46 عامًا لم تُمحي من ذاكرة المواطن حسني طه (65عامًا) تلك اللحظات المؤلمة التي عاشها لحظة استشهاد نجله محسن في يوم حمل معه جرحًا غائرًا لا يندمل لعائلته، لكنه استشهد دفاعًا عن الأرض التي رواها بدمائه، ودفع ضريبة عشقه لها وتمسكه بكل ذرة من ترابها.
ذلك اليوم الأليم، تعود قصته إلى 30 آذار/ مارس عام 1976، حينما هب فلسطينيو الداخل المحتل رفضًا لمصادرة الاحتلال الإسرائيلي آلاف الدونمات من أراضي الجليل والمثلث والنقب، وسرعان ما تحولت إلى مواجهات عارمة عمت قرى وبلدات 48، من بينها بلدة كفر كنا مسقط رأس الشهيد محسن.
يومها، تحولت كفر كنا إلى ساحة مواجهة وثورة غضب عارمة، احتجاجًا على مصادرة سلطات الاحتلال للأراضي الفلسطينية، ورفضًا لمخططاتها الاستيطانية والاقتلاعية.
وكما كل عام، يحيي الفلسطينيون في 30 مارس، ذكرى يوم الأرض، الذي شهد استشهاد ستة فلسطينيين برصاص قوات الاحتلال وإصابة المئات في الداخل المحتل.
وشهداء يوم الأرض إلى جانب الشهيد محسن، هم: خير ياسين من عرابة البطوف، رجا أبو ريا من سخنين، خضر خلايلة من سخنين، رأفت الزهيري من عين شمس، وخديجة شواهنة من سخنين.
تفاصيل مؤلمة
ويستذكر شقيق الشهيد طه تفاصيل ذلك المشهد العالق بذهنه، ويقول لوكالة "صفا": "يوم الثلاثاء الموافق 30 مارس لم يكن يومًا عاديًا بالنسبة لنا، بل شكل محطة مفصلية في مسيرة نضالنا وتاريخنا ضد مصادرة أراضينا، رغم ما حمله وما زال من وجع وحزن على استشهاد شقيقي محسن".
ويضيف "عقب اتخاذ سلطات الاحتلال قرارًا بمصادرة آلاف الدونمات من أراضي الجليل، أُعلن حينها الإضراب العام في الداخل المحتل، والتزمت كل الجماهير العربية بالقرار، وعمت المظاهرات والاحتجاجات بلدات الداخل، بما فيها كفر كنا، لكن سرعان ما تحول إلى مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال".
حينها تجمع الشبان في كفر كنا، وبدأوا بإلقاء الحجارة على قوات الاحتلال، وسادت حالة من التوتر والغضب الشديدين حينما مرت مركبة من كفر كنا تنقل جرحي من دير حنا إلى مستشفى الناصرة، ما أثار غضب الشبان.
واشتدت حدة المواجهات، فاستدعى جيش الاحتلال مزيدًا من التعزيزات العسكرية وقوات من شرطة "حرس الحدود" للبلدة، وكأنه كان يخطط لاحتلالها من جديد، وسط إطلاق كثيف للرصاص.
وكان محسن الذي تميز بالشجاعة والجرأة، في طليعة المدافعين عن وطنه وأرضه، ويتقدم الصفوف الأولى في المواجهات التي شهدت معركة "كر وفر" بين الشبان وجنود الاحتلال.
حاصرت قوات الاحتلال محسن مع مجموعة من الشبان وسط البلدة، لكنه حاول الاختباء وراء جدار وهو يحمل بيده حجارة، وما أن ألقاها باتجاه الجنود حتى باغته الجنود برصاصتين اخترقتا رأسه، كما يقول شقيقه.
ويتابع حسني "كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة ظهرًا لحظة انتشار خبر إصابة شاب في البلدة، تبين بعد وقت قصير أنه شقيقي، فتم نقله إلى المستشفى لخطورته حالته، وما هي إلا لحظات حتى أُعلن عن استشهاده".
صدمة كبيرة
وشكل خبر استشهاد الفتى محسن صدمة كبيرة لعائلته ولأهل بلدته، وعم الحزن والغضب كفر كنا، ونعته المساجد، فقد "كان يتمتع بصفات حميدة ومحبوبًا لدى الجميع، لا يهاب أي شيء، وتجده دائمًا في الخطوط الأمامية بأي مواجهات، دفاعًا عن أرضه".
ويضيف حسني، والألم يعتصر قلبه، "كان شقيقي محسن رُغم أن عمره لم يتجاوز الـ15 عامًا، متمسكًا وعاشقًا للأرض التي رواها بدمائه، غيورًا على وطنه، نحن نفتخر به، لأنه استشهد من أجل الأرض".
ورغم مرور 46 عامًا على استشهاد، ما زالت عائلته تحتفظ بقميصه الذي تلطخ بدمائه الزكية حينما أصيب برصاص الاحتلال ومن ثم استشهد، فداءً للوطن.
وعن يوم الأرض الخالد، يقول حسني:" إن هذا اليوم شكل خطوة مفصلية في مسيرة حياتنا ونضالنا كفلسطينيين نعيش في الداخل، وعمل على زيادة الوعي بقضيتنا وهويتنا، وكسر حاجز الخوف لدى الجماهير العربية التي أصبحت لديها الجرأة والشجاعة على مواجهة الاحتلال ومخططاته ومصادرة أراضيهم".
ويطالب بمواصلة توعية وتثقيف الأجيال بالحديث عن يوم الأرض وأسبابه، ومدى أهمية الحفاظ عليها وتمسكنا بها، باعتبارها أيقونة الصراع مع الاحتلال، والتأكيد على استمرار وجودنا وبقائنا على أرضنا والمحافظة على هويتنا العربية الفلسطينية.