يُشكل قرار المحكمة الإسرائيلية العليا في القدس المحتلة بقبول استئناف عائلات مقدسية من حي الشيخ جراح، ضد قرار إخلائها من منازلها، التفافًا خطيرًا على الصمود والحراك الشعبي في الحي، ومحاولة لمنع أي مواجهة قد تحدث، نظرًا لأن المدينة باتت على "صفيح ساخن".
والثلاثاء، قبلت محكمة الاحتلال "جزئيًا" استئناف أربع عائلات من الشيخ جراح، ضد قرار إخلائها من منازلها بالحي، وهي "الجاعوني، الكرد، اسكافي، وأبو حسنة".
ويعتبر القرار "المواطنين الفلسطينيين المستأجرين محميين في المنازل، وعليهم إيداع بدل إيجار في حساب الائتمان مشترك لمحامي العائلات ومحامي المستوطنين، ويتم الحفاظ بهذه الأموال، إلى حين البت بموضوع الملكية".
وقال محامي العائلات سامي ارشيد إن" القرار ينص على الاعتراف بالعائلات مستأجرين محميين، وسيدفع لمجموعة من المستوطنين اليهود إيجار سنوي قدره 2400 شيكل، حتى البت في موضوع الملكية والحقوق".
وأوضح أنه في هذه المرحلة وحتى انتهاء عمليات التسوية يسري قانون حماية المستأجر، حيث يحق للعائلات القيام بجميع أعمال الصيانة والترميم، ولا يمكن إخلاؤها بموجب البنود 131 (7) و(10) حتى الانتهاء من البت بموضوع الملكية.
ويمتلك أهالي الحي- وفق المحامين- كل الإثباتات القانونية، ووثائق من المحكمة الشرعية، بالإضافة إلى الاتفاقية مع الحكومة الأردنية والطابو التركي الذي يثبت بما لا يدع مجالًا للشك بأن الأرض وما عليها لهم، في حين أن المستوطنين والشركات الاستيطانية لا تملك أي اثبات.
التفاف خطير
ويشكل قرار محكمة الاحتلال بشأن تعليق إخلاء عائلات من منازلها في الشيخ جراح امتصاصًا للغضب المقدسي، والتفافًا خطيرًا على الحراك والصمود الشعبي، خاصة أن القبول جاء جزئيًا ومشروطًا بضرورة إثبات ملكية الأرض. كما يرى المختص في شؤون القدس جمال عمرو
ويقول عمرو في حديثه لوكالة "صفا": إن" هذا القرار يحتاج لمزيد من اليقظة والذكاء والتعامل معه بحرص وانتباه شديدين، وألا تأمن العائلات المقدسية مكر الاحتلال وغدره، لأنه في كل مرة لا يستسلم، بل يعاود بكل لحظة للشيخ جراح".
ويضيف أن سلطات الاحتلال تخشى من المواجهة وتأجيج الأوضاع في مدينة القدس، والشيخ جراح تحديدًا، كما حدث في شهر رمضان الماضي، ومعركة "سيف القدس"، وخاصة أننا مقبلون على شهر رمضان المبارك، وهناك مخاوف من الانفجار في المدينة المقدسة.
وبحسب عمرو، فإن "استيلاء الاحتلال وجمعياته الاستيطانية على منازل بالشيخ جراح يعني الاستيلاء على باقي المنازل في القدس، وتهجير السكان المقدسيين"، محذرًا في الوقت نفسه، من خطورة وتداعيات ما سيحدث في حال عدم إثبات العائلات ملكيتهم للأرض.
ويؤكد على ضرورة بذل جهود فلسطينية وأردنية رسمية لدعم أهالي الشيخ جراح وإثبات ملكيتهم للأرض، وتوظيف جهاز محاماة كامل لأجل هذا الغرض.
