أجمع باحثون ومختصون بالشأن الإسرائيلي والأمني، الأربعاء، على أنّ العملية التي نفّذها الشهيد محمد أبو القيعان في مدينة بئر السبع بالداخل المحتل جاءت نتيجة للممارسات العنصرية والتنكيلية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق السكان الفلسطينيين بالنقب وبالداخل الفلسطيني المحتل بشكل عام، مرشّحين انفجار الأوضاع وتدهورها إذا ما استمر الاحتلال ومستوطنوه في ممارسة سياسة الهدم والتهجير والتنكيل.
وتسود خشية في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من وقوع عمليات في مناطق أخرى مستلهمة من عملية بئر السبع البطولية التي أسفرت عن مقتل 4 إسرائيليين، فيما علّقت القناة 14 العبرية بالقول إنّ "إسرائيل أكثر دولة غير آمنة بالنسبة لليهود. نحن لم نشهد عملية قاتلة كعملية بئر السبع منذ فترة طويلة".
وجاءت العملية البطولية بعد أيام قليلة من كشف وسائل إعلام عبرية عن تأسيس مجموعة من المستوطنين لمليشيات مسلحة حملت اسم الجندي القتيل على حدود قطاع غزة قبل نحو 10 أشهر "برئيل شموئيلي"، تستهدف الفلسطينيين في النقب المحتل، وذلك في ظل الهبات الشعبية التي اندلعت في الفترة الأخيرة رفضًا لعمليات تجريف أراضي الفلسطينيين وتحريشها لتنفيذ مشاريع استيطانية فيها.
ارتفاع منسوب الاحتقان
وقال الباحث المختص بالشِأن الإسرائيلي والاستيطان راسم عبيدات لـ"صفا" إنّ مجمل السياسات الإسرائيلية من تنكيل وتهجير وهدم للقرى الفلسطينية في النقب المحتل دفعت باتجاه ما حدث بالأمس في بئر السبع.
وأوضح عبيدات أنّ الأطماع الإسرائيلية بالنقب لم تتوقف عند مشروع "برافر" الذي أقرّه الكنيست الإسرائيلي عام2013 والذي يهدف للاستيلاء على 52% من أرض فلسطين التاريخية بما يشمل مليون ومائة ألف دونم تحت ذريعة أنّها أملاك عامة مملوكة "للدولة" وحشر السكان الفلسطينيين في مائة ألف دونم فقط.
وقال "هناك 40 قرية في النقب لا تعترف بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتحرمها من الخدمات والبنية التحتية وتريد طرد سكانها وقرية العراقيب وأم الحيران خير شاهد، واليوم يتمّ استحداث مشروع جديد نحو ذات الهدف بمسمى تحريش الصحراء وبناء مدن استيطانية للمتدينين وأخرى للعلمانيين، وكل ذلك لأجل السيطرة على الأرض وطرد سكانها الفلسطينيين الأصليين".
وأشار إلى أنّ الأصوات الإسرائيلية تعالت مؤخرًا حول نية حكومة الاحتلال جلب المهاجرين الأوكرانيين لتوطينهم في النقب المحتل، كذلك تشكيل العصابات والميليشيات الإسرائيلية بمباركة من بلديات النقب وشرطة الاختلال لترهيب السكان والتضييق عليهم.
ووفق الكاتب والباحث عبيدات فإنّ كل هذه الأسباب اجتمعت ورفعت منسوب الاحتقان والغضب؛ فكان الانفجار على شكل عملية بئر السبع بالأمس، لافتًا إلى أنّ الأمور "مرشحة للتصعيد وللتفجير" إذا ما استمرت سياسات التنكيل والقمع والهدم التي يمارسها الاحتلال.
ووصف عبيدات تصريحات أجهزة أمن الاحتلال بأنّهم تفاجأوا بعملية بئر السبع بـ"غير الدقيقة"، مشيرًا إلى أنّ المفاجأة كانت بالنسبة لهم في "الخسائر البشرية" التي نتجت عن العملية وليس العملية ذاتها، مضيفًا "كل المؤشرات كانت واضحة مع استمرار حالة الغليان في النقب وأن الانفجار قادم".
ولفت إلى أنّ الانفجار رغم أنّه حصل بالنقب لكن صداه قد يمتد لكل فلسطين شمالًا وجنوبًا في القدس واللد، مشدّدًا على أنّه "من الطبيعي أن ينتفض الفلسطيني للدفاع عن ارضه وحقه وكرامته".
الانفجار مرتقب
بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي نشأت الأقطش لـ"صفا" إنّ ما حدث بالنقب بالأمس "نتيجة تراكم الظلم والقهر وممارسات الاحتلال وأعوانه"، متوقعًا وقوع عمليات أخرى على غرار عملية بئر لسبع "طالما استمرت حالة الغضب والاحتقان".
أمّا الكاتب أحمد أبو ارتيمة نوّه إلى توقيت تنفيذ عملية بئر السبع كونها تزامنت مع سعي حكومة الاحتلال لتوطين يهود أوكرانيا الهاربين من الحرب في بلادهم بالنقب المحتل، في إشارة لصب الزيت على النار ورفع مؤشر الغضب والاحتقان.
وقال أبو ارتيمة، في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك"، إنّ "أهمية توقيت عملية بئر السبع أنها تتزامن مع سعي حكومة الاحتلال لإقناع يهود أوكرانيا أن فلسطين المحتلة وطن آمن لهم، لا أمن حقيقي تجلبه نظم الاستعمار والظلم والقتل".
أما الكاتب أحمد أبو زهري فأشار إلى أن عملية بئر السبع تقول إن "النقب وكل الداخل المحتل يغلي ويمكن أن ينفجر في وجه العدو نتيجة تنامي العدوان".
ورأى أبو زهري، في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك"، أنّ على الاحتلال "الاستعداد لسيل جارف من العمليات من ساحات مختلفة لم يكن يحسب لها حساب ولم يعتقد يوما أنها تشكل خطر على أمنه، وقد تكون مختلفة أيضا من حيث تحديد الهدف والنتائج المترتب".