تُصوب أنظار المنطقة بقلق نحو المدينة المقدسة يوم الأحد المقبل الذي يستعد خلاله مستوطنون متطرفون لتنظيم مسيرة الأعلام "الاستفزازية" واقتحام المسجد الأقصى المبارك، في وقت تحذر فيه فصائل المقاومة من المساس بـ"الخطوط الحمراء" التي فرضتها معركة "سيف القدس".
وبالتوازي مع الدعوات لـ"مسيرة الأعلام" أطلقت "جماعات الهيكل" المزعوم عدادًا يوميًا على منصاتها للحشد لاقتحام واسع للأقصى يوم الأحد 29-5-2022، في ذكرى ما يسمى "يوم القدس" العبري.
واستعدادًا لذلك، أعلنت شرطة الاحتلال رفع حالة التأهب في صفوفها بمدن الداخل المحتل عام 48، بوجه عام وفي القدس على وجه الخصوص.
وكانت شرطة الاحتلال وافقت على طلب المستوطنين تنظيم "مسيرة الأعلام"، والسماح لهم بدخول الحي الإسلامي في البلدة القديمة عبر باب العامود وصولًا إلى حائط البراق غربي المسجد الأقصى المبارك.
أمام هذا المشهد، هددت فصائل المقاومة في قطاع غزة، بأن أيّ مساس إسرائيلي بالأقصى أو محاولة لتغيير المعادلات التي فرضتها معركة "سيف القدس" سيفجّر معركة جديدة، مؤكّدة أنّها لن تترك المرابطين وأهل القدس وحدهم في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه.
في هذا الصدد، يرى مراقبون أن الاحتلال سيحاول تجنب انفجار الأوضاع عبر محاولة ضبط المسيرة ومنع دخولها الحي الإسلامي؛ تجنبًا لمواجهة عسكرية واسعة قد تهدد بقاء الائتلاف الإسرائيلي الحاكم.
الأوضاع تعتمد على سلوك الاحتلال
ويعتقد المختص في الشأن السياسي وسام عفيفة، أن السيناريو المتوقع يوم الأحد المقبل يعتمد على السلوك الإسرائيلي وآلية تعاطي المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية مع المجموعات المتطرفة، والطريقة التي سيتم خلالها تنفيذ مسيرة الأعلام.
ويقول عفيفة في حديثه لوكالة "صفا": "إذا كانت هناك سيطرة من حكومة الاحتلال واستجابت لدعوات الوسطاء الذين يحاولون احتواء الموقف، فإن المشهد يكون أقل حدة وخطورة".
ويضيف أن "مرور المسيرة بالقرب من منطقة باب العامود لا يشكل توغلًا في باحات الأقصى، ولكن الخطير هو احتمالية اندلاع حالة اشتباك مع المقدسيين والمرابطين إذا ما حاول المستوطنون الوصول إلى باحات المسجد المبارك".
ويوضح عفيفة أن الوضع الذي تمر به حكومة نفتالي بينيت عامل يعزز فرص هؤلاء المتطرفين كي يثبتوا حضورهم وتواجدهم ومحاولة تغيير الوضع الراهن وفرض واقع جديد عنوانه أن السيادة لهذه الجماعات والمنظمات المتطرفة".
4 سيناريوهات متوقعة فلسطينيا
ويشير المحلل السياسي إلى 4 مستويات (سيناريوهات) متوقعة على صعيد رد الفعل الفلسطيني إزاء استفزازات المستوطنين المتوقعة.
ويتمثل المستوى الأول، في اندلاع حالة اشتباك شعبي وحالة دفاع من المرابطين وفلسطينيي الداخل المحتل (أراضي 48) والضفة الغربية المحتلة، وفق عفيفة.
ويتابع، "أما المستوى الثاني، قد نشهد خلاله اندلاع أشكال من العمليات الفردية أو المنظمة في مناطق الداخل والضفة المحتلة".
