يقض الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1948 مضاجع الاحتلال الإسرائيلي منذ عام النكبة وحتى اليوم، ورغم مرور 74 عامًا على الجريمة العنصرية، إلا أنهم ما زالوا "شوكة" في حلق مشاريع الاحتلال.
وتنظر "إسرائيل" بقلق إلى التفوق الديموغرافي الفلسطيني في أراضي الـ48، في ظل غياب حل سياسي، بالإضافة لعقلية هؤلاء الفلسطينيين وفشل رهانات كثيرة عليهم.
وبالأرقام؛ فإن أعداد الفلسطينيين والإسرائيليين تتساوى تقريبًا في الداخل المحتل، ما دفع الإسرائيليين مؤخرًا إلى الإعراب صراحة عن الخشية من "القنبلة الديموغرافية" للفلسطينيين.
"خطر علينا وعليهم"
ويقول المسؤول بجمعية حقوق المهجرين في أراضي الـ48 سليمان فحماوي لوكالة "صفا": إن "إسرائيل وعلى قدر ما تشكل خطرًا على الأرض والإنسان لأنها هي من احتلت واقترفت المجازر وهجرت السكان، إلا أنها تخشى فلسطينيي الداخل وتعتبرهم خطرًا استراتيجيًا عليها".
ويرى أنه وبعد 74 عاما على النكبة، تعي "إسرائيل" جيدًا أن مقولة "الكبار يموتون والصغار ينسون" التي راهنت عليها، فشلت، وهناك العديد من العوامل والصدمات التي تلقتها طوال العقود الماضية أثبتت ذلك.
ويضيف "إسرائيل ورغم أنها تحتفل اليوم بما يسمى ذكرى استقلالها، إلا أنها تعي جيدًا أن هذه الذكرى هي ذكرى نكبتنا، وهذا هو الشعار الذي نحيي به النكبة كل عام، حتى تبقى تتذكر هذه الحقيقة".
ويشير فحماوي إلى أن "إسرائيل تقيم كيانها على أرضنا نحن الفلسطينيين وعلى أنقاض بيوتنا ودمائنا، ولا حق لها على هذه الأرض مهما طال الزمن".
ومن أحد أوجه الخطر الذي يشكله فلسطينيو الـداخل المحتل بالنسبة لـ"إسرائيل"، أنهم أثبتوا وجودهم وما زالوا يتسمكون بالبقاء على أرض فلسطين وعلى قرب عدة مترات من قراهم المهجرة.
ويتابع فحماوي "نحن أثبتنا ذلك بالتمسك بالقرار 194 للأمم المتحدة الذي يؤكد على حق عودة اللاجئين والمهجرين، الذين يقيم عدد منهم على مقربة من قراهم التي هُجروا منها".
محاولات ردعهم
وما يثبت مخاوف "إسرائيل" من قضية العودة وتمسك فلسطينيي الداخل بها، سنّها العديد من القوانين العنصرية المتعلقة بهذه القضية خلال السنوات الأخيرة الماضية.
ويستحضر فحماوي عددًا منها، إذ "في عام 2009 سنّ الكنيست الإسرائيلي قانون خصخصة أملاك اللاجئين وبيعها، بعد أن كان قبل ذلك حارسًا على هذه الأملاك، بالإضافة إلى سن قانون عام 2012 بمنع إحياء ذكرى النكبة لفلسطيني الداخل، وقوانين أخرى كثيرة".
"وحاولت إسرائيل من خلال هذه القوانين ردع عملية التوعية والتثقيف بين أبناء الداخل بأن الأرض لهم وبأن لهم قرى سيعودون إليها، ولتثبت مقولة أن الكبار يموتون والصغار ينسون"، وفق المسؤول بجمعية حقوق المهجرين في أراضي الـ48.
