بعد خصم رواتب موظفي السلطة في غزة

تقرير حقوقي يدحض ادعاء الحكومة بمعاناتها من ضائقة مالية

غزة - صفا

دحض المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الأربعاء، ادعاء حكومة الوفاق الوطني بأنها تعاني من ضائقة مالية أجبرتها على فرض خصومات كبيرة على رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة وهو إجراء وصفه بأنه غير قانوني.

وأدان المركز في بيان صحفي تلقت "صفا" نسخة منه، بشدة إجراءات الحكومة بحق موظفي غزة التي طالت خصومات على رواتبهم وصلت إلى ما نسبته 30% من إجمالي رواتبهم وتجاوزت الـ 50% لموظفي الدرجات العليا وأصحاب الرواتب المرتفعة. 

وقال المركز إن مبررات الضائقة المالية تتناقض تماماً مع التقارير الرسمية الصادرة عن كل من وزارة المالية وسلطة النقد التي تشير إلى تحسن كبير نسبياً في الأداء المالي بما في ذلك تطور كبير في مستوى الإيرادات التي حققتها السلطة خلال الربع الأخير من العام الماضي، مقابل انخفاض ملحوظ في مستوى الانفاق العام خلال نفس الفترة.

ونبه المركز إلى تقرير سلطة النقد خلال الربع الرابع من العام الماضي بارتفاع الايرادات غير الضريبية بشكل ملحوظ خلال العام، حيث حولت السلطات المحتلة الإسرائيلية نحو 593 مليون شيكل لخزينة وزارة المالية، وذلك على خلفية توقيع اتفاقية الكهرباء مع شركة الكهرباء الإسرائيلية.

وحولت "إسرائيل" 580 مليون شيكل من متأخرات المقاصة الخاصة بقطاع غزة ما يعني تحسن ايرادات المقاصة، فضلاً عن تحويل مبلغ 558 مليون شيكل إلى حساب السلطة على ضوء تجديد تراخيص كل من شركة الاتصالات وجوال. 

كما سجل ارتفاع في الايرادات المحلية خلال الفترة المذكورة، وهو ما أدى إلى تحقيق فائض في الحساب الجاري بقيمة 82.6 مليون شيكل، بحسب المركز.

فيما بلغ حجم المنح والمساعدات الخارجية خلال العام 2016 للحكومة نحو 2.9 مليار شيكل، من بينها 805.9 مليون شيكل خلال الربع الأخير، وهو ما أدى إلى المساهمة في تغطية نحو 27.5% من إجمالي نفقات السلطة خلال نفس الفترة، وساهمت في تحقيق فائض مالي عوضاً عن العجز السابق المتراكم، حيث بلغ الرصيد الكلي نحو 581.9 مليون شيكل. 

وأكد المركز الحقوقي أن الأرقام المذكورة تشير إلى تحسن في حجم المنح والمساعدات المالية الدولية خلال العام المنصرم، وتدحض فكرة وجود الضائقة المالية التي تحاول الحكومة استخدامها كمبرر لقرارها الأخير ضد موظفيها المدنيين والعسكريين في غزة. 

ولفت إلى أن التقارير المالية الرسمية للسلطة تشير إلى انخفاض الإنفاق العام الفعلي خلال الربع الأخير من العام الماضي بنحو 7.2%، وهو قد طال بشكل رئيسي بند الرواتب والأجور في الموازنة الذي انخفض فعلياً بنحو 32.5%.

ولم تقم الحكومة منذ منتصف العام 2007 بأية تعيينات حقيقية تذكر في قطاع غزة، خاصة في ظل معاناة كل من قطاعي الصحة والتعليم بسبب تقاعد المئات، بل آلاف الموظفين خلال تلك الفترة.

وشدد المركز على أن حل مشكلة الضائقة المالية المزعومة، وإن وجدت ينبغي ألا يتحملها موظفو السلطة في قطاع غزة فقط، بل يجب أن تطال كافة الموظفين على قاعدة المساواة وعدم التمييز.