ويشدد على ضرورة أن يبقى حي الشيخ جراح "أيقونة الثورة والصراع" في مواجهة مخططات الاحتلال لتهجير سكانه، وأن يبقى مستمرًا في الصمود والثبات، مطالبًا بالعمل على ملاحقة الاحتلال دوليًا وفضح جرائمه وممارساته بحق المقدسيين.
وأمام الصمود الأسطوري لسكان الشيخ جراح، يوضح المختص في شؤون القدس، أن" الاحتلال سوف يتراجع عن ممارساته ومخططاته التهويدية والاستيطانية في الحي".
وفي تشرين ثان/نوفمبر الماضي، أعلنت عائلات الشيخ جراح بالإجماع رفضها لقرار التسوية الذي عرضته "المحكمة العليا"، مؤكدة أنها "لا تقبل بأن تُسوّق صورة احتلال منصف على حسابنا، ولن نرضى بأنصاف الحلول".
ويتهدد خطر التهجير 500 مقدسي يقطنون في 28 منزلًا بالحي على أيدي جمعيات استيطانية تدعي ملكيتها "للأرض التي أقيمت عليها المنازل الفلسطينية، ما قبل العام 1948"، وهو ادعاء يدحضه السكان.
تهدئة الأوضاع
وأما مدير مركز القدس للحقوق القانونية والاجتماعية زياد الحموري فيقول لوكالة "صفا"، إن الخطوة الأهم في القرار الإسرائيلي إلغاء إخلاء العائلات المقدسية من منازلها في الحي، لكنه لم يبت في ملكية السكان للأرض بل أكد أنهم مستأجرين محميين في منازلهم.
ويوضح أن القرار سياسي، يهدف إلى محاولة تهدئة الأوضاع في المدينة المقدسة، في ظل استمرار التحركات الشعبية، كونها باتت على صفيح ساخن، والاحتلال لا يريد تصعيد المواجهة.
"ورغم إلغاء محكمة الاحتلال قرار إخلاء السكان من منازلهم، إلا أنه ربطه بالتسوية، وفي حال ثبتت ملكية اليهود للأرض، فإن عملية الإخلاء ستتم، وهناك تكمن الخطورة". وفق الحموري
بدوره، يقول الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب لوكالة "صفا" إن القرار الإسرائيلي يشكل التفافًا وتحايلًا على صمود وثبات المقدسيين في القدس والشيخ جراح، بحيث أنه فرض التسويةـ وأن يدفع الأهالي بدل إيجار، باعتبارهم "مستأجرين محميين".
ويضيف أن "القرار في ظاهره جيد، لكنه في باطنه يحمل الخبث والسوء، ومحاولة دفع السكان للقبول في التسوية"، محذرًا من خطورته على إثبات الملكية للسكان.
تعزيز الصمود
وأما المختص في شؤون القدس زياد ابحيص فيرى أن قبول محكمة الاحتلال استئناف العائلات المقدسية يُؤكد أن محاكم الاحتلال ليست إلا ذراعًا استعماريًا يفهم لغة القوة أكثر مما يفهم لغة القانون، رُغم كل الوهم الذي حاولت بناءه عن تجردها وموضوعيتها المزعومة.
ويوضح أن قبول الاستئناف هو الحصيلة المباشرة للصمود والتضامن والحرب والثبات على الموقف، والذي جسده أهالي الحي، وتمكنوا من فرضه يدًا بيد مع كل من خاض المعركة إلى جانبهم.
وبحسب إبحيص، فإن قرار محكمة الاحتلال يجب أن يُعزز الإيمان بالشارع وبالصمود وبلغة القوة، وأن يُعزز الموقف بعدم التعويل على محاكم الاحتلال وألا يسلمها القرار النهائي، لكن لكونها ذراع الاحتلال فإننا نخوض المعركة ضدها وليس من خلالها.
ويتابع "هذا يُفترض أن يُغير كثيرًا في خيارات مواجهة محاكم الاحتلال بمختلف القضايا، وخصوصًا في أحياء بلدة سلوان، التي وصل بعضها إلى طريق مسدود قضائيًا".