ترى شخصيات مقدسية ومختصون في شؤون القدس أن قرار محكمة الاحتلال الإسرائيلي بالسماح لليهود بأداء "صلاة صامتة" في المسجد الأقصى المبارك يشكل تطورًا وسابقة خطيرة في الاعتداء على المسجد قد تنذر بانفجار الأوضاع.
ومساء الأربعاء، قررت محكمة "الصلح" الإسرائيلية في القدس المحتلة، السماح لليهود بأداء "صلوات محدودة" على حد وصفها في باحات المسجد الأقصى، معتبرة صلاة اليهود في الأقصى "عملًا مشروعًا لا يمكن تجريمه" ما دامت تلك "الصلوات صامتة".
وبحسب المختصين، فإن هذا القرار يشكل أيضًا أول سابقة قضائية تضفي المشروعية العلنية على صلاة اليهود في الأقصى بموجب محاكم الاحتلال، ويعزز توجه حكومة الاحتلال لفرض أداء الطقوس اليهودية داخل المسجد، ضمن أجندة "التأسيس المعنوي للهيكل"، والتي يركز عليها اليمين الإسرائيلي الحاكم منذ عامين، باعتبارها أولويته المركزية في الأقصى.
وخلال الأعياد اليهودية لهذا العام، شهد المسجد الأقصى تصاعدًا غير مسبوق وعدوانًا لم يشهد مثيله منذ احتلاله عام 1967، وانتهاكات بالجملة لحرمته، شملت "أداء طقوس تلمودية علنية، ونفخ بالبوق، ورفع العلم الإسرائيلي في باحاته، وإدخال قرابين العرش، والسجود الملحمي"، وغيرها.
وتسعى ما تسمى "جماعات المعبد" المتطرفة وحكومة الاحتلال للمضي قدمًا في أجندة "التأسيس المعنوي للمعبد" عبر فرض كامل الطقوس التوراتية في الأقصى، وتغير الوضع القائم فيه.
تطور خطير
المختص في شؤون القدس ناصر الهدمي يصف قرار محكمة الاحتلال بأنه خطير جدًا يعبر عن النوايا السوداء لسلطات الاحتلال فيما يخص المسجد الأقصى.
ويقول الهدمي لوكالة "صفا" إن هذا القرار يشكل تطورًا خطيرًا في اعتداءات المستوطنين المتطرفين على المسجد الأقصى، مشيرًا إلى أن محاكم الاحتلال ليس ذات شأن فيما يخص الأقصى.
ويضيف أن أي قرار تتخذه محكمة الاحتلال بشأن الأقصى هو باطل ومرفوض، ويشكل اعتداءً إسرائيليًا صارخًا على حق المسلمين جميعًا في حرية العبادة داخل المسجد المبارك.
ويتابع "ما كان لسلطات الاحتلال أن تتجرأ بكل هذه الوقاحة على إصدار مثل هذا القرار، لولا الرسائل الباهتة والضعيفة التي أرسلتها الحكومة الأردنية عبر دائرة الأوقاف الإسلامية، أو السلطة في رام الله، أو حتى الحكومات العربية جمعاء بشأن الوضع في الأقصى".
ويحذر الهدمي من تداعيات القرار الإسرائيلي، قائلًا:" إذا استمرت سلطات الاحتلال في اعتداءاتها على المسجد الأقصى، وسمحت للمستوطنين بشكل فعلي بأداء صلواتهم وطقوسهم التلمودية في المسجد، فإن ذلك سيؤدي حتمًا إلى انفجار الوضع ليس فقط في القدس وإنما في كل فلسطين، وربما العالم العربي".
وبنظره، فإن" الاحتلال يلعب بالنار، ويجر المنطقة إلى مواجهة عسكرية لا يعلم إلى أين ستؤدي".
ويلفت إلى أن سلطات الاحتلال تعمدت العمل على تغييب أي قيادة وطنية لمدينة القدس عبر حملات الإبعاد والاعتقال والتنكيل والملاحقة، وهذا أحد أسباب الواقع الصعب الذي تعيشه المدينة، وكذلك تجرؤ الاحتلال على إصدار قراره بالسماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى.
إعلان حرب
واما الباحث في شؤون القدس جمال عمرو، فيقول لوكالة "صفا": إن" القرار الإسرائيلي يشكل سيطرة على القدس والأقصى، وهو بمثابة شرعنة إجرامية للطقوس والصلوات التلمودية في المسجد المبارك".
ويوضح أن سلطات الاحتلال ومحاكمها تجاوزت كل الخطوط الحمراء باعتدائها على المسجد الأقصى، وإصدار مثل هذا القرار الذي يمثل إعلان حرب وتصعيد خطير.
ويضيف "لا يمكن السكوت على هذا القرار، ولا يجوز الرد عليه بردود باهتة من خلال إصدار بيانات استنكار وإدانة أو رسائل احتجاج، لأن القرار غير مسبوق، بل يجب العمل فورًا على سحب الاعتراف بأوسلو وبالاحتلال، ووقف التنسيق الأمني".
ويؤكد عمرو أن الأقصى خط أحمر، يحتاج إلى ثورة شعبية عارمة للدفاع عنه والتصدي لاعتداءات الاحتلال بحقه، خاصة في ظل الواقع العربي المتردي وسياسة التطبيع، والتي فتحت شهية الاحتلال وأعطته فرضة للانقضاض والهجوم على الأقصى.
بدوره، أكد محافظ القدس عدنان غيث أن قرار السماح المستوطنين بأداء "الصلوات الصامتة" يمثل سابقة خطيرة، ويأتي ضمن السياق التاريخي بتقسيم الأقصى تمهيدًا لإقامة "الهيكل المزعوم”.
وحذر من أخطار حرب دينية في حال استمرار عدم احترام مشاعر المسلمين ومقدساتهم بالقدس، وفي مقدمتها المسجد الأقصى، داعيًا إلى تكثيف عمارته وإقامة الصلوات فيه.
وفي بيان لها، اعتبرت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية قرار محكمة الاحتلال باطل ومُنعدم الأثر القانوني حسب القانون الدولي الذي لا يعترف بسلطة القضاء الإسرائيلي على الأراضي المحتلة عام 1967، بما فيها القُدس.
وقال الناطق الرسمي باسم الوزارة السفير هيثم أبو الفول إنّ القرار يشكل خرقًا فاضحًا لقرارات الشرعية الدولية المُتعلقة بالقُدس، ومنها قرارات مجلس الأمن التي تُؤكد جميعها على ضرورة الحفاظ على وضع المدينة المُقدسة.
وأضاف أنّ القرار يُعد انتهاكًا خطيرًا للوضع التاريخي والقانوني القائم في الأقصى، وقرارات "اليونسكو"، مشددًا على أنّ الأردن ووفقًا للقانون الدولي، لا تعترف بسلطة القضاء الإسرائيلي على القُدس.
وحذّر من مغبة الإجراءات الإسرائيلية ضد الأقصى التي ستمتد تبعاتها إلى العالم بأسره، والتي تُمثل استفزازًا لجميع المسلمين.