ولم يعرفوا أين يتجهون في الظلام، ومعظمهم عاجز عن الحركة لكبر السن.
وكان بعضهم عاجزًا عن الرؤية، فصاروا يصرخون ويستغيثون، واليهود يراقبونهم، أما الحراس الذين يتكلمون بعض العربية، فكانوا يرددون وهم ينظرون إلى الأهالي الذين كانوا يستنجدون بالله: "ما في الله".
عقب المجزرة، تمكن مراقبو الأمم المتحدة من تسجيل شهادة عشرة أشخاص، من أصل خمسة عشر يعتقد أنهم نجوا، وأما الذين قضوا في المحرقة، فقد رجح عددهم 55 ضحية.
شهود نجوا
وممن تم استجوابهم الشاهدين يوسف عبد الفتاح سلوم، والحاج حسن سلوم، وقال الأول في شهادته "إنه هرب من النار، فأطلق عليه الصهاينة الرصاص، فأصيب في فخذه، وظل يمشي في الظلام لمدة ساعة ونصف إلى أن غلبه النوم تحت شجرة زيتون شمال قرية رمانة، فيما هرب الشاهد الثاني باتجاه قرية زلفة، وأمضى الليلة فيها".
"صفا" تكشف تفاصيل مجزرة "كراج أبو الشام" بحيفا وخيوط ارتكابها
أما الشاهدة الثالثة فكانت رحمة إبراهيم الحاج التي قالت: إنها بعدما اشتمت رائحة البنزين، اختبأت تحت صخرة حتى الصباح، وكانت تسمع أصوات العجزة وهم يتألمون ويستغيثون، وفي الصباح ذهبت إلى موقع المحرقة، وشاهدت الجثث المتفحمة، فاستبد بها الذعر الشديد، الأمر الذي حال بينها وبين عدّ الجثث".
وارتكبت العصابات الصهيونية المُسلّحة خلال أحداث النكبة الفلسطينية عام 1948، عشرات المجازر التي راح ضحيتها آلاف المدنيين الفلسطينيين العزّل في مختلف القُرى والمُدن، ولا تزال فظائع العشرات منها في طي صفحات أرشيف "إسرائيل".