مضى هذا الشهر عام كامل على قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير بشأن وقف كافة أشكال التنسيق الأمني وإعادة تحديد العلاقات مع الكيان الإسرائيلي من دون أن تلتزم السلطة الفلسطينية بتنفيذ أي منها حتى الآن.
وعوضاً عن تنفيذ هذه القرارات فإن السلطة صعدت من مستويات التنسيق الأمني مع الكيان الإسرائيلي خاصة على أثر بدء "انتفاضة القدس" الحالية المستمرة منذ مطلع أكتوبر 2015.
واتخذ المجلس المركزي في ختام دورته العادية الـ27 في مدينة رام الله عدة قرارات أولها تحميل سلطة الاحتلال (إسرائيل) مسؤولياتها كافة تجاه الشعب الفلسطيني في دولة فلسطين المحتلة كسلطة احتلال وفقاً للقانون الدولي.
وتضمنت قرارات المركزي وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي "في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين".
وأكد المركزي في قرارته في حينه أن أي قرار جديد في مجلس الأمن يجب أن يضمن تجديد الالتزام بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبما يضمن تحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال وتمكين فلسطين من ممارسة سيادتها على أرضها المحتلة عام 1967 بما فيها العاصمة القدس، وحل قضية اللاجئين وفقا للقرار 194.
وفيما أعلن أعضاء اللجنة التنفيذية أن القرارات المتخذة إلزامية فإن السلطة ومنظمة التحرير ظلتا تماطلان في تنفيذ تلك القرارات سواء عبر التأجيل المتكرر أو بإعلان أنها تدرس آليات وضعها موضع التنفيذ.
محطات
وفي ديسمبر الماضي أعلنت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أنها كلفت اللجنة السياسية (المشكلة من عدد من أعضائها) بوضع آليات تنفيذ قرارات المجلس المركزي وبما يشمل تحديد العلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية مع الاحتلال.
وبعد ذلك بشهر قدمت اللجنة السياسية رؤيتها في اجتماع رسمي آخر للجنة التنفيذية التي اكتفت بإعلان أنها تناقش توصيات اللجنة السياسية من دون أن تحدد أي أفق زمني لبدء تنفيذ قرارات المجلس المركزي.
ولاحقا أرسلت قيادة السلطة وفدًا أمنيًا للقاء وفد أمني إسرائيلي، بدلاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي رفض استقبال الوفد.
وأبلغ الوفد الفلسطيني نظيره الإسرائيلي حسب الرواية الرسمية بقرارات المجلس المركزي، وفي وراية أخرى يعتقد أنها الأكثر مصداقية أبلغه "بأن السلطة تقوم ما بوسعها لمنع المواجهات والعمليات العسكرية، بما فيها السكاكين والدهس" التي تتضمنها انتفاضة القدس.
وبعد عودة الوفد الإسرائيلي إلى المستوى السياسي أبلغ نظيره الفلسطيني الوفد الإسرائيلي قدم اقتراحًا بأن يتم البدء بوقف الاقتحامات لرام الله وأريحا، وفي ضوء ما سيحدث يجري التقييم والتعميم لمدن أخرى.
وفي ذات السياق، أبلغ الرئيس محمود عباس اللجنة التنفيذية بأن اللجنة المركزية لحركة فتح صوتت بالإجماع على قرار سيحمله الوفد في اللقاء القادم مع الوفد الإسرائيلي يقضي بموافقة الجانب الفلسطيني على استمرار التنسيق الأمني مقابل تعهد الطرف الإسرائيلي بوقف الاقتحامات لمناطق (أ).
أغلبية بلا قيمة
وعرض عباس هذا الأمر للتصويت في اللجنة التنفيذية على أن تمنح (إسرائيل) مدة شهر للموافقة على ذلك، ونال أغلبية الأصوات بالرغم من أنه يناقض قرارات المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني بشكل كامل كخطوة لفك الارتباط كليًا بالاحتلال.
كما أن هذا التصويت يناقض كليا الدعوات الإعلامية المتكررة من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير خصوصا ممثلي فصائل اليسار بضرورة تنفيذ قرارات المجلس المركزي والبدء في وقف التنسيق الأمني.
ويلاحظ أن تنفيذ قرارات المجلس المركزي قريبا بات شعارا في كافة خطب وكلمات أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة وممثلي الفصائل المنطوية فيها وحتى الرئيس عباس وكبار مساعديه، لكنها تبقي للاستهلاك الإعلامي فقط.
يظهر ذلك في القبول بالهبوط بسقف قرارات المجلس المركزي وحتى عن سقف "اتفاق أوسلو" الذي نصّ على منع قوات الاحتلال من الدخول إلى مناطق (أ) إلّا في حالة استثنائية "المطاردة الساخنة"، الأمر الذي لم يعد موجودًا منذ العام 2002 عندما استباح الاحتلال الضفة الغربية دون تمييز.
