يرى خبيران في الشأن الأمني أن اعتراف الاحتلال الإسرائيلي بما نشرته كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) قبل ثلاث سنوات في فيلم "سراب"، يُؤكد تنامي قدرات المقاومة الاستخبارية والعسكرية في مقارعة الاحتلال، وانتقالها من الدفاع إلى الهجوم عبر تنفيذ عمليات اختراق وتضليل لأجهزة مخابراته.
والأربعاء الماضي، نشرت قناة "كان" العبرية فيلمًا وثائقيًا حول القدرات الاستخباراتية لكتائب القسام، والتي نجحت في ضبط أحد المتخابرين مع الاحتلال عام 2016، واستغلته ليكون عميلًا مزدوجًا.
وقالت: إن "حركة حماس تمكنت من اكتشاف المحاولة التي نفذتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لتعطيل الصواريخ بغزة عن طريق عميل، وطلبت منه أن تتعامل معه وتستفيد من هذه الفرصة وتستغلها لصالحها".
وأضافت أن "المهمة التي كلف بها العميل هي تعطيل صواريخ، ونقلت الأجهزة الإسرائيلية المعدات اللازمة وتسليمها للعميل عن طريق ما يسمى بالنقاط الميتة وإرشاده من قبل ضابط الشاباك بكيفية استخدامها".
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2019، كشفت كتائب القسام في فيلم "سراب"، تفاصيل إحدى العمليات الأمنية الأكثر تعقيدًا في صراع الأدمغة بين المقاومة وأجهزة مخابرات الاحتلال، والتي دارت بين عامي 2016 و2018.
وتضمن الفيلم الذي بثته حينها عبر قناة "الميادين" الفضائية تسجيلات ومشاهد حول إدارة طاقم أمني بكتائب القسام لمصدر مزدوج (عميل مزدوج)، ما شكل صفعة وضربة قوية لأجهزة مخابرات الاحتلال.
إنجاز كبير
المختص في الشأن الأمني إبراهيم حبيب يرى أن نجاح القسام في تضليل "الشاباك" يشكل إنجازًا كبيرًا للمقاومة والقسام، ويُؤكد تطور أدائها الاستخباري العسكري في مقارعة الاحتلال بقدراتها الفنية وخبراتها المتراكمة، وتقدمها التقني.
ويوضح حبيب في حديثه لوكالة "صفا"، أن هذا النجاح الاستخباري يُثبت أن القسام تمتلك خبرات تقنية باتت تقارع الاحتلال فيها، وتُنفذ عمليات عسكرية وأمنية مضادة على غير ما كان يتوقع قبل سنوات.
ويقول: إن" كشف الإعلام العبري عن القدرات الاستخباراتية للقسام يُدلل على حالة الإخفاق التي يعيشها الجيش الإسرائيلي، وأنها حالة تراكمية نتيجة لقدرة القسام والمقاومة على مواجهته".
وبحسبه، فإن" هذه العملية ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، فهناك الكثير من العمليات التي تنفذها القسام على المستوى الاستخباري ولا تنجح "إسرائيل" في مواجهتها، ولا يتم الكشف عنها، لأن القسام ليست معنية بالكشف عن كل العمليات العسكرية، إلا بعض النوعية منها، بهدف إرباك الساحة الإسرائيلية".
ويضيف "أعتقد أن الكشف عن نجاح القسام في تضليل الشاباك بهذا التوقيت بالذات، يُراد منه إيصال رسالة للجبهة الداخلية الإسرائيلية بأن وضع المواجهة مع المقاومة والقسام ليس سهلًا، وأنها تمتلك كثيرًا من المقومات التي تُمكنها من مواجهته".
ويشير إلى أن "أجهزة الاحتلال الاستخبارية أرادت أن تجد حجة لدى جمهورها لكي تقول إنها بذلت جهدها وكل ما في وسعها، لكن القسام تمتلك أداءً استخباريًا متطورًا في ذلك، وقادرة على مقارعته".
ويحاول جيش الاحتلال-وفقًا للمختص في الشأن الأمني- أن يُبرر إخفاقاته من خلال الكشف عن بعض العمليات، والتي أصبحت مكشوفة لدى المقاومة، لأنه لا يريد للمقاومة أن تكشفها أمام جمهوره، خصوصًا إذا كانت تبعاتها ليست كبيرة.
ويتابع أن "الاحتلال يريد إضعاف قدرة المقاومة على استثمار هذا الإنجاز الكبير أمام جبهته الداخلية، وكذلك الجبهة الفلسطينية، ويثبت أن هذا العمل بسيط، قد تم السيطرة عليه وإنجازه بشكل عام".
تطور استخباري
ويتفق الخبير في الشأن الأمني محمد أبو هربيد مع سابقه في أن نجاح القسام بتضليل "الشاباك" يُؤكد على تنامى قدرات المقاومة الاستخبارية، وانتقالها من الدفاع إلى الهجوم، وأن تنفذ عمليات اختراق من خلال التضليل والتشتيت والمباغتة.
ويقول أبو هربيد لوكالة "صفا": إن" العدو الإسرائيلي بدأ يُدرك في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد سيطرة المقاومة الأمنية والمعلوماتية بقطاع غزة والأجهزة الحكومية الداعمة لها، بأن هناك حالة من التفاؤل والتفاهم بين المكونات الأمنية، التي شكلت وما تزال درعًا لحماية شعبنا والمقاومة".
ويضيف أن "المقاومة بدأت تعي تمامًا سلوك الاحتلال وتقرأ تصرفاته الأمنية، مما جعلها تدخل في كيفية الاستفادة من بعض المتخابرين وتحويلهم لعملاء مزدوجين، أو صناعة متخابرين يعملون لصالحها، وهذا النجاح يأتي في إطار الاستخبارات الإيجابية".
وبنظر أبو هربيد، فإن هذا يُشكل تفوقًا للمقاومة من حيث الانطلاقة والفكرة في التعامل مع إدارة الملف الأمني والاستخباري، وأيضًا يخدم مباشرة مسألتين، أولها "كيفية تضليل الاحتلال في عدم تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية، وفشله في ضرب أي أهداف غير حقيقية ووهمية صنعتها المقاومة، ما يشكل خسارة له".
والمسألة الثانية-بحسب أبو هربيد- تتمثل "في هز سمعة ومكانة قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اعتبار أن المقاومة نجحت في التفوق العقلي والذكاء الاستخباري على العدو".
ويرى أن المقاومة، وتحديدًا القسام واستخباراتها لديها خطة ورؤية متكاملة لكيفية الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، وأثبتت أنها هي التي باتت تُوجه الضربات للاحتلال.
ونجاح القسام يُؤكد- وفقًا للخبير الأمني- أننا "يمكن أن ننتصر على الاحتلال وكل ما جرى في السابق من دعاية وسمعة كانت عبارة عن زيف ووهم صنعها العدو لنفسه وبعض الضعفاء، وكذلك إمكانية هزيمة ضباط الاحتلال وخسارتهم أمام العقل الفلسطيني الذي أثبت نجاحه في صراع الأدمغة".
ويشدد على أن شعبنا الفلسطيني قوي وحيوي، ولديه القدرة على تحدي منظومة الاحتلال، رغم الفارق الزمني والمادي، والإمكانيات، حيث أعاد لنفسه الاعتبار من خلال المقاومة التي يقف خلفها بكل ثقة.