web site counter

محاولات لتهويده كاملًا 

28 عامًا على مجزرة المسجد الإبراهيمي.. وأطماع الاحتلال لم تتوقف 

الخليل - خاص صفا

28 عامًا مرت على مجزرة المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، وما يزال الاحتلال الإسرائيلي يواصل أطماعه الدينية بحق المسجد، ويحاول بشتى الوسائل السيطرة الكاملة عليه، وإجراء تغييرات في معالمه الحضارية والتاريخية عبر تنفيذ مشاريعه استيطانية وتهويدية.

وتأتي هذه الذكرى الأليمة، والمسجد الإبراهيمي يتعرض لهجمة شرسة من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين، يتخللها اعتداءات متواصلة، ومنع استكمال لأعمال الترميم والصيانة للمسجد، بالإضافة إلى عمليات تخريب وحفريات على مداخله، ضمن مشروع تهويدي للمسجد وساحاته.

فصول المجزرة

ففي فجر يوم الجمعة 25 شباط/ فبراير 1994، الموافق 15 رمضان عام 1414 هجري، بدأت فصول الجريمة حين اقتحم المستوطن الإرهابي باروخ غولدشتاين برفقة مجموعة من المستوطنين، المسجد الإبراهيمي في وقت الصلاة وهو يرتدي بزته العسكرية.

وقف المتطرف غولدشتاين خلف أحد أعمدة المسجد وانتظر حتى سجد المصلون، ومن ثم فتح نيران سلاحه وأطلق ثلاثة مخازن من بندقيته الرشاشة على المصلين الفلسطينيين وهم يؤدون صلاة الفجر، ما أدى لاستشهاد 29 مصليًا وجُرح 150 أخرين.

وكان غولدشتاين، من سكان مستوطنة "كريات أربع"، قد أصر على قتل أكبر عدد من المصلين، وأعد الخطط لذلك وكان هدفه الوحيد هو اقتلاع الوجود الفلسطيني من البلدة القديمة في الخليل.

وبعد انتهاء المجزرة، أغلق جنود الاحتلال الموجودون في المسجد أبوابه لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا وصول القادمين من خارجه إلى ساحته لإنقاذ الجرحى.

وفي وقت لاحق، استشهد آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد وأثناء تشييع جنازات الشهداء، فارتفع عدد الشهداء إلى 50.

وردًا على هذه المجزرة، تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وكافة المدن الفلسطينية، وبلغ عدد الشهداء الذين ارتقوا نتيجة المواجهات مع جنود الاحتلال 60 شهيدًا.

وإثر المجزرة البشعة، أغلقت قوات الاحتلال المسجد الإبراهيمي والبلدة القديمة لمدة ستة أشهر كاملة، بدعوى التحقيق في الجريمة، وشكلت، من طرف واحد، لجنة تحقيق برئاسة رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية القاضي "مئير شمغار" للتحقيق في المجزرة وأسبابها.

كنيس يهودي

ورغم الأذى الكبير الذي أصاب الفلسطينيون بسبب المجزرة، إلا أنهم فوجئوا بإصدار لجنة التحقيق الإسرائيلية توصيات قاسية، كان أهمها تقسيم المسجد بين المسلمين والمستوطنين، مما فرض واقع احتلالي صعب على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضع حراسات مشددة على المسجد.

واستدعت اللجنة عشرات الفلسطينيين واستمعت لشهاداتهم، وفي النهاية قررت اقتطاع نحو 60% من المسجد الخلفي، وتحويله إلى كنيس يهودي، مع فرض إجراءات على دخول المصلين.

ويضم القسم المحتل من المسجد: مقامات وقبور أنبياء، وشخصيات تاريخية، إضافة إلى صحن المسجد، وهي المنطقة المكشوفة فيه.

وبعدها، وضع الاحتلال كاميرات وبوابات إلكترونية على المداخل كافة، وأغلق معظم الطرق المؤدية إليه في وجه المسلمين، باستثناء بوابة واحدة عليها إجراءات عسكرية مشددة، إضافة إلى إغلاق سوق الحسبة، وخاني الخليل وشاهين، وشارعي الشهداء والسهلة، وبهذه الإجراءات فصلت المدينة والبلدة القديمة عن محيطها.

