يرى مختصون في الشأن السياسي أن الضفة الغربية المحتلة تعيش أزمة عميقة من الممكن أن تتضاعف خلال الفترة المقبلة في ظل اشتداد الاحتجاجات الرافضة لسياسات السلطة، معتبرين أن المخرج الأساسي للخروج من هذه الأزمة يتمثل بإجراء انتخابات شاملة تجدد كل الشرعيات.
ومنذ أسابيع، تشهد الضفة احتجاجات من قبل نقابة المحامين وتعليقا للعمل أمام المحاكم رفضا للقرارات بقوانين المعدلة للقوانين الإجرائية وقانون التنفيذ.
وتتضمن أبرز القرارات بقوانين المعدلة للقوانين الإجرائية وقانون التنفيذ: انتهاك ضمانات المحاكمة العادلة، وقرينة البراءة اللصيقة بكل إنسان، وحرمان المواطنين من حقهم في المثول أمام قاضيهم الطبيعي على وجه السرعة، والمساس بمبدأ التقاضي على درجتين وعلانية المحاكمة التي يقوم عليها نظامنا القضائي.
بالتزامن مع احتجاجات المحامين، تخوض نقابة المهندسين منذ مطلع يوليو/ تموز المنصرم فعاليات احتجاجية تشمل الإضراب عن العمل وعدم المشاركة بالاجتماعات، عقب ما قالت إنه "عدم تجاوب الحكومة مع مطالبها".
وتطالب نقابة المهندسين بتنفيذ بنود الاتفاق الذي وقعت عليه الحكومة العام الماضي، وتطبيق الأثر المالي لزيادة طبيعة العمل التي كانت قبل الاتفاق 90% ومن المفترض أن تصل إلى 120% أسوة بوظائف أخرى من نفس الفئة الوظيفية وفق قانون الخدمة المدنية، حيث كان الصيادلة وأطباء الأسنان حصلوا على تلك النسبة في العام 2014.
كما تطالب النقابة بصرف علاوة للمهندسين العسكريين الذين لا يحصلون على أية علاوات، وتسكين المهندسين في وزارة التربية والتعليم على الدرجة الرابعة بدلاً من الخامسة.
وتترافق هذه الاحتجاجات مع حالة فوضى وفلتان أمني تشهدها الضفة المحتلة بين فينة وأخرى، كان آخر مشاهدها محاولة اغتيال نائب رئيس الوزراء الأسبق ناصر الدين الشاعر في 22 يوليو المنصرم، والذي أصيب بسبع رصاصات في قدميه، دون ضبط الفاعلين حتى اليوم.
الانتخابات هي المخرج
بهذا الصدد، يقول المختص في الشأن السياسي وسام عفيفة: إن "الاحتجاجات النقابية والشعبية ومظاهر التمرد على سلوك ونهج السلطة خلال الأشهر الأخيرة هو تعبير عن أزمة عميقة السبب الرئيسي فيها هو السلطة".
ويضيف في حديثه لوكالة "صفا" أن "هذه الأزمة تعد تعبيرا عن حالة انسداد أفق وأزمة النظام السياسي الذي أوصلنا إليها الرئيس محمود عباس بسلوكه المتفرد وقراراته التي وضعت الملف الفلسطيني في أزمة والتي انعكست على الكثير من النقابية والحياتية والمعيشية".
ويرى عفيفة أن "أخطر القرارات تمثل في إلغاء الانتخابات العامة التي كان من المقرر أن تبدأ في مايو/ أيار 2021، وكنا نتأمل أن تساهم في حل أزمات الحالة السياسية وعلى رأسها تغييب المجلس التشريعي وإنهاء حالة الاحتكار والتفرد ووقف الفساد السياسي وإعادة الاعتبار للمرجعيات الفلسطينية".
ويؤكد أن "ما تعيشه الضفة اليوم من احتجاجات وفوضى هو إفراز لكل هذه المعطيات الناجمة عن سلوك السلطة".
الأمور مرشحة لمزيد من التصعيد
ويعتبر عفيفة أن "ما وصلت له الضفة هو مجرد البداية" متوقعًا أن الأمور مرشحة لمزيد من التصعيد والفعل الشعبي والنقابي الغاضب، وقد تصل إلى حالة العصيان المدني أو أشكال منه".
ويتابع، "إذا ما استمرت السلطة بتعنتها وتجاهل مطالب المحتجين فإن الأمور مرشحة للذهاب إلى حالة فوضى نتيجة الاعتماد على النهج الأمني".
ويشدد عفيفة على "أهمية اللجوء للانتخابات كأحد الحلول الأساسية للأزمة التي تعانيها الحالة الفلسطينية وهي الرد المباشر على مواصلة حالة التفرد واختطاف القرار الفلسطيني".
ويرى أن "الانتخابات هي إعادة أمانة للمواطن الفلسطيني لحل الإشكاليات التي لم يتم حلها بالحوار الفلسطيني والوساطات".
إهمال حكومي
بينما يشير المحلل السياسي مصطفى الصواف، إلى إهمال واضح من حكومة محمد اشتية لعدم جلوسها مع المحتجين والاستماع إليهم ولذلك نشهد هذه الاضطرابات التي ربما تزداد في الأيام المقبلة.
ويرى في حديثه لوكالة "صفا" أن غياب الانتخابات أعطى حق إصدار القرارات لمن لا يستحق موضحا أن "هذا الحق يكون في حالة الطوارئ فقط، ولكن ما نراه اليوم أن هذا بات نظام حياة لدى عباس".
ويؤكد الصواف أن إصدار القرارات والتشريعات هو أمر غير جائز من ناحية قانونية ومخالف لكل القوانين الأساسية.
ويلفت إلى أن "غياب المؤسسة التشريعية التي من الممكن أن تحل كل هذه القضايا هو سبب في تحكم محمود عباس بكل مفاصل الحياة بالطريقة التي يريدها".
حالة فراغ
في نفس السياق، يؤكد المحلل السياسي إبراهيم المدهون أن "السلطة الفلسطينية تعاني فشلا مركبا في إدارة الحياة الفلسطينية بالضفة الغربية وهذا بسبب ترهل جهازها السياسي وتعطيلها للمؤسسات الفلسطينية الشرعية مثل المجلس التشريعي وأيضا استهدافها الحياة الحزبية والفصائلية واحتكار السلطة من فئة قليلة لتقديمها الولاءات عن الكفاءات".
ويقول المدهون في حديثه لوكالة "صفا": إن "مثل هذه الاحتجاجات تأتي نتيجة لواقع السلطة المترهل وشعور النقابات والكوادر بحالة الفراغ والتيه التي تعاني منها السلطة".
ويعتقد أن "هناك حالة قلق من السلطة تجاه أي تغيير وتمسك بالسلطة والقرار عبر أساليب غير دستورية ووطنية وقانونية".
ويشير المدهون إلى أن "السلطة ما زالت معنية بتعطيل المؤسسات التي أفرزها الشعب الفلسطيني ومنع الفلسطينيين من التعبير عن خياراتهم، والعمل على استمرار القبضة الاستبدادية، وهذا فيه استقواء بالاحتلال الإسرائيلي".
ويضيف، "غياب الانتخابات يؤدي إلى حالة ترهل وفوضى وفلتان وما شهدته محافظات الضفة من فلتان واعتداء على شخصيات وطنية وعلى رأس ذلك محاولة اغتيال نائب رئيس الوزراء الأسبق ناصر الدين الشاعر هو انعكاس لهذا الأمر".