يرى مختصون ومحللون سياسيون أن معركة "سيف القدس" وما حققته المقاومة في قطاع غزة بعدها من إنجازات ولاسيما تثبيت معادلة الردع مع "إسرائيل" وإفقادها "هيبتها" الأمنية، أفشل ما يسمى "مسيرة الأعلام" وأحبط أهدافها.
ومنعت شرطة الاحتلال "مسيرة الأعلام" و"ذبح القرابين" في المسجد الأقصى المبارك، كونها تخشى التصعيد، وتطور الأمور نحو الذهاب إلى معركة "سيف القدس 2"، لأنه يعني أن انفجار الوضع في مدينة القدس المحتلة، قد يُجبر المقاومة للدفاع عن شعبها.
وأثار مشهد منع شرطة الاحتلال للمستوطنين من الوصول إلى باب العامود بالقدس مساء الأربعاء، ردود فعل إسرائيلية غاضبة، إذ وصف بأنه "مشهد نصر كبير لحركة حماس دون أن تطلق طلقة واحدة".
وعبر العديد من المسؤولين في حكومة الاحتلال عن خشيتهم من القيام بأفعال على الأرض، تستدعي ردًا من المقاومة الفلسطينية على غرار ما حدث في معركة "سيف القدس".
ومساء الثلاثاء، رفضت شرطة الاحتلال منح ترخيص لإقامة "مسيرة الأعلام" السنوية في أرجاء البلدة القديمة، على ضوء الإعلان عن خط سيرها داخل البلدة قبل نيل التراخيص اللازمة منها.
قوة الردع
المختص في الشأن المقدسي ناصر الهدمي يرى أن العبر والدروس التي استخلصها الاحتلال من معركة "سيف القدس"، العام الماضي، وما مُني بها من خسائر مادية ومعنوية، أجبرته على منع "مسيرة الأعلام" من التقدم نحو باب العامود.
ويوضح الهدمي لوكالة "صفا" أن آثار وإنجازات المعركة التي فرضتها المقاومة، ما زالت ماثلة وموجودة، وأكبر دليل على ذلك، ما شهدناه بالأمس من حرص سلطات الاحتلال على عدم الوصول إلى مواجهة عسكرية مع المقاومة.
وبنظره، فإن "المعادلة بعد سيف القدس قد تغيرت تمامًا، وبات الاحتلال يعي أن قوة الردع لديه تآكلت وتضاءلت بشكل كبير، وأن المقاومة هي من تُثبت معادلة الردع وتُحدد ما سيكون ومتى، وماذا لا يكون؟، وهذا ما يُحرج حكومة الاحتلال أمام جمهورها".
ويضيف أن" المعارضة الصهيونية في إسرائيل تلعب لعبتها مع حكومة الاحتلال، ومن يُحرك خيوطها بنيامين نتنياهو الذي يطمح للعودة إلى سدة الحكم مجددًا، ويحاول استخدام المتطرف إيتمار بن غفير لإحراج حكومة نفتالي بينيت".
ويشير إلى أن "بن غفير" شخصية استعراضية تستغل كل فرصة إعلامية من أجل الظهور بشخصية الأشد تطرفًا، وأن لديه الجرأة أكثر من غيره على ارتكاب جرائم بحق الشعب الفلسطيني، بغية زيادة شعبيته والدخول في الانتخابات الإسرائيلية القادمة.
وبمنع الاحتلال "مسيرة الأعلام" وحتى "ذبح القرابين" في المسجد الأقصى، لكونه يخشى التصعيد ويعي أن انفجار الوضع في مدينة القدس إلى حد معين، قد يُجبر المقاومة للدفاع عن شعبها، لذلك يحاول بكل جهده عدم وصول الأمور لمرحلة تدفع نحو
مواجهة عسكرية مع غزة. وفق الهدمي
ويؤكد أن الاحتلال بات يتراجع في أكثر من مرحلة بالقدس، إذ فقد قوة الردع في الشارع المقدسي، وكذلك هيبته واحترامه لدى المجتمع الإسرائيلي، ولم يعد قادرًا على إثبات أنه المسيطر على المسجد الأقصى، وحتى على ما يسميه بـ"أرض إسرائيل" كاملًا.
وبحسب الهدمي، فإن" الاحتلال وصل لمرحلة بعد 74 عامًا مرت عليه، لم يستطيع الوصول فيها للاستقلال التام، بل سيادته منقوصة، ولا يزال يصارع الشعب الفلسطيني الأعزل في أرضه وحقوقه ومقدساته".
تفجر الأوضاع
وأما المحلل السياسي راسم عبيدات فيرى أن حكومة الاحتلال تعيش أزمة عميقة نتيجة معادلتين، الأولى: فرضتها فصائل المقاومة في غزة بعد "سيف القدس"، ما جعلها غير قادرة على الذهاب إلى حرب يمكن أن تُحقق أي انتصار فيها.
والمعادلة الثانية-وفقًا لعبيدات- أن حكومة الاحتلال أصبحت أسيرة الجماعات المتطرفة، وقفزت معها في اقتحامات المسجد الأقصى المتكررة، بغية فرض وقائع جديدة تُغير من واقعه الديني والتاريخي والقانوني، وتفرض مخطط تقسيمه زمانيًا ومكانيًا.
ويضيف أن حكومة الاحتلال لم تسمح بإدخال "قرابين الفصح" للأقصى، خشيةً من تفجر الأوضاع، وتطور الأمور نحو الذهاب إلى معركة "سيف القدس 2".
لذلك منعت المستوطنين والجماعات المتطرفة من التقدم بـ"مسيرة الأعلام" نحو باب العامود، فهي أصبحت تبحث عن استقرار إقليمي، في ظل حالة الضعف الكبير الذي تعيشه. كما يوضح عبيدات
وبنظر عبيدات، فإن معركة "سيف القدس" وما بعدها هشمت "إسرائيل" سياسيًا وعسكريًا، وأعادت المشروع الوطني إلى بداياته، أمام توحد الكل الفلسطيني، ما شكل هاجسًا للاحتلال.
ويوضح أن الاحتلال يريد أن يتعامل مع الشعب الفلسطيني كتجمعات وليس كشعب موحد، لذلك يريد أن يكسب الساحات، وفصل غزة عن القدس، وعدم وجود أي رابط بين الساحتين، أو بين غزة ومقاومة جنين أو الداخل المحتل، لكن "سيف القدس" وحدت كل الساحات الفلسطينية.
وبحسبه، فإن سلطات الاحتلال تخشى الذهاب إلى مثل هذه المعركة، لأنها تدرك تمامًا أنها لم تعد بإمكانها أن تحقق نصرًا أمام المقاومة، بسبب عدم استعادة هيبة الردع الإسرائيلي، وكذلك وعيها بقدرة المقاومة على مجابهتها وتحقيق النصر.
ويشير إلى أن حكومة الاحتلال تعيش أزمة سيطرة الجماعات المتطرفة على القرار السياسي الإسرائيلي، ليس فقط على حكومة بينيت، التي أسقطت حكومة نتنياهو بالاستعانة بتلك الجماعات، بل لأن الأحزاب الإسرائيلية الكبيرة قد تلاشت، ولم تعد مقررة بالشأن السياسي.
ويضيف أن "المقرر في الِشأن السياسي الإسرائيلي تنامي الداعشية اليهودية في المجتمع الإسرائيلي الذي يميل نحو اليمين والتطرف، وهذا ما قد يدفع الأمور مستقبلًا إلى تفكك المجتمع من داخله عبر حروب أهلية".