يوافق يوم السبت، الذكرى الـ74 لمذبحة دير ياسين، التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق أهالي القرية الواقعة غربي القدس المحتلة، ما أسفر عن مئات الشهداء والجرحى الفلسطينيين من النساء والأطفال والشيوخ.
ففي فجر التاسع من أبريل/ نيسان عام 1948، اقتحم مسلحون يهود من منظمتي "الأرجون" و"شتيرن" الإرهابيتين الصهيونيتين قرية دير ياسين، وشنوا هجومًا عليها، بدعم من عصابتي "البالماخ" و"الهاغاناه" الصهيونيتين الإرهابيتين.
وتوقع المهاجمون أن يفزع الأهالي من الهجوم ويبادروا إلى الفرار من القرية، وهو السبب الرئيس من الهجوم؛ كي يتسنّى لليهود الاستيلاء على القرية وبدء سلسلة تهجير الفلسطينيين من أرضهم.
وانقضّ المهاجمون اليهود على القرية تتقدمهم سيارة مصفّحة، لكنهم فوجئوا بنيران مقاومين فلسطينيين في حينه والذي لم يكن في حسبانهم، فسقط 4 قتلى يهود وأصيب 32، حيث طلب بعد ذلك المهاجمون المساعدة من قيادة "الهاجاناه" في القدس، وجاءت التعزيزات.
انتهاك للقوانين
وتمكّن المهاجمون اليهود من استعادة جرحاهم، ثم واصلوا هجومهم على القرية وقتلوا أهاليها دون تمييز بين رجل أو طفل أو امرأة أو شيخ، في أبشع تجسيد لممارسة العصابات الصهيونية الإرهابية، لسياسة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين خلال أحداث النكبة.
ولم تكتف العناصر اليهودية المسلحة بإراقة الدماء في القرية، بل أخذوا عددًا من القرويين الأحياء بالسيارات واستعرضوهم في شوارع الأحياء اليهودية وسط هتافات اليهود، ثم العودة بالضحايا إلى قرية دير ياسين، وممارسة أبشع أنواع التعذيب بحقهم، في انتهاك لجميع المواثيق والأعراف الدولية.
واقتيد نحو 25 من رجال القرية داخل حافلات وطافوا بهم شوارع القدس المحتلة كما كانت تفعل الجيوش الرومانية قديما، ثم أعدموهم رميًا بالرصاص.
وشهدت المجزرة دعمًا للإرهابيين من عصابات "البالماح" في أحد المعسكرات بالقرب من القدس، حيث قصفت العصابة قرية دير ياسين بمدافع الهاون لتسهيل مهمّة العصابات المهاجمة.
وأسفرت مذبحة دير ياسين عن سقوط عدد كبير من الفلسطينيين، قدرتهم مصادر عربية وفلسطينية بين 250 إلى360 شهيدًا من النساء والأطفال والشيوخ.
ومنعت الجماعات اليهودية، في ذلك الوقت، المؤسسات الدولية، بما فيها الصليب الأحمر، من الوصول إلى موقع الجريمة للوقوف على ما حدث على أرض الواقع.
عامل هجرة
مناحيم بيغن، الذي كان رئيسًا لعصابة "الهاغاناه"، تفاخر بالمجزرة، بعد أن أصبح رئيسًا للوزراء، وقال في كتاب: "كان لهذه العملية نتائج كبيرة غير متوقعة، فقد أصيب العرب بعد أخبار دير ياسين بهلع قوي فأخذوا يفرون مذعورين، فمن أصل 800 ألف عربي كانوا يعيشون على أرض إسرائيل الحالية لم يتبق سوى 165 ألفًا".
وشكلت مجزرة دير ياسين عاملًا مهمًّا في تهجير آلاف الفلسطينيين الذين لم يكونوا يمتلكوا إلا القليل من السلاح في حينه؛ للهجرة لأماكن أخرى في فلسطين ودول عربية مجاورة.
واستثمرت العصابات الصهيونية المجزرة لبث الرعب في سكان القرى الفلسطينية المجاورة، حيث هاجر الكثيرون إلى بلدات عربية مجاورة، كما أدت إلى تأليب الرأي العام العربي ضد الاحتلال، وتشكيل الجيش الذي خاض حرب عام 1948.
وبعد نحو عام من ارتكاب المجزرة، أقامت قوات الاحتلال احتفالات بالقرية المنكوبة حضرها أعضاء الحكومة الإسرائيلية، وحاخامات اليهود، لتخليد سقوط دير ياسين في أيدي الاحتلال.
وفي سنة 1980، أعاد الاحتلال الإسرائيلي البناء فوق المباني الأصلية للقرية، وأطلق أسماء العصابات الإسرائيلية (الأرغون، وإتسل، والبالماخ، والهاغاناه) على أماكن فيها.
تاريخ القرية
وكانت قرية دير ياسين تقع على تل يبلغ ارتفاعه نحو ثمانمائة متر، وتبعد حوالي كيلومتر واحد عن النواحي الغربية للقدس المحتلة.
وبدأ الاستيطان اليهودي فيها عام 1906، وقامت قوات الإمبراطورية العثمانية بتحصين مرتفعات دير ياسين ضمن منظومة الدفاع عن القدس، لكن قوات الجنرال اللنبي اقتحمتها عام 1917 مما جعل القدس المحتلة تسقط في أيدي الحلفاء.
وإلى جانب موقعها الاستراتيجي، تمتعت دير ياسين بحركة اقتصادية لافتة قبيل الانتداب البريطاني وبعده، كما شهدت نموًا ديمغرافيًا ملحوظًا، إذ ارتفع عدد السكان من نحو 428 نسمة عام 1931، إلى 750 عامًا 1948.
وعاش اليهود بأمان داخل القرية، غير أن العلاقات بينهم والفلسطينيين تدهورت إبان ثورة 1936-1939، قبل أن ترجع لسالف عهدها وتستمر كذلك إلى حدود نكبة 1948.
ولا تزال القرية إلى يومنا هذا قائمة في معظمها، وضُمت إلى مستشفى الأمراض العقلية الذي أنشئ في موقع القرية، وتستعمل بعض المنازل التي تقع خارج حدود أراضي المستشفى، لأغراض سكنية أو تجارية، وثمة خارج السياج أشجار الخروب واللوز.
أما مقبرة القرية القديمة، الواقعة شرق الموقع، فقد اكتسحتها الطريق الدائرية التي شُقّت حول القرية، لكن ما زالت شجرة سرو باسقة وحيدة قائمة وسط ما تبقى من المقبرة حتى اليوم.