يرى محللون سياسيون أن القرار البريطاني بحظر حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، له دلالات وتبعات سياسية ومجتمعية وإنسانية، أبرزها أن بريطانيا التي كانت أول من صنع مأساة الشعب الفلسطيني عبر وعد "بلفور" لا تزال عدو لحقوقه وترضخ للحركة الصهيونية.
ويجزم هؤلاء في أحاديث منفصلة مع وكالة "صفا" السبت، أن القرار البريطاني يخالف القوانين والشرائع الدولية التي تضمن وتكفل للشعوب المحتلة مقاومة الاحتلال، بالإضافة لكونه مخالفًا من حيث أن حماس لم تقم بأي فعل إرهابي في بريطانيا أو أي دولة أخرى.
وأعلنت وزارة الداخلية البريطانية الجمعة حظر حركة "حماس"، وتعتزم الطلب من البرلمان البريطاني استصدار قرار يصنف الحركة منظمة إرهابية.
لا ينبني على ممارسات حماس
ويقول المختص بالشأن السياسي إبراهيم أبراش لوكالة "صفا": "إن هذا القرار نوع من الإصرار البريطاني على معاداة الشعب الفلسطيني وهو يأتي في نفس الشهر وبعد أيام من استحضار هذا الشعب لوعد بلفور ومطالبته بريطانيا بالاعتذار عنه وتعويضهم تبعاته، فجاء الرد بهذا القرار".
ويضيف "هذا القرار ليس ببعيد عما تريده إسرائيل وهو انصياع تام لمطالب الحركة الصهيونية لأن وزيرة الداخلية البريطانية التي تنتمي لليمين المتشدد الذي ينتمي لإسرائيل هي من تقدمت به وأعلنت عنه، ولها من خلاله تطلعات سياسية، فهي تريد كسب اليهود في بريطانيا".
ويشدد على أن القرار ليس له أي مبرر معللًا بالقول: "لأن حماس لم تفعل أعمال عنف لا في بريطانيا ولا أي دولة أخرى، وأعمالها العسكرية مقتصرة ضد إسرائيل، وهي مكفولة بالشرائع والقوانين الدولية التي تكفل حق مقاومة الاحتلال لكل الشعوب والحركات".
بالتالي يكمل أبراش "هذا التصنيف لا ينبني على ممارسات لحماس في بريطانيا ولا أي دولة بالعالم، بالتالي القرار لن ينسحب على حماس فقط وإنما على الشعب الفلسطيني لأن حماس مكون أساسي منه وهو موجه للمقاومة الفلسطينية كافة وليس أيضَا لحماس وحدها".
ويتوقع أبراش أن تمرر وزيرة الداخلية البريطانية مشروع القرار الذي تريد من خلاله من البرلمان البريطاني تصنيف حماس بأنها "منظمة إرهابية"، معللًا ذلك بالقول إن أغلبية أعضاء البرلمان من المحافظين الذين يدعمون اليمين.
ومن وجهة نظره فإن للقرار تبعات ستتجسد في متابعة الحكومة البريطانية كل الأمور والتحركات المتعلقة بحماس سواء من حيث أموالها والداعمين لها والمنتسبين ومنع الأنشطة ومراقبة الأشخاص المناصرين.
ويحذر أبراش من دلالة هذا القرار في كونه قد يشجع دول أخرى على اتخاذ مثل هذا القرار، لكنه في ذات الوقت يقول: "إن بريطانيا ليست أول دولة تتخذ مثل هذا القرار، وقد سبق أن اتخذته دول عربية".
وعلى المستوى الفلسطيني، فإن القرار سينتج حالة من التعاطف والتأييد لحركة حماس وإن كانت مؤقتة، لكن الأهم من وجهة نظر أبراش هو أن يكون هذا القرار المؤيد لـ"إسرائيل"، بالإضافة لقرار رفض التفاوض مع قيادة السلطة الفلسطينية من قبل "إسرائيل"، درسًا للطرفين.
والدرس كما يقول أبراش مفاده بأن "إسرائيل والدول الحليفة لها تعادي العمل السياسي والمقاوم للشعب الفلسطيني ولذلك فإن يجب الاجتماع لوضع استراتيجية سياسية ووطنية لمواجهة هذه الخطوات".
ولاقى القرار البريطاني ردود فعل دولية رافضة كما رفضته كافة مكونات الشعب الفلسطيني والقوى والفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية.
نتاج عمل إسرائيلي
من جانبه، يقول المحلل السياسي تيسير محيسن لوكالة "صفا": "إن من أهم دلالات هذا القرار هو أن هناك قرار إسرائيلي سابق بهذا الاتجاه، وعملت إسرائيل عليه بشكل مكثف عبر الاتحاد الأوروبي، لكنها لم ولن تستطيع إقناع الاتحاد كمكون بأن يتجه لمثل هذا القرار".
ويكمل "لذلك حينما خرجت بريطانيا من الاتحاد مارست إسرائيل نفوذها وضغوطها بهذا الخصوص، وجاء القرار البريطاني نتيجة لذلك، وليدلل على أن بريطانيا ليست دولة نزيهة تحترم حقوق الشعوب في المقاومة كما تدعي".
ويؤكد محيسن على أن القرار البريطاني جاء بالرغم من اعتبار العديد من القيادات البريطانية لوعد "بلفور" الذي اتخذته بريطانيا قبل أكثر من قرن "نقطة سوداء في تاريخها".
بالتالي "يدلل القرار على أن بريطانيا لا تزال في دائرة المساندة المطلقة لإسرائيل والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، وهي تأخذ منحنى خطير في ذلك، وقد يكون له انعكاسات سلبية على مجمل المواقف السياسية البريطانية في التعامل مع القضايا العربية وخاصة الفلسطينية".
تأثيره المحلي وعلى بريطانيا
ولكن محيسن يرى في الرفض الفلسطيني الواسع دلالة على عدم تأثير القرار على حماس كحركة تحرر وطني أو تعامل المجتمع الدولي الحالي معها، كما أنه لن يثني عملها النضالي كونه مشروع بكل القوانين والشرائع.
لكنه في ذات الوقت يلتقي مع أبراش في أن القرار سيكون له مخاطر على حماس بالساحة البريطانية من حيث تواجد أي شخصية أو مؤسسة تساند الحركة، والذي سيكون التعامل معها وفق التصنيف الجديد.
أما المحلل السياسي حسن عبدو فيقول: "إن للقرار تبعات ودلالات إنسانية ومجتمعية أيضًا كون أن حماس لها بنية مجتمعية بين الفلسطينيين وسبق أن حصلت على نسبة عالية في الانتخابات، بالتالي فإن التعامل معها وفق التصنيف سيكون له تداعيات على طبقات فقيرة وضعيفة تدعمها حماس ماليًا.
ويرى أن سيكون للقرار تبعات سلبية على الشعب البريطاني أيضًا، من حيث تعامل الفلسطينيين والمساندين لهم في بريطانيا ضد الشعب الذي يرضى بأن تتخذ حكومته مثل هذا القرار المعادي.
ويؤكد أن الشعب الفلسطيني يدفع من جديد ثمن موقف دولة شريرة لها دور كبير في مأساته، في إشارة إلى وعد "بلفور" المشئوم الذي سبق وأن أسس لهذه المأساة.