للعام الثامن تواليًا تتجرّع عائلات الأسرى المقدسيين الذين أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عنهم بموجب صفقة "وفاء الأحرار" مرارة الألم والبعد عن ذويهم بعدما أعاد الاحتلال اختطافهم صيف عام 2014، غير أنّ قلوبهم لا تزال تخفق على أمل لقاء قريب يجمع شملهم بعيدًا عن جدران السجن وسجانه.
وأرغمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011 حكومة الاحتلال على الاستجابة لشروطها ومطالبها في صفقة تبادل الأسرى؛ والتي تمّ بموجبها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل الإفراج عن 1027 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم عشرات الأسرى المقدسيين في إنجاز وطني غير مسبوق.
وبعد مرور نحو 3 سنوات على الإفراج عنهم، أعادت سلطات الاحتلال في 18 حزيران/يونيو 2014 اعتقال ما يزيد عن 70 من محرري صفقة "وفاء الأحرار" من أنحاء الضفة الغربية المحتلّة، بينهم ثمانية أسرى مقدسيين هم: علاء الدين البازيان، رجب الطحان، ناصر عبد ربه، عدنان مراغة، اسماعيل حجازي، سامر العيساوي، جمال أبو صالح، سلمان أبو عيد، وفرضت عليهم الأحكام التي صدرت بحقهم سابقًا، ومعظمهم من أصحاب المؤبدات.
محطة مهمة
ويقول رئيس لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين المقدسيين أمجد أبو عصب إنّ صفقة "وفاء الأحرار" مثّلث محطّة مهمّة من محطات نضال شعبنا وأسراه، وأدخلت الفرحة في قلوب كل الناس.
ويلفت أبو عصب، في حديثه لوكالة "صفا"، إلى أنّ الاحتلال تعرّض في الصفقة لـ"ضربة معنوية كبيرة، حينما تمكنت المقاومة من كسر جميع اللاآت التي كان يتشدّق بها، برفض الإفراج عن أسرى القدس والداخل المحتل والجولان العربي السوري؛ كونه كان يتعامل مع هذه الشرائح من الحركة الأسيرة على أنّها شأن داخلي إسرائيلي لأنّهم يحملون الهوية الزرقاء".
ويبيّن أنّ الاحتلال خضع لمطالب المقاومة وأفرج عن 46 فلسطينيًا من أسرى القدس، معظمهم من أصحاب الأحكام العالية، بعضهم أمضى نحو 25 عامًا في السجون، بعضهم عادوا إلى القدس وآخرون أبعدوا إلى قطاع غزة والخارج.
وعن استقبال الأسرى المقدسيين المفرج عنهم في الصفقة، يستذكر أبو عصب مشاعر الفرحة والبهجة والاحتفاء التي غمرت قلوب المقدسيين بشكل لم تشهده المدينة من قبل، مضيفًا "شعرنا بوجود الغضب في عيون قوات الاحتلال، لحظة احتضان القدس هؤلاء الأسرى".
أيام صعبة ولحظات قاسية
وتؤكّد زوجة الأسير المقدسي علاء الدين البازيان أنّها وطفلتيها "انتصار" و"منار" يعشن أيامًا صعبة تزداد قساوتها يومًا بعد يوم، طالما واصل الاحتلال اعتقال زوجها، الذي أمضى 40 عامًا من عمره في الأسر.
وتضيف "نحن بحاجة ماسة لعلاء ونفتقده دائمًا، خاصة طفلتاه اللتان تربيتا وهو في السجن، ويحرمهما الاحتلال من عناق والدهم واحتضانه منذ عدة سنوات".
وتشدّد، في حديثها لوكالة "صفا"، على أنّ استمرار الاحتلال باعتقال زوجها الكفيف "ظلم كبير يفتقد للإنسانية بكل تفاصيلها؛ كونه كبير بالسن إذا يبلغ عمره 63 عامًا ويعاني من أمراض عدّة، وبحاجة ماسة لإجراء عمليات جراحية".
