تدور تكهنات حول ما يمكن أن تكشف عنه كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الساعات المقبلة، بعد إعلانها عن تدهور طرأ على الحالة الصحية لأحد الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها.
وتحتفظ "القسام" بأربعة جنود، بينهم اثنان أسرتهما في العدوان على غزة صيف عام 2014 هما شاؤول آرون وهدار غولدين، ويزعم الاحتلال أنهما قتلا، بينما ترفض الكتائب الإدلاء بأي معلومة حولهما، حتى اليوم، إضافة لجنديين آخرين دخلا بالخطأ إلى القطاع عبر السياج الأمني هما أبراهام منغيستو وهشام السيد.
وطوال السنوات الماضية، استعملت "إسرائيل" أسلوب المناورة التضليل والمماطلة وخداع جمهورها؛ من أجل تجنب دفع الثمن الذي تتمسك المقاومة بتحقيقه عبر إنجاز صفقة تبادل مشابهة للتي جرت عام 2011 مقابل الجندي جلعاد شاليط.
ودفع تعطيل الاحتلال ملف إنجاز صفقة جديدة للأسرى، القسام إلى محاولة تنفيذ عمليات أسر جديدة لإرغام الكيان على التعامل بجدية أكبر مع القضية.
وكشفت القسام مؤخرًا عن محاولتها تنفيذ عملية أسر جنود إسرائيليين في الساعات الأولى من معركة "سيف القدس" في مايو/ أيار 2021 بهدف إجبار الاحتلال على إنجاز صفقة تبادل، قبل استهداف المجموعة داخل نفق في منطقة السياج الأمني شرقي خانيونس؛ ما أسفر عن استشهاد 18 مقاومًا من الكتائب.
ومقابل الخداع والتضليل الإسرائيلي، تحاول "القسام" بين فترة وأخرى تحريك هذا الملف عبر الإدلاء بمعلومات ورسائل مبهمة تتعلق بالجنود؛ للضغط على حكومة الاحتلال باتجاه إجبارها على السير في مسار إنجاز صفقة تبادل.
آخر تلك الرسائل ما أعلنه "أبو عبيدة" المتحدث باسم كتائب القسام، أمس الاثنين "عن تدهورٍ طرأ على صحة أحد أسرى العدو"، مضيفا أن "الكتائب ستنشر خلال الساعات المقبلة ما يؤكد ذلك".
"معلومة صادقة"
ويتوقع المختص بالشأن الأمني محمد أبو هربيد، أن يكون هناك تدهورًا صحيًا حقيقيًا لأحد الأسرى؛ لافتًا إلى أننا "عهدنا على القسام الصدق في معلوماتها".
ويقول أبو هربيد، لوكالة "صفا": "ربما نشهد خلال الساعات المقبلة مقطع فيديو أو تسجيلًا صوتيًا أو صورة تثبت ما كشفته القسام".
ويؤكد أن "الشيء الذي ستقدمه الكتائب لن تمثل مادة تخدم الأمن والاستخبارات الإسرائيلية في الوصول إلى مكان الجندي".
ويتابع أبو هربيد "تقديري أن هناك حديث عن صفقة ومفاوضات جارية، لكنها تحتاج إلى دفعة من هذا النوع".
ويرى أن رسالة القسام بمثابة إلقاء ورقة في الساحة الإسرائيلية وفرصة لأي طرف قادم للحصول على موقف متقدم من خلال السير باتجاه إنجاز صفقة.
ويلفت المحلل الأمني إلى أن الاحتلال لن يتجاهل الأمر وسيرسل الوسطاء، مستدركا بالقول: "لكن المكابرة والعناد الإسرائيلي أحيانًا تفشل هذه المساعي خصوصًا في ظل الأزمة الداخلية الراهنة لدى الاحتلال".
دلالتان للرسالة
أما المختص بالشأن الأمني رفيق أبو هاني فيرى أن رسالة القسام الأخيرة الموجهة للاحتلال مهمة جدًا وتأتي في إطار سيناريوهين اثنين.
ويقول أبو هاني، في حديثه لوكالة "صفا": إن الدلالة الأولى أن هذه المعلومة هي عبارة عن عملية كي وعي للاحتلال ورسالة له بأنه في حال حاول تجميد المفاوضات فإن لدى المقاومة ما تجبره على العودة إليها.
ويضيف أن "المعلومة تشير إلى أن المقاومة تمتلك زمام المبادرة في هذا الموضوع ولديها المعلومة وتكشف زيف هذا العدو الذي يدعي أن هؤلاء الأسرى أشلاء وأموات".
أما الدلالة الثانية للرسالة، وفق أبو هاني، بأن المعلومة يمكن أن تكون نتاج عملية مفاوضات لإنجاز صفقة تبادل بين المقاومة والاحتلال برعاية وسطاء.
ويتابع "ربما نشهد في الأيام المقبلة نشر مقطع فيديو متفق عليه بين المقاومة والاحتلال يزيل الغبار عن وضع الأسرى لدى المقاومة".
ويؤكد أبو هاني أن هذه الرسالة من المتوقع أن تزيد الخلافات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي وتراكم ضغط الشارع لإنهاء هذا الملف.
وكانت كتائب القسام أعلنت مساء 20 يوليو 2014 أسرها جنديًا إسرائيليًا يدعى "شاؤول أرون" خلال عملية شرق حي الشجاعية شرق مدينة غزة إبان العدوان البري؛ لكن جيش الاحتلال أعلن عن مقتله.
وفي الأول من أغسطس من نفس العام، أعلن جيش الاحتلال فقد الاتصال بضابط يدعى "هدار جولدن" في رفح جنوبي القطاع، وأعلنت القسام حينها أنها فقدت الاتصال بمجموعتها التي أسرته في المكان، ورجحّت استشهادها ومقتل الضابط الإسرائيلي.
وفي يوليو 2015 سمحت الرقابة الإسرائيلية بنشر نبأ اختفاء الإسرائيلي "أبراهام منغستو" من ذوي الأصول الأثيوبية بقطاع غزة قبل 10 أشهر (سبتمبر 2014) بعد تسلله من السياج الأمني شمالي القطاع، كما أفادت مصادر صحفية غربية عن أن "إسرائيل" سألت عبر وسطاء غربيين عن شخص "غير يهودي" اختفت أثاره على حدود غزة في تلك الفترة، وهو الأمر الذي لم تتعاط معه حماس مطلقًا.
وعرضت كتائب القسام صور أربعة جنود إسرائيليين وهم: "شاؤول آرون" و"هادار جولدن" و"أباراهام منغستو" و"هاشم بدوي السيد"، رافضة الكشف عن أية تفاصيل تتعلق بهم دون ثمن.
وفي يناير 2018، قال وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، حينها، إنه لا يعرف إذا كان الإسرائيليون المحتجزون في قطاع غزة أحياء أم أموات.
وكانت تلك المرة الأولى التي يعترف فيها مسؤول إسرائيلي رفيع بإمكانية وجود أسرى على قيد الحياة لدى المقاومة في غزة، بعد إصرار لسنوات على أنهم "جثث".