يعاني الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي ظروفًا قاسية ومعاناة مضاعفة تشتد وتتجدد كما كل عام مع قدوم فصل الشتاء، بسبب البرد القارس والنقص الشديد للأغطية والملابس الشتوية، وتقليص كمية الماء الساخن، وعدم توفر أجهزة التدفئة في كثير من السجون ومراكز التوقيف والتحقيق.
ويشتكي الأسرى، وتحديدًا في سجون "صحراء النقب"، كـ (نفحة، النقب، ريمون، وبئر السبع)، من تجمد أطرافهم من شدة البرد، مما يتسبب في إصابتهم بنزلات البرد وأمراض الشتاء، ويفاقم معاناة المرضى منهم، وتحديدًا مرضى الجهاز التنفسي والعظام والأعصاب.
وتتعمد إدارة سجون الاحتلال الاستهتار بحياة الأسرى وفرض ظروف حياتية صعبة عليهم، والتنكيل بهم في تفاصيلهم المعيشية اليومية كافة، ضاربة بعرض الحائط مبادئ حقوق الإنسان والقوانين والمواثيق الدولية.
ولا تكتف إدارة السجون بذلك، بل تُمعن في زيادة انتهاكاتها وإجراءاتها القمعية بحق الأسرى خلال فصل الشتاء، من خلال اقتحام غرفهم وأقسامهم في ساعات الليل المتأخر والفجر، وتفتيشها، وإخراجهم دون ملابس كافية إلى الساحات المكشوفة تحت المطر والبرد الشديد.
وتطالب مؤسسات تُعني بشؤون الأسرى، مؤسسة الصليب الأحمر الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان، بتوفير الحماية للأسرى داخل السجون، والضغط على الاحتلال لتوفير مستلزمات الأسرى الشتوية، والنظر بجدية إلى خطورة أوضاعهم التي يعيشونها، في ظل البرد القارس، والمنخفضات الجوية.
معاناة متفاقمة
الباحث المختص في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة يقول لوكالة "صفا" إن معاناة الأسرى داخل سجون الاحتلال تتفاقم بشكل كبير في فصل الشتاء، وتصاعدت أيضًا وتيرة الإجراءات الإسرائيلية، خاصة بعد عملية انتزاع الأسرى الستة حريتهم من سجن "جلبوع".
ويوضح أن سلطات الاحتلال لم تستوعب حتى اللحظة الضربة القاسية التي تلقتها جراء انتصار هؤلاء الأسرى الستة، وبالتالي صعدت من قمعها للأسرى داخل سجونها، بهدف التضييق والانتقام منها.
وما تزال سلطات الاحتلال تواصل إجراءاتها القمعية والعنصرية بحق هؤلاء الأسرى، مستهدفة الأطفال، وكبار السن، والمرضى والنساء.
ويضيف فروانة أن" المعاناة في فصل الشتاء تفاقمت، وغدا عدو جديد للأسرى، خاصة أنهم يفتقرون لكل أدوات التدفئة، ويعانون نقصًا حادًا في الملابس والأغطية الشتوية، ويتعرضون لإجراءات استفزازية بهدف التضييق أكثر عليهم".
ويشير إلى أن هناك بعض الاحتياجات تحاول إدارة السجون توفيرها في "الكانتينا"، لكن بأسعار باهظة جدًا، مما يزيد معاناتهم وظروفهم الصعبة، في ظل البرد القارس.
ويبين أن هناك أعراضًا تظهر لدى الأسرى في فصل الشتاء والبرد الشديد، خاصة في سجون جنوب فلسطين المحتلة، "النقب، نفحة، ريمون وبئر السبع"، والتي تضم أكثر من 50% من إجمالي الأسرى، ما يؤدي لتفاقم الأمراض لديهم.
وتُحرم إدارة سجون الاحتلال هؤلاء الأسرى المرضى من تلقي الرعاية الكاملة والعلاج المناسب ولا تجرى لهم الفحوصات الطبية، لمعرفة طبيعة هذه الأعراض، ما يتسبب أحيانًا كثيرة في استفحال هذه الأعراض، خاصة لدى مرضى العظام والصدر. وفق فروانة
ويوضح أن هذه الأعراض تتحول مع الوقت إلى أمراض مستفحلة يصعُب علاجها، وأحيانًا تبقى تُلازم الأسير حتى بعد تحرره، وبقاء تأثيرات الأجواء الباردة على صحته، وهناك تُكمن الخطورة.