أمّا والدة الأسير عدنان مراغة فلا يفارق حضنها صورة نجلها؛ ليبقى معها دومًا في ظل حرمانها من رؤيته، وتكتفي بالتحدث مع صورته في ظل سنوات طويلة طال فيها انتظار تحرره من سجون الاحتلال.
وتوضح أنّ الاحتلال باعتقال نجلها عدنان "حرمه من رؤية توأمه (بنت وطفل) أنجبتهما زوجته بعد اعتقاله بشهرين، وأصبح عمرهما اليوم ثماني سنوات عاشاها محرومين من النشأة إلى جانب والدهم كبقية الأطفال".
وتلفت إلى أنّ سجون الاحتلال سرقت 22 عامًا من عُمر نجلها حتى الإفراج عنه في صفقة "وفاء الأحرار"، مؤكّدة أنّ أعوام الاعتقال الثمانية بعد الإفراج عنه كانت "الأصعب والأشد قساوة؛ لأنّها فرّقت شمل الأسرة".
بدوره، يؤكّد باسل شقيق الأسير رجب الطحان أنّ إعادة اعتقال محرري صفقة "وفاء الأحرار" المقدسيين كان أصعب على ذويهم من اعتقالهم في المرة الأولى، موضحًا أنّ معظمهم تزوّجوا، وآخرون أنجبت زوجاتهم وهم في الأسر، وآخرون لم يقضوا وقتًا كافيًا مع أبنائهم الذين كانوا أطفالًا عند اعتقالهم في المرة الأولى.
ويضيف، في حديثه لوكالة "صفا"، إنّ من أصعب المراحل التي يمر فيها الأسير خلال اعتقاله "وفاة أعز الناس إلى قلبه وهم والده ووالدته ونجله؛ ففقدان رجب لنجله كان وقعه قاسيًا جدا عليه".
ويؤكّد أنّ شقيقه عانى كثيرًا لرؤية نجله المصاب بمرض السرطان قبل وفاته، قائلًا "تقدّم بطلب لمصلحة السجون لكنّها رفضت اللقاء، ولكن بعد 4 شهور تدخّلت مؤسسات قانونية وصحية وأعضاء عرب في الكنيست حتى تكلل طلبنا بالنجاح، وانتزعنا قرارًا من المحكمة برؤية رجب لنجله لمدة نصف ساعة".
ويشير إلى أنّ مصلحة سجون الاحتلال خالفت في حينها قرار المحكمة الإسرائيلية ولم تسمح لشقيقه برؤية نجله المريض سوى 15 دقيقة وبعد رؤيته بعدة أيام توفي، أمّا والده فتوفيا ولم يسمح الاحتلال له بإلقاء نظرة الوداع عليهما".
ويبيّن باسل أنّ وفاة والدي ونجل رجب هي "جزء من التداعيات التي خلّفتها إعادة اعتقاله وعدد من الأسرى؛ فلكل أسير قصة ومعاناة وأمل تبدد بعد إعادة الاحتلال اعتقاله".
أمل لا ينقطع
من جانبه، يؤكد والد الأسير المقدسي سامر العيساوي أن إعادة سلطات الاحتلال اعتقال نجله ورفاقه المحررين "إجراء غير قانوني ويعبر عن تسلط الاحتلال على الشعب الفلسطيني".
ويضيف "معاناة الشعب الفلسطيني غير مرتبطة بسامر وعائلته؛ فالاحتلال يحتجز أولادنا وبناتنا في سجن صغير، والسجن الكبير نحن فيه، فجميع الشعب الفلسطيني يعاني، وعليه أن يتمرد على المعاناة التي يعيشها ويحاول تغيير الواقع بتصميمه وإرادته".
أمّا والدة سامر فتقول "نحن لا نقطع الأمل في وجه الله ولا المقاومة ولا السلطة؛ لأنّه من الواجب تحرير أسرانا عماد الوطن"، متمنّية عقد صفقات للإفراج عن الأسرى حتى يتمّ تبيض سجون الاحتلال وتعانق كل الأمهات أبنائهن الأسرى.