وعليه طالب المركز الرئيس محمود عباس ورئيس حكومة الوفاق الوطني رامي الحمد الله إلى التراجع الفوري عن قرار خصم رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة كونه غير قانوني ويمثل شكلاً من أشكال محاربة الموظفين المدنيين والعسكريين في وسائل عيشهم ورزقهم.

وشدد على أن القرار "يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الأساسي المعدل للسلطة الفلسطينية للعام 2003، ولقانوني الخدمة المدنية وقانون الخدمة في قوى الأمن الوطني رقم(8) لعام 2005 وتعديلاتهما".

وحذر المركز من أن يكون هذا القرار مقدمة لقطع رواتب موظفي السلطة في غزة بالكامل وتخلي الحكومة عن التزاماتها القانونية تجاه موظفيها الذين التزموا بقرار رئاسي سابق طالبهم بعدم التوجه لوظائفهم في منتصف العام 2007.

وكان تفاجأ أكثر من 50 ألف من موظفي الخدمة المدنية والعسكرية في قطاع غزة التابعين لحكومة الوفاق في رام الله بخصومات كبيرة على رواتبهم تراوحت ما بين 30% إلى 50% من إجمالي رواتبهم.

وشملت الخصومات الموظفين الذين ما يزالون على رأس أعمالهم أيضاً، وخلفت حالة من الغضب والسخط في أوساط الموظفين وأفراد أسرهم فيما عبر المئات منهم عن خشيتهم من تدهور كارثي في أوضاعهم المعيشية والحياتية في وقت يسدد غالبيتهم نحو نصف رواتبهم للبنوك عن قروض.

وبرر المتحدث باسم الحكومة يوسف المحمود مساء أمس القرار بأن الخصومات طالت العلاوات فقط دون المساس بالراتب الأساسي، وأرجع ذلك لأسباب تتعلق بالحصار المالي تقليص مستوى الدعم الخارجي والحصار والاحتلال الإسرائيلي واستمرار الانقسام.

وقال المركز الفلسطيني إن قرار الاتحاد الأوروبي بوقف دعم بند الرواتب ليس جديداً، حيث كان الاتحاد أبلغ السلطة بذلك منذ عدة أشهر مضت، وفي المقابل لم تلجأ السلطة إلى اتخاذ أية خطوات لمواجهة تبعات القرار الأوروبي "ما يشير إلى غياب أي مستوى من المسؤولية المهنية والأخلاقية تجاه إيجاد حلول واقعية لحماية الموظفين وضمان استمرار رواتبهم". 

وكان شادي عثمان مسئول الإعلام بالمفوضية الأوروبية في القدس أعلن في شهر فبراير الماضي، أن الاتحاد الأوروبي تبنى سياسة دعم مالي جديدة للسلطة الفلسطينية للعام 2017، تقضي بوقف توجيه 30 مليون يورو، من أمواله لرواتب موظفي السلطة في غزة وتحويلها لدعم العائلات الفقيرة ومشاريع التنمية والبنية التحتية وخلق فرص عمل. 

واعتبر عثمان، أن هذه التغييرات من المفترض ألا تؤثر على قدرة السلطة تجاه تمويل رواتب موظفيها في قطاع غزة، لا سيما أنها لم تعد ملزمة بتقديم الدعم المالي للعائلات المحتاجة التي ستتلقى سنوياً نحو 20 مليون يورو، إضافة إلى تقديم 10 ملايين يورو لدعم القطاع الخاص وبرامج توفير فرص العمل. 

وجاء التوجه الأوروبي تنفيذاً لتوصيات تقرير لجنة الرقابة الأوروبية عام 2013، التي اعترضت على دفع الاتحاد الأوروبي رواتب لموظفين لا يعملون، دون وجود مبررات مقنعة أمام دافع الضرائب الأوروبي بتحويل أمواله لهم، وهو ما حدا بالاتحاد إلى إعادة توجيه أمواله لقطاعات أُخرى، وليس تقليصها.

/ تعليق عبر الفيس بوك