"ضرب وعنف وحشي وتنكيل متعمد بحق سكانه الآمنين في منازلهم، باستخدام القوة المفرطة والحجارة والزجاجات الحارقة، والرصاص المطاطي وقنابل الصوت وغاز الفلفل"، هكذا يبدو المشهد ليلًا في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، الذي يتحول لما يشبه ساحة الحرب جراء اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي.
هذه الاعتداءات الممنهجة تصاعدت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وسط أجواء من التوتر والخوف الشديدين تخيم على سكان الحي المهدد بالإخلاء والتهجير لصالح المستوطنين.
ويوميًا، تتعرض منازل المقدسيين في الحي لاقتحامات استفزازية من المستوطنين، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال، بحيث يتخللها عمليات اعتقالات، وتفتيش وتنكيل وإذلال وإهانة لسكانها، وتحطيم لمحتوياتها، في محاولة للتضييق عليهم.
ومساء الاثنين، أصيب 20 مقدسيًا بالرصاص المطاطي والاختناق جراء استنشاق غاز الفلفل والرضوض، عقب اعتداء قوات الاحتلال عليهم خلال مواجهات عنيفة اندلعت في الشيخ جراح.
وتمنع قوات الاحتلال الأهالي من الجلوس أمام منازلهم بالحي، وتُجبرهم على الدخول إليها، وإغلاق أبوابها كأنهم يعيشون في سجن.
في المقابل، تسمح للمستوطنين بالتجول داخل الحي دون أية قيود، وهم يحملون السلاح والأعلام الإسرائيلية، في استفزاز متعمد للسكان.
تصعيد مبرمج
صالح ذياب أحد أصحاب المنازل المهددة بالإخلاء، يروي لوكالة "صفا" تفاصيل تلك الاعتداءات قائلًا:" تفاجأنا الليلة الماضية باقتحام عشرات جنود الاحتلال لمنزلي بشكل وحشي، بعدما كسروا الباب بقوة، وأرعبوا الأطفال".
ويضيف "عناصر شرطة الاحتلال شرعوا بتفتيش المنزل، بحجة أن شبانًا ألقوا حجارة منه، وخلال ذلك دفعوني بقوة أمام عائلتي وأطفالي، وهددوني بالاعتقال".
وتقتحم قوات الاحتلال-وفقًا لذياب- منازل المقدسيين بالشيخ جراح، بإيعاز من المستوطنين الذين يدعون تعرضهم للرشق بالحجارة، وهذه ادعاءات باطلة لا أساس لها من الصحة.
ويشير إلى أن الحي يتعرض يوميًا لاعتداءات وتصعيد إسرائيلي مبرمج، من أجل التنغيص على السكان ودفعهم للهجرة والرحيل، لكن محاولاته هذه لن تنجح أمام صمود ومقاومة سكان الحي.
ومنذ شهر ونصف، ولا تزال سلطات الاحتلال تفرض حصارًا مشددًا على حي الشيخ جراح، وتمنع سكانه من الخروج والدخول إليه دون قيود.
كما تمنع دخول المتضامنين والوفود العربية، وتقمعهم باستخدام المياه العادمة وغاز الفلفل وقنابل الصوت.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل هدد مستوطنون ثلاث عائلات هي (الكرد، قاسم، وذياب) بالطرد من منازلهم في الشيخ جراح خلال شهر، وهاجموا أيضًا بالزجاجات الحارقة منزل عائلة قاسم، ما أدى لاندلاع حريق داخله، تم السيطرة عليه.
ويفيد الناشط المقدسي ذياب باقتحام قوات الاحتلال منزل عائلة غوشة وإجبار العائلة على الخروج منه في منتصف الليل، وتفتيشه بطريقة مهينة، وتخريب كافة محتوياته، وكذلك ترويع الأطفال والنساء.
وسبق أن تصدى أهالي الشيخ جراح لاقتحام عضوي الكنيست المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وأوريت ستروك وممثل جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية، التي تسعى لسرقة منازل المقدسيين، وسط تحريض المستوطنين على زيادة الاعتداء على الفلسطينيين.
ويؤكد ذياب أن صمت العالم والدول العربية والإسلامية على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين والمقدسيين خصوصًا، شجع الاحتلال على التمادي في انتهاكاته واعتداءاته.
ويقول: "لم أعد أستطيع حماية بيتي وأطفالي من اعتداءات المستوطنين، نحن نعيش بخوف وتوتر مستمر، يجب توفير الحماية الدولية العاجلة لنا، والعمل الفوري لوقف مثل هذه الاعتداءات".
ورغم ذلك، يشدد ذياب على استمرار صمودهم وبقائهم في أرضهم وبيوتهم مهما تمادى الاحتلال في عدوانه، قائلًا:" نحن صامدون في أرضنا، ولن نرحل ولن نتركها للمستوطنين".
وتضامنًا مع أهالي الشيخ جراح، دعا نشطاء فلسطينيون أهالي القدس والداخل المحتل للتوجه إلى الحي لمناصرة سكانه وحمايتهم من اعتداءات قوات الاحتلال والمستوطنين المتكررة.
وقالت لجنة وحدات الشيخ جراح: "نحن ندرك تمامًا أن محاولات ترويع السكان من قبل الجنود والمستوطنين بشكل مقصود يهدف لزيادة الضغط من أجل إخلاء المنازل، لكنها محاولات ركيكة ولن تنجح، بل ستزيدنا إصرارًا على البقاء والصمود".
هجمة شرسة
ويشكل المستوطنون أحد أذرع سلطات الاحتلال الذي تستخدمه لقمع المقدسيين وتنفيذ سياساتها التهويدية في مدينة القدس، كما يقول رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي لوكالة "صفا"
ويوضح أن قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين ينفذون هجمة شرسة ضد حي الشيخ جراح، بهدف زيادة الضغط على المقدسيين والمقاومة الفلسطينية التي كسرت هيبة الاحتلال وجيشه في قطاع غزة، وذلك لإعادة معادلة الصراع للواقع كما كانت سابقًا، ولإخراج القدس من أهداف المقاومة.
ويضيف أن حكومة الاحتلال تريد أن تخرج نفسها من مأزق أنها رضخت للمقاومة وشروطها، وتريد استعادة هيبتها وأن تحافظ على نفسها في البقاء بالحكم لمدة أطول، باعتبار أنها حكومة هشة وضعيفة، لذلك تتغول أكثر في جرائمها بالقدس، وتحديدًا الشيخ جراح.
ويحذر الهدمي من خطورة تصاعد اعتداءات المستوطنين بالقدس، ومن محاولة استغلال الاحتلال ذلك لتهجير السكان من منازلهم قسرًا، وهذا ما يثير المخاوف.
ولمواجهة تلك الاعتداءات، يؤكد أن التضامن الجماهيري المقدسي والواسع يعد الحل الأكبر والأمثل، نظرًا لأن الاحتلال يتخوف من امتداد الانتفاضة الشعبية داخل القدس وخارجها باتجاه الضفة الغربية والداخل المحتل.
ويشدد على أن تعميم المواجهة الواسعة والتضامن مع الشيخ جراح، سيكون من الصعب على الاحتلال أن ينفذ مخططاته بالحي.