ويؤكد أن سلطات الاحتلال تتعمد الاستهتار بحياة الأسرى داخل سجونها، عبر مواصلة سياسة الإهمال الطبي، كما أنها تُمعن في زيادة انتهاكاتها ضدهم خلال فصل الشتاء والمنخفضات الجوية.
وبحسب فروانة، فإن هذه الانتهاكات لم تتوقف بحق الأسرى، طالما لا يوجد أي تحرك دولي وآليات ردع لحكومة الاحتلال، لذلك هي ماضية بانتهاكاتها وجرائمها، وتحاول تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب تجاه هذه القضايا، في ظل صمت المؤسسات الدولية، وعدم تحركها وتحملها لمسؤولياتها.
أدوات ضاغطة
وحول المطلوب لوقف معاناة الأسرى، يؤكد فروانة أن تصاعد الإجراءات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، بشكل خطير ضد الأسرى والأسيرات يتطلب البحث عن أدوات أكثر ضغطًا وإيلامًا وتأثيرًا على الاحتلال.
وفي الوقت نفسه، يضيف أن هذه الأدوات يجب أن تضغط أكثر أيضًا، على المؤسسات الدولية للخروج عن صمتها وأن تتحرك لإنقاذ أولًا المواثيق والاتفاقيات الدولية، والتي تضربها "إسرائيل" بعرض الحائط، وثانيًا لتنتصر لقضية الأسرى العادلة، والتدخل لحمايتهم من البرد القارس.
وعن طبيعة الأدوات الضاغطة على الاحتلال، يقول الباحث في شؤون الأسرى إن هذه الأدوات تتمثل في الرسمية والشعبية، التي يجب أن تكون حاضرة وتضغط على الاحتلال، كي يفهم أن هذه الاعتقالات واستمرار إجراءاته مشاريع خاسرة بالنسبة له.
ويضيف "كما يعاني أسرانا في السجون، يجب أن يعاني الاحتلال جراء ذلك، ولابد من إبقاء هذه القضية حية باستمرار، والتحرك رسميًا وشعبيًا وإعلاميًا، ومواصلة تسليط الضوء على معاناة الأسرى".
ويتابع "هناك أدوات حقوقية وقانونية ذات علاقة بالمؤسسات الدولية والحقوقية، والعمل على توظيف كل الآليات الدولية لاقتراب أكثر من المحاكم الدولية للتأثير على الاحتلال، وتحجيم إجراءاته وجرائمه بحق الأسرى، وأن تشكل رادعًا لتماديه في انتهاكاته".
إهمال متعمد
بدوره، يوضح مدير مركز فلسطين لدراسات الأسرى الباحث رياض الأشقر أن أكثر السجون معاناة هو سجن "النقب"، إذ اضطر الأسرى التزام غرفهم وخيامهم طول فترة المنخفض، ولم يستطيعوا الخروج إلى الساحات الخارجية في الأقسام المفتوحة أو الفورة في الأقسام المغلقة.
ولم يستطيع الأسرى استخدام المياه في فترات الصباح من شدة البرودة، حيث تجمدت المياه في الصنابير نتيجة تدني درجات الحرارة لما دون الصفر.
ويضيف أن الظروف القاسية أدت الى تراجع أوضاع الأسرى الصحية، وإصابة عدد كبير منهم بأمراض مختلفة أبرزها "الإنفلونزا والكحة، وارتفاع درجات الحرارة"، ويعالجون أنفسهم ببعض الأعشاب المتوفرة في السجن كالمرمية والبابونج وغيرها، في ظل حرمانهم من المتابعة الصحية والعلاج من إدارة السجون.
واتهم الأشقر، الاحتلال بالتلاعب بنفسيات الأسرى في ظل تشابه أعراض فيروس "كورونا" و"الانفلونزا"، الأمر الذي اختلط على الأسرى، وأصبحوا لا يميزون بين أعراض الشتاء والفيروس، مع المماطلة في إجراء مسحات سريعة لهم، للتأكد من إصابتهم بالفيروس من عدمه.
وبين أن أكثر الأقسام تأثرًا ومعاناة تلك التي لا تزال قائمة على الخيام في سجن "النقب"، حيث تتسرب إليها الأمطار وتؤدى لإتلاف ملابسهم وأغطيتها وأماكن النوم، ولا تقى الأسرى البرد والصقيع، وفى بعض الاحيان تشتد سرعة الرياح وتؤدى لاقتلاع الخيام أو تمزيقها، وتماطل الادارة في استبدالها لفرض مزيد من التنكيل بهم.