لكن فحماوي يجزم بأن الواقع الذي أثبته فلسطينيو الداخل هو أن الكبار يموتون والصغار يكملون الطريق ولا ينسون، بل يحملون الراية والرسالة، لذلك أصبحوا يشكلون رقمًا صعبًا في الداخل الإسرائيلي.
وتشير تقديرات إسرائيلية إلى أن عدد الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل سيصل إلى ما لا يقل عن 3.2 مليونًا عام 2050.
"لذلك فإن فلسطينيي الـ48 يشكلون شوكة في حلق إسرائيل، التي راهنت طوال العقود الماضية على قضية النسيان وطمس قضية عودة اللاجئين محليًا وعالميًا"، وفق فحماوي.
ويأسف المختص بشؤون المهجرين لعقد اتفاقية "أوسلو" التي "أجهضت هذه القضية"، إذ تحتوي على بند ينص على أن "فلسطينيي الداخل شأن إسرائيلي وليس فلسطيني".
وبالرغم من هذه المأساة (اتفاقية أوسلو)، إلا أن كل محاولات طمس حقوق اللاجئين وعودتهم لم تفلح، وهو الهدف الذي تأسست من أجله جمعية حقوق المهجرين في الداخل الفلسطيني المحتل عقب الاتفاقية مباشرة، في عام 1993.
الرهان على الجيل
واليوم تشكل مسيرة العودة الـ25 التي نظمتها الجمعية إثباتًا على أن الفلسطينيين بالداخل يشكلون خطرًا على وجود "إسرائيل"، كما يقول فحماوي.
ويوضح أن أكثر من 15 ألفًا من المهجرين ومناصريهم شاركوا في هذه المسيرة التي عادوا فيها إلى قرية ميعار المهجرة في الجليل الأعلى.
ويضيف أن "الأجمل فلسطينيًا، والأخطر بالنسبة لإسرائيل هو أن 85% من المشاركين هم من فئة الشباب بين أعمار 16 وحتى 30 عامًا".
ويعتبر فحماوي أن مشاركة هذه الفئة بالمسيرة تؤكد أن الصغار أبدًا لا ينسون، وأن الجيل الصاعد أمين على رسالة الأجداد وحق العودة، ويشجع في الاستمرار بهذا المطلب حتى نيله.
وتعوّل "إسرائيل" على استقدام مهاجرين وارتفاع أعداد المتطرفين مع توقعاتها بانخفاض معدل الخصوبة بين الفلسطينيين بالداخل.
من جانبه، يشدد المؤرخ الفلسطيني البروفيسور جوني منصور على أن "كل الحقائق والوقائع على الأرض بعد 74 عامًا، تؤكد تجذّر أهمية الأرض والصمود في قلب كل فلسطيني بالداخل وكل فلسطين".
ويشير منصور، في حديث لوكالة "صفا"، إلى أن "ما يجري في الداخل من وعي وتمسك بحق العودة والمقدسات وحمايتها والدفاع عنها، يثبت بأن تاريخ الصراع على الأرض بين الحركة الوطنية الفلسطينية وبين الحركة الصهيونية الاستعمارية التوسعية باق وسيبقى".
ووفق منصور؛ فإن "إسرائيل"، وعبر سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية من خلال الحرب التي شنتها الحركة الصهيونية ومن بعدها "إسرائيل"، حاولت أن تجرد الشعب الفلسطيني من أراضيه.
ويؤكد أن الفلسطينيين في الداخل خاضوا نضالًا ممتدًا ضد حكومات "إسرائيل" رفضًا لتقليص حيز أرضهم، عبر رزمة قوانين جائرة وعنصرية، أدت في نهاية المطاف إلى بقاء أقل من 3% من أراضي الفلسطينيين بيد أصحاب البلاد الأصليين.
ورغم هذه النسبة إلا أن الوعي والنضال يكبر والصراع يشتعل مع الاحتلال، لأن مقولة "الكبار يموتون والصغار ينسون" ثبُت فشلها بعد كل سنوات ما بعد النكبة.