كما يظهر ذلك حجم التناقض لدى قيادات السلطة التي تشتكي على الدوام من سحب الاحتلال كافة صلاحياتها الأمنية والإدارية في الضفة الغربية في الوقت الذي لا يقدمون فيه أي أفق زمنية محددة لتنفيذ قرارات المجلس المركزي وتحميل (إسرائيل) مسئولياتها كسلطة احتلال.
وسبق أن استخف كبار المسئولين الإسرائيليين بتهديد الرئيس عباس ومساعديه بوقف التنسيق الأمني محذرين من أن ذلك سيعني انهيار السلطة في اليوم التالي للبدء في تنفيذ القرار المذكور.
وبهذا الصدد قال وزير الحرب الإسرائيلي "موشيه يعلون" إن "السلطة عبر التنسيق الأمني تساهم بنسبة 20% في منع وقوع العلميات ضد (إسرائيل)، بينما تساهم (إسرائيل) بنسبة 80%، وإذا أوقفت السلطة التنسيق الأمني فإنها ستندثر، لأن (إسرائيل) لن تساعدها في هذه الحالة".
ويفسر هذا الأسلوب وضع السلطة قرارات المجلس المركزي للدراسة كطريقة للتحايل على تطبيقها، بدليل أنّ البيان الصادر عن اللجنة التنفيذية في اجتماعها الأخير احتوى عبارة يتيمة نصّها "وناقشت خطوات وآليات تنفيذ قرار المجلس المركزي الخاص بتحديد العلاقة مع سلطة الاحتلال"، فيما لم يقل البيان ماذا حصل خلال عام كامل؟.
ففي العادة وكما هو معروف في العالم كله أن القيادات والمؤسسات والدول والحكومات تدرس الأمر قبل اتخاذ القرار بشأنه، لأن القرار إذا صدر يتوجب تنفيذه لا أن يبقى تحت الدراسة والبحث في خطوات وآليات تنفيذه لمدة عام. السؤال المطروح: لماذا أبقت اللجنة التنفيذية هذا القرار بعد صدوره قيد الدراسة حتى إشعار آخر؟.
القرارات لن تطبق
ويفسر مدير مركز مسارات للأبحاث والاستشارات في رام الله هاني المصري ذلك بأن قرارات المجلس المركزي لم تجد القبول أصلاً عند دائرة الرئيس عباس لكنها لم تحاول منع صدوره خشية من المزايدات، ولأنها تصورت إمكانية توظيفه لتحسين شروط العلاقة مع الاحتلال.
ويشدد المصري على أن السلطة لن تطبق قرارات المجلس المركزي "لأنها اتُخذت تحت ضغط الأوضاع وما تعتبره مزايدات وليس نتيجة قناعة فهي تنطلق من فلسفة أن (التنسيق الأمني مقدّس) سواء مع عملية سياسية أو كونه يَصُب في مصلحة بقائها الذي بات هو الغاية بعد تجاوز الاحتلال لأوسلو".
ويدرج المصري أسباب أخرى تفسر عدم إقدام السلطة على تحديد العلاقة مع الاحتلال، منها: الخشية من الانهيار والفوضى والفلتان الأمني، خصوصًا إذا كانت هناك ردة فعل إسرائيلية قوية على تنفيذ القرارات.
كما أن السلطة بحسب المصري لا تزال تراهن على استئناف عملية التسوية وتخشي من العقوبات الإسرائيلية والأميركية المُحتملة، ومن غضب أطراف عربية، خصوصًا التي تعتبر نفسها الآن في مرحلة التقاء مع (إسرائيل) ضد "الخطر الإيراني".
في الوقت ذاته يشدد على وجوب وقف التنسيق الأمني ومجمل الالتزامات المترتبة على اتفاق أوسلو "الذي أوصلنا إلى الكارثة التي نعيشها، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا مرة واحدة فيمكن أن يحدث بشكل تدريجي، مثل تخفيف التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية بتعزيز عوامل الصمود".
ويقول المصري "يجب أن تستند العلاقة مع الاحتلال إلى مبدأ الندية والتبادلية ففي حال استمر في تجاوز التزاماته كما يفعل باستمرار توقف السلطة التنسيق أو تبادل المعلومات، وذلك ضمن رؤية جديدة تنهي كل الأوهام عن إمكانية إحياء أو استئناف ما سميت زورًا وبهتانًا عملية سلام".
ويضيف أن "من وصلت خياراته العقيمة إلى طريق مسدود ومن تتآكل أرضه وحقوقه وتفقد بنيته ومؤسساته الشرعية الانتخابية والوطنية وتزداد الهوة بينه وبين شعبه؛ عليه أن يبني خيارات جديدة فهي لا تهبط عليه من السماء وإنما تبنى".