يومًا بعد آخر تتصاعد الخطوات الاحتجاجية لنقابة المحامين بالضفة الغربية المحتلة، رفضًا للقرارات بقوانين المعدلة للقوانين الإجرائية وقانون التنفيذ.
وتشهد جميع المحاكم تعليقات متتالية للعمل من قبل النقابة، وسط انضمام غالبية الفعاليات النقابية في الضفة لخطوات المحامين، وخصوصا بعد فشل الحوار بين النقابة ولمجلس التنسيقي لقطاع العدالة.
ويقول أمين سر نقابة المحامين داود درعاوي، إن تأثير القوانين المعدلة مباشر على حقوق المواطنين في الوصول للعدالة وضمانات المحاكمة العادلة.
ويبين درعاوي لوكالة "صفا" أن الإشكالية الكبيرة فيها أن مجلس القضاء الأعلى منذ تعيين المجلس الانتقالي عام 2019 حتى اليوم، يشهد فشلا متكررا في إصلاح المنظومة القضائية، نظرا لعدم القدرة على مواجهة الاختناق القضائي في المحاكم، بمعنى ارتفاع نسبة المدوّر والوارد في المحاكم مقارنة بالمفصول.
ويوضح درعاوي أنه ومنذ قدوم السلطة عانت المنظومة القضائية من غياب إرادة سياسية لبنائها بشكل مستقل وسط تهميش مالي، إذ لم تتجاوز موازنة القضاء في أحسن حالتها 04.%
ويلفت إلى النقص الحاد في القضاة وأعضاء النيابات وموظفي المحاكم الذي يشكل عددهم في جميع الضفة ألف موظف، مقارنة بعشرات الآلاف من الموظفين العموميين.
ويؤكد درعاوي أن السلطة التنفيذية أدارت ظهرها عندما عينت المجلس الانتقالي ولم تلتزم بتوفير أيا من متطلبات الإصلاح.
ويقول: "إن مجلس القضاء الأعلى وبعض المتنفذين في السلطة التنفيذية عملوا على تقليص الإجراءات القضائية أمام المحاكم، وتقليص عدد الوارد إلى المحاكم ووصولهم إلى مرافق العدالة، كإلغاء علنية مبدأ جلسات المحاكم في مرحلة الاستئناف، والتي أصبحت تنظر دون حضور الأطراف وتقديم البينات، بحضور قاضيين دون الثالث وكأن هناك نقصا في عدد القضاة".
ويكمل: "كي يواجهون نقص أعداد الشرطة القضائية التي تحضر الشهود إلى المحكمة، تم حل الاشكالية بتكليف المتهم نفسه بإحضار شهود الدفاع والذين قد يكونوا اغلبهم من أطراف الضابطة القضائية".
ويتساءل درعاوي "حال إخفاق السلطة جلب الشهود؛ فكيف سيتسنّى للمواطن العادي جلبهم للمحكمة"؟
ويتطرق إلى إشكالية نقل الموقوفين بين المحافظات وخاصة من ينقلون إلى اللجنة الأمنية في أريحا، لافتا إلى صعوبات لإعادتهم لتمديد توقيفهم أمام قاضي التمديد، وقد يكونوا تعرضوا لتعذيب شديد وتظهر عليهم ملامح التعذيب، حيث تم استعاضة حضورهم بتمديد المتهم الموقوف دون حضوره الجسدي ومثوله أمام قاضي التوقيف، وهذه تنتقص بشكل كبير من معايير المحاكمة.
ويكشف درعاوي أنه تم وضع نصوص تحصن المكلفين بإثبات القانون من الملاحقة الجزائية إلا بإذن خطي من النائب العام، ما يعني ذلك وضع بابا لإفلات الجناة وتحديدا من يقترفون جرائم بسبب وظيفتهم، أو تعديات على الحقوق والحريات العامة، ما يفتح المجال أمام الإفلات من العقاب.
وعن القضايا المالية ورسوم المحاكم، يؤكد درعاوي على سعي الحكومة لزيادة الجباية من جيوب المواطنين، من خلال تعديل رسوم المحاكم ومضاعفتها مئات المرات، بحيث لا يستطيع المواطن البسيط تحمل تكلفة اللجوء للقضاء، ما سيؤدي لإحجام الناس من اللجوء للقضاء وسيخفف الوارد أمام المحاكم.
عصيان مدني
ويشدد درعاوي في حديثه، إلى مواصلة وتصاعد الفعاليات النقابية إلى حين الوصول إلى اجتماع الهيئة العامة للنقابة آواخر الشهر الجاري، والذي سيتم خلاله الانتقال الجماعي من سجل المحامين المزاولين إلى سجل غير المزاولين، الأمر الذي يؤهل لحدوث الانهيار الشامل لقطاع العدالة.
ويرى درعاوي ذلك أحد أشكال العصيان المدني السلمي، والذي يحدث في كثير من الدول لمواجهة القوانين الجائرة وهو وسيلة ديمقراطية.
ويحذر درعاوي من الوصول إلى حالة العصيان، داعيًا إلى تدخل العقلاء، رغم محاولات بعض المتنفذين من الجر باتجاه الهاوية، على حد قوله.
بدوره، يرى القاضي السابق أحمد الأشقر أن استمرار القرارات بقوانين ستؤدي لانهيار منظومة العدالة برمتها، وغياب كامل لحقوق المواطنين بقضاء عادل ومستقل، سيما وأن القضاء الفلسطيني منذ أن هدمته القرارات بقوانين، عانى من تراجع كبير ومن غياب أسس العدالة الناجزة، الأمر الذي سينقل القضاء من حالة الموت السريري إلى حالة الموت الكامل.
ويوضح الأشقر لـ"صفا" أن المجلس التنسيقي هو إطار ليس له أية مرجعية قانونية، وهو إطار للتنسيق، لكن رئيس مجلس القضاء الأعلى المعين من قبل السلطة التنفيذية، شكل حالة تفرد باتخاذ القرارات، ما جعل المجلس عبئ على العدالة.
وينوه الأشقر إلى أن المخرج هو إلغاء القرارات بقانون، وعدم إصدار أية قرارات إلا بالتشاور مع المؤسسات المعنية والحقوقية والخبراء، وعلى رأسها نقابة المحامين، ويكون يستهدف حماية منظومة العدالة، لا أن يحدث اختراقًا فيها.