يوافق اليوم الثلاثاء، الذكرى السنوية الأولى لمعركة "سيف القدس"، التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، دفاعًا عن القدس والمسجد الأقصى المبارك وأهالي حي الشيخ جراح.
وبدأت المعركة في العاشر من مايو/ أيار 2021، بتوجيه كتائب القسام في تمام الساعة السادسة مساءً ضربة صاروخية تجاه مدينة القدس، ردًا على جرائم الاحتلال التي تصاعدت وتيرتها بحق المسجد الأقصى وسكان الشيخ جراح.
وشكلت "سيف القدس" نقلة نوعية في الصراع مع الاحتلال، أثبتت خلالها كتائب القسام والمقاومة فشل نظرية الردع الإسرائيلية، وأظهرت إمكانيات وقدرات عالية لدى المقاومة.
ونجحت في تهشيم صورة الكيان الإسرائيلي وجيشه، بعد أن مرغت أنفه في التراب، لتكتب صفحات جديدة في تاريخ العز والمجد وترسم طريقًا جديدًا نحو التحرير.
بدء المعركة
ومع تصاعد اعتداءات الاحتلال على القدس والأقصى، ومحاولته الاستيلاء على منازل المواطنين في حي الشيخ جراح، وتهجير سكانها منها قسرًا أواخر أبريل/نيسان عام 2021، كان لزامًا على المقاومة أن تضع حدًا لهذه الاعتداءات، وتدافع عن القدس والأقصى.
وسبق اندلاع معركة "سيف القدس، توجيه قائد هيئة الأركان في كتائب القسام محمد الضيف في الرابع من مايو 2021، تحذيرًا واضحًا للاحتلال بأنه في حال لم يتوقف العدوان على أهالي الشيخ جراح في الحال، فإن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي، وسيدفع العدو الثمن غاليًا.
لكن رغم تحذير الضيف، إلا أن سلطات الاحتلال ضاعفت من اعتداءاتها بحق المسجد الأقصى وأهالي الشيخ جراح، ولم تحسن تقدير تحذير المقاومة ولم تأخذها بالحسبان، ففي فجر العاشر من مايو اقتحمت قوات كبيرة من قوات الاحتلال المسجد الأقصى واعتدت على المرابطين.
وفي اليوم نفسه، منحت قيادة المقاومة الاحتلال مهلة حتى الساعة السادسة مساءً لسحب جنوده ومستوطنيه من المسجد الأقصى والشيخ جراح، والإفراج عن المعتقلين كافة خلال هبة القدس الأخيرة، وإلا فقد أعذر من أنذر.
ومع انقضاء مهلة المقاومة، وفي تمام الساعة السادسة مساءً، وجهت كتائب القسام ضربة صاروخية تجاه القدس، ردًا على جرائم الاحتلال وعدوانه بالقدس والأقصى وتنكيله بأهالي الشيخ جراح، وأكدت أن رسالة الضربة عليه أن يفهمها جيدًا، و"إن عدتم عدنا وإن زدتم زدنا".
ودخلت المقاومة معركة "سيف القدس" دفاعًا عن المدينة المقدسة ونصرة للمقدسيين والمرابطين في المسجد الأقصى.
معادلة القصف بالقصف
وفي اليوم التالي 11 مايو، وجهت كتائب القسام ضربة صاروخية هي الأكبر من نوعها صوب أسدود وعسقلان بـ 137 صاروخًا من العيار الثقيل خلال 5 دقائق، واستهدفت مركبة إسرائيلية شمال القطاع.
وقصفت طائرات الاحتلال عشرات الأبراج السكنية في قطاع غزة، إلا أن كتائب القسام حذرت من أن "تل أبيب" ستكون على موعد مع ضربة صاروخية قاسية تفوق ما تعرضت له "عسقلان" في حال تماديه.
ولم تمهل القسام الاحتلال طويلًا، فبعد أقل من ساعتين من استهداف أول برج في غزة، وجهت ضربة صاروخية لتل أبيب وضواحيها ومطار بن غوريون بـ 130 صاروخًا، تخبط العدو من شدة الضربات الصاروخية للمقاومة، وبات يستهدف الأبراج ومنازل المدنيين والشقق السكنية.
