القدس المحتلة - خاص صفا
يُساور القلق والترقب الشديدين نحو 620 مقدسيًا يقطنون في حي وادي ياصول ببلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك، بعدما أنذرت بلدية الاحتلال الإسرائيلي بقرب هدم 58 منزلًا في الحي.
وألصقت طواقم بلدية الاحتلال إنذارات لسكان الحي بعزمها تنفيذ قرار المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس المحتلة، والتي أعطتها الضوء الأخضر لهدم المنازل.
وقالت البلدية في إنذارها: "إننا عازمون على تنفيذ الهدم وفقًا لقرار المحكمة، ولن تكون مسؤولة عن الأضرار التي تلحق بالممتلكات".
وفي 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، رفضت المحكمة المركزية الإسرائيلية استئنافًا ضد قرار هدم 58 منزلًا من أصل 84 مهددَا بالهدم في وادي ياصول، بحجة "توسعة غابة السلام" المقام على أراضي الحي.
وبموجب هذا القرار، أصبح متاحًا لبلدية الاحتلال تنفيذ عمليات هدم المنازل بأي وقت، رغم أن السكان حاولوا على مدار سنوات طويلة الحصول على تراخيص للبناء، إلا أن البلدية تتعمد وضع شروط تعجيزية إزاء ذلك.
وخلال السنوات الأخيرة، حاول المحامي زياد قعوار التقدم بطلبات لتجميد أوامر هدم المنازل التي بُني بعضها عام 1977، أو تأجيلها، إلا أن محكمة بلدية الاحتلال رفضت ذلك.
لحظات مريرة
عائلة شويكي واحدة من العائلات المقدسية التي تلقت قرارًا بهدم منزلها في وادي ياصول، تعيش مع قرب تنفيذ الهدم أيامًا عصيبة ولحظات مريرة، خوفًا من فقدان مأواها الوحيد بأي لحظة.
يقول وليد شويكي لوكالة "صفا" والألم يعتصر قلبه: "منذ إبلاغنا بهدم منزلنا وإعطاء محكمة الاحتلال الضوء الأخضر لذلك، ونحن نعيش حالة توتر ورعب، خوفًا من قدوم جرافات بلدية الاحتلال بأي وقت لتنفيذ عملية الهدم".
ويضيف أن" بلدية الاحتلال لا تتوقف عن سياستها الممنهجة لتهجيرنا وتشريدنا قسرًا، مستخدمة كافة الوسائل، وتتذرع بعدم حصولنا على تراخيص البناء، رغم أنها ترفض منحنا ذلك، وتضع العراقيل أمامنا، مقابل تغريمنا مخالفات مالية باهظة".
ويقطن شويكي في منزل تبلغ مساحته 130 مترًا مربعًا منذ سنوات طويلة، ويأوي 3 عائلات باتوا جميعهم عرضة للتهجير القسري.
وتسعي بلدية الاحتلال إلى تهجير حي كامل في بلدة سلوان، وتشريد سكانه، بهدف تدمير الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة، وتحطيم إرادة المقدسيين، وكسر معنوياتهم.
لكن رغم ذلك، يؤكد شويكي إصراره على البقاء في منزله وعدم الخروج منه، متسائلًا في الوقت نفسه: "أين سنذهب إذا هُدمت منازلنا، وماذا سيكون مصيرنا".
وقدم السكان عديد المخططات والمشاريع لتنظيم البناء في حي وادي ياصول، وتحويل تصنيف الأرض من منطقة خضراء إلى سكنية، لكن لجان التنظيم في بلدية الاحتلال رفضت كل المخططات.
وتدعي بلدية الاحتلال وما تسمى بـ"سلطة الطبيعة" أن الهدم يأتي بحجة توسعة "غابة السلام" على حساب منازل المقدسيين.
ويطالب أهالي وادي ياصول، العالم والمجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف تنفيذ مجزرة هدم جماعية بالحي، وتشريدهم، مؤكدين في الوقت نفسه، أنهم سيدافعون عن منازلهم أمام آليات الاحتلال، ولن يتنازلوا عنها مهما حصل.
وتُحرم بلدية الاحتلال المقدسيين من الحصول على رخص بناء، وتفرض عليهم ضرائب باهظة، الأمر الذي يدفعهم إلى البناء دون إذن، في تحدٍ واضح لإجراءات الاحتلال العنصرية.
صمود وثبات
ولا يختلف حال المقدسية فاطمة أبو عيدة كثيرًا عن سابقها، فهي تعيش أيضًا حالة خوف ورعب مع قرب تنفيذ بلدية الاحتلال هدم منزلها.
وتقول أبو عيدة لوكالة "صفا":" نحن لا نعرف مصيرنا حتى الآن، نترقب ما سيحدث في كل لحظة، لم أتخيل أن منزلي الذي أسكنه مع عائلتي منذ 24 عامًا سيهدم أمام عيني، وسيتم تشريدنا في الشارع، بحجة عدم الترخيص، ولأجل المشاريع الاستيطانية".
وتتساءل: "أين سنذهب حال هدمت بلدية الاحتلال منزلنا، لا يوجد لنا أي مأوى آخر، هم يريدون تفريغ القدس من سكانها، لكن مهما هدموا وفعلوا، فإن ذلك لن يزيدنا إلا صمودًا وثباتًا في مدينتنا".
ومؤخرًا، زار وفد دبلوماسي من السفارة الأمريكية، برئاسة مسؤول ملف القدس بالسفارة جون روبنس، بعض الأحياء والمنازل المهددة بالهدم في سلوان، والتقى عديد العائلات واستمع إلى فصول مأساتهم القاسية.
وأبدى الوفد رفضه لسياسة الهدم الإسرائيلية، وكذلك تعاطفه مع السكان المقدسيين الأصليين، واعدًا بتوصيل شكواهم ومطالبهم إلى الإدارة الأمريكية.
وشهدت عمليات هدم المنازل الفلسطينية خلال العام الجاري تصاعدًا ملحوظًا، إذ ذكر الاتحاد الأوروبي أنها ارتفعت بنسبة 21% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي 2020، ما نتج عنه زيادة بنسبة 28% في عدد الفلسطينيين الذين هجّروا قسريًا عن أماكن سكنهم.
ر ش/د م