سطر المقدسيون أروع مشاهد الصمود والبطولة في التصدي لاقتحامات المستوطنين المتطرفين للمسجد الأقصى المبارك، و"مسيرة الأعلام" الإسرائيلية الاستفزازية في مدينة القدس المحتلة، رغم عمليات القمع والاعتداءات التي تعرضوا لها الأحد الماضي، بذكرى ما يسمى يوم "توحيد القدس".
ورغم حالة الاستنفار الأمني الإسرائيلي، ومحاولة قوات الاحتلال استعراض قوتها العسكرية في مدينة القدس لإثبات سيطرتها وسيادتها عليها، إلا أن المقدسيين أثبتوا أنهم هم أصحاب الأرض والسيادة على المدينة المحتلة، وأن لا سيادة مطلقة للاحتلال، مهما حاول ودفع بمخططات لتحقيق ذلك الهدف.
وتحولت مدينة القدس إلى ساحة مواجهة مع قوات الاحتلال، تركزت في جبل المكبر والطور، وشارع صلاح الدين، وبلدة الرام، والعيساوية، وصور باهر ومخيم شعفاط، نصرةً للقدس والأقصى، ما أدى لإصابة عشرات الفلسطينيين بالرصاص المطاطي وغاز الفلفل.
مشاهد الصمود
ومن أبرز مشاهد الصمود، تمكن المرابطون من إعادة فرض الاعتكاف في المسجد الأقصى، والتواجد بالآلاف رُغم منع قوات الاحتلال للعشرات من الشبان والتضييق عليهم، لكنهم كانوا كعهدهم أقرب خطوط الدفاع إليه رباطًا وتكبيرًا ومواجهة، ودفعوا في سبيل ذلك عددًا من المصابين والمعتقلين.
وتصدى المرابطون من الرجال والنساء لاقتحامات المستوطنين، ورفعوا العلم الفلسطيني ردًا على رفع أعلام الاحتلال داخل المسجد، وواجهوا الاقتحامات بهتافات التكبير، وأدوا صلاة الضحى لساعات طويلة.
وفي شوارع القدس وأحيائها وأسطح منازلها، رفع المقدسيون العلم الفلسطيني، وحلقوا فيه بواسطة طائرة "درون" صغيرة ليرفرف بالبالونات خفاقًا في سماء المدينة، في تحد واضح لـ"مسيرة الأعلام" التهودية، ما أغضب الاحتلال ومستوطنيه، وأفقده هيبته وسيطرته في القدس.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل نظموا مسيرة أعلام فلسطينية في شارع صلاح الدين وسط القدس، ليؤكدوا أن القدس بأرضها وسمائها وما فوقها وتحتها تنبض بالعروبة وبتاريخ هذه الأمة وحضارتها.
وأظهر مقطع فيديو مصور كيف هاجم أحد الشبان الفلسطينيين مستوطنًا ودفعه نحو الأرض، حينما اعتدى على إحدى المقدسيات، أثناء تواجدها قرب باب العامود، بالضرب والدفع، ثم قام آخر برشّ غاز الفلفل باتجاهها، ما أدى لسقوطها أرضًا.
وشكل المقدسيون وما زالوا شوكة في حلق الاحتلال، والذي اضطروه لحشد كل أشكال الاستنفار والترسانة العسكرية بنشر كافة قواته ووحداته الخاصة و"حرس الحدود"، وغيرها، لأجل تمرير مسيرته من البلدة القديمة وباب العامود.
ورغم مشاهد التنكيل والقيود والاعتقال للشبان المقدسيين التي وثقتها عدسات كاميرات الصحفيين، إلا أنهم واجهوها بصلابة وابتسامة، غير آبهين بما ينتظرهم في غرف التحقيق والتوقيف الإسرائيلية في مدينة القدس.
نموذج وإبداع
المرابطة المقدسية هنادي الحلواني تقول لوكالة "صفا" إن قوات الاحتلال حشدت في ذلك اليوم أعدادًا كبيرة من قواتها وعناصرها والمستعربين لتمرير علم مزيف في المدينة المقدسة، بالمقابل استخدمت كل ما تمتلك من قوة لقمع الناس المتواجدين في باب العامود، لإثبات سيادتها على المدينة".