وما زال المصلون الراغبون في الوصول للمسجد من خارج محيطه، يضطرون إلى عبور عدة حواجز عسكرية وإلكترونية، وعلى مداخله يضطرون لعبور بوابات إلكترونية.

تخطيط مدبر

ولم تكن المجزرة نتيجة قرار آني، بل ثمرة تخطيط وتدبير من قبل مجموعة مستوطنين، وبمشاركة غير مباشرة من جيش الاحتلال، الذي تغيّب عن نقاط تمركزه وقت وقوعها.

ويقول كتاب "الجمعة الدامية.. عقيدة غولدشتاين"، الذي صدر عام 1994، من تأليف: مازن حماد وعامر طهبوب ونادر طهبوب: إن "المجزرة جزء من جنون جماعي، فالقاتل لم يوقفه الجنود على بوابات ومداخل الحرم، كما أنه استطاع الوصول بسهولة إلى مصلى المسلمين، واطلاق عدة صليات من الرصاص لمدة عشر دقائق دون تدخل جنود الاحتلال المرابطين على الحرم".

ويضيف "ترك الجيش غولدشتاين ينفذ مجزرته كاملة، رغم نقاط المراقبة المكثفة في محيط مسرح الجريمة، واستعدادهم الدائم للتحرك تجاه أي حركة أو نشاط مشبوه، وفوق ذلك كله شاركوا في اطلاق الرصاص على المصلين والمئات الذين هرعوا لنقل الاصابات وانقاذ المتبقين، ما أدى إلى ارتقاء شهداء آخرين"

فيما يقول أحد الشهود، والذي أصيب بإعاقة جسدية:" لا يمكن إعفاء الجيش من المسؤولية، عندما أطلق غولدشتاين النار على المصلين، هرب المصلون باتجاه باب المسجد ووجدوه مغلقًا، علمًا بأنه لم يغلق من قبل أثناء أداء الصلاة بتاتًا، وعندما توالت أصوات المصلين بالنجدة كان الجنود يمنعون المواطنين الفلسطينيين من التوجه إلى داخل الحرم للقيام بإنقاذ المصلين".

وفي 18 مارس/آذار 1994، صادق مجلس الأمن الدولي على قرار يدين مجزرة الإبراهيمي، ويدعو لاتخاذ إجراءات لحماية الفلسطينيين بما فيها نزع سلاح المستوطنين.

وكان من آثار المجزرة تشكيل "بعثة التواجد الدولي المؤقت"، بقرار دولي عام 1994، لمراقبة انتهاكات الاحتلال في الخليل، وعملت منذ 1997، حتى قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو منعها من العمل مطلع 2019.

وانتقامًا لشهداء المجزرة، نفذت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خمس عمليات استشهادية بين أبريل/نيسان وديسمبر/كانون الأول 1994، قتل فيها 36 إسرائيليا وجرح أكثر من مئة آخرين.

مساع مستمرة

ورغم مرور 28 عامًا على تلك المجزرة، إلا أن "إسرائيل" ما تزال تسعى للاستيلاء بشكل كامل على المسجد الإبراهيمي خطوة خطوة، بعدما استولت على غالبيته وتتحكم فيه، الأمر الذي يتناقض مع الاتفاقيات والقوانين الدولية التي ضمنت حرية العبادة تحت الاحتلال.

وخلال العام 2021، أغلقت سلطات الاحتلال المسجد 11 يومًا، بحجة الأعياد اليهودية، ومنعت رفع الاذان فيه 633 وقتًا، بالإضافة إلى رفع أعلام الاحتلال على جدرانه، واقتحام رئيس الكيان الإسرائيلي وعدد من المستوطنين للمسجد، خلال احتفالهم بإضاءة "الشمعدان".

وفي العام 2017، أدرجت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة التابعـة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) المسجد الإبراهيمي، والبلدة القديمة في الخليل علـى لائحة التـراث العالمي.

ر ش/د م

/ تعليق عبر الفيس بوك

تابعنا على تلجرام