وفرضت المقاومة خلال معركة "سيف القدس" معادلة القصف بالقصف، وربطت أي تلويح أو قصف لبرج مدني في غزة برشقات صاروخية على "تل أبيب وعسقلان وأسدود"، وكلما ارتكب الاحتلال مجازر ضد المدنيين كانت ترد عليه بشكل خاص خلال المواجهة، وما إن زاد من قصفه في القطاع زادت المقاومة من رشقات صواريخها وبقعة الاستهداف في العمق.
وركزت المقاومة في ضرباتها الصاروخية على الأهداف العسكرية، والتي شملت مطارات وقواعد وتجمعات تنطلق منها طائراته في غاراتها على قطاع غزة.
وجعلت من المعركة حرب أعصاب، واستخدمت تكتيكها الخاص، فأحدثت هزة في جبهة الكيان الداخلية، ولم تجعل للإسرائيليين سبيلًا للراحة.
وبعد قصف طائرات الاحتلال لبرج الجلاء الذي يضم مكاتب إعلامية ووكالات أجنبية في سعي منه لطمس حقيقة جرائمه في غزة، طالبت القسام سكان "تل أبيب" والمركز أن يقفوا على رجلٍ واحدة وينتظروا ردها المزلزل.
وبعد ساعات أمر القائد الضيف برفع حظر التجول عن "تل أبيب" ومحيطها لمدة ساعتين من الساعة العاشرة وحتى الساعة الثانية عشرة ليلًا، وبعد ذلك يعودوا للوقوف على رجلٍ واحدة.
وأراد الاحتلال خلال معركة "سيف القدس" تضليل المقاومة واستدراج عناصر نخبتها لكمين قد أعده على مدار سنوات عديدة، إلا أن يقظة قيادة المقاومة أفشلت مخططات الاحتلال وألحقته بهزيمة نكراء.
وفشلت خطة الاحتلال فشلًا ذريعًا، وسوّق أمام جمهوره بأنه خدع المقاومة ودمر أنفاق حماس، في حين قللت القسام من شأن الغارات واعتبرتها استعراضية هدفها التخريب والتدمير، ودافعها العجز عن مواجهة المقاومة، ولن تؤثر على قدرات المقاومة.
وأكدت القسام كذب الاحتلال وعجزه عن النيل من أنفاق المقاومة، فنشرت مشاهد مصورة تؤكد جهوزية مقاتليها واستعدادهم داخل الأنفاق خلال المعركة.
وخلال المعركة، قدمت كتائب القسام، ثلة من خيرة قادتها ومهندسيها، وعلى رأسهم باسم عيسى أبو عماد قائد لواء غزة في كتائب القسام، والبروفيسور جمال الزبدة أحد أبرز مهندسي القسام.
وفي إطار الرد على اغتيال القادة، كشفت القسام لأول مرة عن إدخال صاروخ العياش 250 إلى الخدمة وقصفت به مطار "رامون" جنوب فلسطين المحتلة، بأمر من قائد هيئة الأركان محمد الضيف، والذي دعا شركات الطيران العالمية إلى وقف فوري لرحلاتها إلى أي مطار في الأراضي المحتلة.
وأسفر العدوان الإسرائيلي عن استشهاد 264 فلسطينيًا، بينهم 66 طفلًا و39 سيدة و17 مسنًا، وإصابة (2205) مواطنين بجروح مختلفة، بالإضافة إلى دمار كبير في البنية التحتية والمنازل السكنية.
انتصار المقاومة
وبعد 11 يومًا من العدوان، توصلت المقاومة إلى وقف لإطلاق النار مع الاحتلال الإسرائيلي الساعة الثانية قبل فجر الجمعة الموافق 21 مايو، بوساطة عربية.
وأعلنت غزة انتصارها بقوة مقاومتها وبسالة شعبها، بعد أن لقّنت الاحتلال درسًا قاسيًا، ووجهت له ضربة موجعة ستترك آثارها المؤلمة على مستقبله.
وأجمع محللون سياسيون وعسكريون إسرائيليون على فشل حكومة الاحتلال سياسيًا وعسكريًا في المعركة، ووجهوا انتقادات واسعة للجيش في ضوء نتائجها التي كشفت إخفاقات وهشاشة جبهته الداخلية، وقد أسفرت المعركة عن مقتل 14 إسرائيليًا وإصابة المئات.
واستطاعت المقاومة أن تلحق في العدو خسائر اقتصادية قدرت قيمتها بـ 7 مليارات شيكل، بالإضافة إلى خسائر عسكرية تجاوزت قيمتها 1.1 مليار شيكل، كما وتم التبليغ عن أكثر من 5300 ضرر من قبل المغتصبين.