معركة حقيقية يخوضها المواطن محمد الحديدي بمستشفى النصر بمدينة غزة للتمسّك بحبل نجاة يقي طفله الوحيد "رشيد" من خطر الموت المحقق؛ وذلك بعد استحالة تشخيصه وعلاجه بغزة، ووقف السلطة الفلسطينية إصدار التحويلات العلاجية لمرضى القطاع.
وبدأت فصول معاناة عائلة الحديدي بعد ولادة طفلهم بشهر مايو الماضي؛ ليكتشفوا ظهور أعراض مرضية "غير طبيعية" عليه، مما استدعى نقله إلى الحضّانات بمشفى النصر بحُكم أنه طفل حديثه الولادة (خُدّج).
ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم يتفاقم الوضع الصحي للطفل رشيد إلى جانب طفلين آخرين بالمشفى؛ لتعذّر علاجهم بغزة وعدم استجابة السلطة لوزارة الصحة بغزة بإصدار تحويلات علاجية لهم للعلاج بمشافي الضفة الغربية المحتلة.
توتر وإحباط
ويعتلي التوتر والإحباط وجوه العائلة خشية فقدان طفلهم الوحيد، في وقت يتراجع وضعه الصحي للأسوأ دون حصوله على العلاج اللازم بالمشفى.
وبمرارة يقول والده محمد الحديدي (25عامًا): "بأي ذنب يحرم طفلي من السفر والعلاج. ولدي يمكث بالمشفى منذ 21 يومًا ولا يستطيع الأطباء تشخيص حالته وعلاجه.. هل ينتظر المسؤولون موته أم ماذا؟".
ويلفت الحديدي في حديثه لمراسل "صفا" إلى أنه تواصل مع دائرة العلاج بالخارج في رام الله، وأكدوا له أن اسم طفله موجود ضمن التحويلات العلاجية؛ لكن إصدارها متوقف لجميع مرضى غزة، كما نقل على لسانهم.
وتوفي خلال اليومين الماضيين ثلاثة أطفال في قسم الحضانات بمستشفى الشفاء؛ لتصل أعداد المتوفين نتيجة وقف التحويلات العلاجية لهم منذ مطلع العام الجاري إلى 11 حالة، وفق وزارة الصحة بغزة.
وضع خطير
وتقول الطبيبة أخصائية الأطفال بمستشفى النصر رضا أبو عاصي إن تأخر إصدار التحويلات الطبية للمرضى بغزة ولاسيما الأطفال يؤثر بشكل خطير على وضعهم الصحي ويعرض حياتهم للخطر.
وتلفت أبو عاصي في حديثها لمراسل "صفا" إلى أن مشفى النصر يواجه صعوبة كبيرة في التحويلات العلاجية للمرضى؛ إذ باتت تستغرق 15 يومًا في وقت يتطلب إصدارها للطفل "الخدّج" أيامًا قليلة.
وتتوافد عشرات الحالات يوميًا من الأطفال المرضى لمشفى النصر بغزة؛ لكن أشدها خطورة أطفال مرضى القلب؛ وهم بحاجة لتحويلة عاجلة للعلاج لإجراء عملية جراحية في الضفة لإنقاذ حياتهم.
ويمكث في مشفى النصر 3 أطفال "خدّج" بحاجة عاجلة لإصدار التحويلات العلاجية للعلاج بالخارج؛ لكن هذه الحالات تنتظر منذ 20-30 يومًا وهو ما يؤثر على حياتهم.
وبشأن حالة الطفل الحديدي الصحية تشير الطبيبة أبو عاصي إلى أن الطفل لا يزال ينتظر صدور التحويلة العلاجية بعد 20 يومًا على إصدار المشفى لها؛ "لكن لا مجيب من دائرة العلاج بالخارج في رام الله حتى اليوم".
وتضيف "الطفل الحديدي علاجه غير متوفر بغزة، ووضعه الصحي حرج في حال لم يسمح له بالسفر إلى القدس للعلاج؛ لأن ارتفاع نسبة الأمونيا لديه قد تؤدي إلى الوفاة".
ويمكث أيضًا بالمشفى طفل من عائلة القصاص بحاجة هو الآخر إلى تحويلة علاجية عاجلة نظرًا لتدهور وضعه الصحي يومًا بعد الآخر؛ وذلك نتيجة خلل في وظائف الكبد.
وبحسب وزارة الصحة فإن المريض يجب أن يسافر للعلاج بعد أيام قليلة من إصدار التحويلات العلاجية؛ لكنه منذ سنوات الحصار على القطاع بات يستغرق 15 يومًا للسفر.
وتقول الطبيبة أبو عاصي "ننظر بعين الرأفة للأطفال والعائلات؛ نكتب تحويلات عاجلة، لكن لماذا لا تخرج بشكل عاجل لإنقاذ حياة الأطفال؟ لماذا نجعل الأطفال في معاناة؟".
وتضيف " الأطفال المرضى لا يتحملون التأخير، وستسوء أوضاعهم إن لم يتلقوا العلاج بأسرع وقت، لأنه سيؤثر على مستقبلهم، ومن المؤسف أن نعرض أطفال للوفاة بسبب سوء التنسيق".
وحذّرت وزارة الصحة في غزة أمس الثلاثاء من ارتفاع أعداد المتوفين الأطفال في أقسام الحضانات؛ وذلك بعد وقف السلطة الفلسطينية إصدار التحويلات العلاجية الخاصة بهم.