وتضيف "لكن المقدسي أبدع بصموده وثباته، وخط مشهدًا بطوليًا ونموذجًا يحتذى به في الدفاع عن مدينته القدس ومسجدها الأقصى، وما شاهدنا من رفع العلم الفلسطيني بواسطة طائرة الدرون في سماء باب العامود شكل تحديًا كبيرًا للاحتلال الذي يحارب بكافة الوسائل العلم الفلسطيني".
وتؤكد أن الاحتلال أراد إبراز سيادته على القدس بالقوة، إلا أنه فشل في تحقيق ذلك، نتيجة صمود المقدسيين ودفاعهم عنها، رغم أنهم دفعوا ضريبة ذلك بالاعتقال والقمع والتنكيل.
وشكل الاعتكاف في المسجد الأقصى الأحد الماضي-وفقًا للحلواني- أمرًا واقعيًا للاحتلال الذي يحارب هذه العبادة، كما حدث في شهر رمضان الماضي، لكن استطاع المرابطون الاعتكاف داخل المصلى القبلي طيلة الليل، رغمًا عن أنف المحتل.
وتوضح أن هذا الأمر فرض واقعًا، وحقق مكتسبًا مهمًا جديدًا، لأن الاعتكاف جزء من عبادة المسلمين داخل الأقصى، والاحتلال يريد أن يجرمها، ناهيك عن رفع العلم الفلسطيني داخل المسجد المبارك، والتصدي بكل قوة لاقتحامات المستوطنين.
وتشير إلى ان المستوطنين لم يجرؤوا على المرور أمام المسلمين، وهم رافعين العلم الإسرائيلي، بل ساروا في مسار الهروب من باب المغاربة مباشرة إلى باب السلسلة، ولم يرفعوا علمهم إلا أثناء خروجهم من باب السلسلة، خشيةً من التواجد الفلسطيني ومن هتافات التكبير.
وجسد المقدسيون في ذلك اليوم- كما تؤكد الحلواني- صمودًا ومقاومة بأبسط ما يمتلكون وبأجسادهم، ورغم ما سُبق "مسيرة الأعلام" من استدعاءات لعدد كبير من الشبان، وإبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة، وكذلك إرسال رسائل تهديد لشبان آخرين، إلا أنهم أثبتوا للاحتلال أن الأقصى مسجدًا إسلاميًا عربيًا لا حق له فيه.
عروبة القدس
أما الكاتب المقدسي راسم عبيدات فيرى أن المقدسيين كانوا على مستوى المسؤولية والحدث، واستخدموا كل الإمكانيات المتاحة لديهم للدفاع عن قدسهم ومقدساتهم، وفي مقدمتها المسجد الأقصى.
ويضيف "رغم كل الحشد للجماعات اليهودية من الزعران والمتطرفين، والاعتداءات على المواطنين في البلدة القديمة والشيخ جراح والأقصى، وإغلاق شبه كامل لمدينة القدس وتقطيعها لمربعات أمنية، إلا أن ذلك لم يمنع المقدسيين من سلوك كل الطرق من أجل الدفاع عن مدينتهم وعروبتها وإسلاميتها ومقدساتها".
ويتابع أن" القدس قاتلت وحدها وبدم وبأجساد أبنائها، وهذا ليس بالغريب على أهلها، الذين شكلوا الحلقة المركزية في كل الهبات السابقة، وقادوا معارك الدفاع عن الوجود الفلسطيني العربي في المدينة وعن مقدساتها أقصاها وقيامتها".
ويشيد عبيدات بدور المقدسيين، قائلًا:" كان المقدسيون بحجم التحدي والمسؤولية وأهلًا لحمل الراية، وسجل شبانها وفتيات شعبنا ومسنيها بطولات تستحق التقدير في تصديهم لعربدات وزعرنات قطعان المستوطنين، أثناء اعتدائهم على حرائر فلسطين والقدس، والاعتداء على الأقصى".
ويؤكد أن المعركة تأتي في سياق صراع وجودي متواصل، يسعى المحتل لتحويله إلى صراع ديني، يريد من خلاله أن يكرس تقسيمًا زمانيًا ومكانيًا للأقصى، معتقدًا بأن" الهرولة التطبيعية الواسعة من قبل دول نظام رسمي عربي انهار وانبطح، توفر له مثل هذه الفرصة".