ويلفت عفيفة إلى مستوى ثالث وهو السيناريو الأخطر، بحسبه، وقد نشهد خلاله فعلًا إسرائيليًا عنيفًا جدًا يؤدي لعمليات قتل واسعة واستشهاد فلسطينيين ثم تتدحرج الأمور نحو ردة فعل من مختلف الساحات الفلسطينية بطرق مختلفة سواء في الضفة أو القدس أو الداخل أو حتى قطاع غزة وهو سيناريو مستبعد حتى الآن.
بينما المستوى الرابع، هو "أن تندلع مواجهة واسعة تصل إلى خارج المناطق الفلسطينية، لاسيما أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله حذر في خطابه له يوم أمس من أن المساس بالمسجد الأقصى سيفجر المنطقة"، وفق قوله.
وبالنسبة لقطاع غزة، يرى عفيفة أنه "ليس بالضرورة أن يعاد سيناريو سيف القدس بنفس المنهجية والأدوات لأن المقاومة أصبح لديها طرق لاستنزاف الاحتلال بوسائل مختلفة وبالتالي من مصلحة المقاومة أن تكون هناك حالة استنزاف للعدو لأطول فترة".
ويؤكد أن "من مصلحة المقاومة أن تكون ساحات المشاركة واسعة وألا تنحصر في معركة خاطفة وسريعة بين غزة والاحتلال".
ويلفت عفيفة إلى أن غزة حاضرة بأدوات مختلفة باعتبارها درعًا وشبكة أمان لكل الساحات الأخرى، مؤكدًا أنها مستعدة للحضور الكامل إذا استدعى الأمر ذلك.
3 عوامل تحدد الموقف الأمني
من جهته، يبين المحلل السياسي حسام الدجني أن أكثر ما يرجح حدوث أي سيناريو جراء الأحداث المرتقبة في القدس هو 3 عوامل.
ويقول الدجني لوكالة "صفا": إن العامل الأول هو حجم الحشد الشعبي الممكن أن يتم يوم الأحد من الضفة والقدس والداخل المحتل، بينما العامل الثاني هو تحريك الإقليم والمجتمع الدولي للضغط على الاحتلال.
والعامل الثالث- بحسب الدجني- هو دور الأطراف العربية المشاركة في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم عبر إمكانية تهديدها بالانسحاب من الائتلاف حال حدثت انتهاكات بالمدينة المقدس.
ويرى أن "الترجيح الأكبر هو أن يُرضي بينيت، اليمين المتطرف عبر اقتراب هذه المسيرة من باب العامود دون دخولها الحي الإسلامي أو باب العامود ولا باحات الأقصى، وأن تضبط شرطة الاحتلال المشهد بصورة كبيرة؛ لمنع تدهور الأوضاع أو اندلاع مواجهة مفتوحة مع قطاع غزة".
ويضيف، "قد يكون هناك بعض المواجهة الضيقة على حدود المقاومة الشعبية في الضفة الغربية والقدس، بينما بالنسبة لغزة فاعتقد أن كل الأطراف معنية بمنع هذه المواجهة".
ويشير الدجني إلى أن إبطال قرار محكمة الاحتلال السماح للمستوطنين بأداء طقوس تلمودية في باحات الأقصى، يعد من المؤشرات التي تعكس أن حكومة الاحتلال لا تريد الدخول في أتون مواجهة تهدد هذا الائتلاف.
ويتابع "في حالة تجاوز الخطوط الحمر فهذا يعني أن مواجهة ستبدأ من القدس ولا أحد يتوقع أين ستنتهي ربما مع قطاع غزة في مواجهة عسكرية أو قد تؤدي لاشتعال انتفاضة حقيقية في الضفة الغربية".
ويستبعد المحلل السياسي أن تبقى المقاومة في غزة صامتة في حال ذهبت الأمور باتجاه تجاوز الخطوط الحمر في الأقصى ومحيطه.
وحول احتمالية انضمام أطراف إقليمية لمواجهة واسعة حال حدوثها، يعتقد الدجني أن هذا هو التحدي الأبرز الذي تخشاه "إسرائيل".