مهمشة ومهددة بفقدان مساحة من أراضيها

القرية السويدية.. تحمل من "السويد" الاسم فقط

بيوت القرية قديمة ومسقوفة بالأسبست
رفح – أحمد دلول – صفا
على أرض مساحتها نحو 40 دونماً في أقصى نقطة حدودية ساحلية بين قطاع غزة ومصر، تقف القرية السويدية أو كما تعرف محلياً باسم "عزبة التل" مهمشة وحيدة تفتقر للخدمات وتعاني من الفقر والتآكل. هذه القرية التي لا تحمل في ثنايا حياتها من السويد التي يضرب بها المثل عالمياً في الرفاهية الاجتماعية سوى الاسم فقط، يقطنها أكثر من ألف لاجئ فلسطيني جاءت عائلاتهم إليها إبان نكبة 48، واستقروا فيها بحثاً عن الأمان والاستقرار، لكن ما وجدوه بعد عقود من الاحتلال والتهميش ومحاولات الاقتلاع أشّر إلى عكس ما كانوا يصبون إليه. المواطن علي أبو عودة (75 عاماً)، هاجر مع أهله من قرية "حمامة"، [img=032013/re_1363518816.jpg] أهالي القرية يعانون من أوضاع إنسانية صعبة[/img]كما عائلات أخرى من قرى وبلدات: إسدود، الجورة، بربرة، إلى المنطقة لملائمتها لمهنة الصيد التي تعد مصدر رزقهم التي توارثوها لأجيال. ويقول لوكالة "صفا": "بدأت رحلة اللجوء القاسية بالسكن في الخيام التي تحولت مع الوقت إلى مبانٍ طينية، وصولاً إلى عام 1965، حيث حضر قائد الكتيبة السويدية في قوات الطوارئ الدولية على الحدود ليطلع على أوضاع القرية، وبدأ بدعم سويدي بناء منازل من الطوب، ومن هنا حملت القرية اسم القرية السويدية". ويضيف: "تم إسكان الأهالي في حينه في المدرسة العمرية في رفح مؤقتاً، وعادوا إلى منازلهم بعد اكتمال البناء بأسقف من "الأسبست" بالتعاون مع وكالة الغوث الدولية (أونروا)، لكن ما لبثت القرية أن دخلت في دوامة أخرى هي نكسة عام 1967". ويشير أبو عودة إلى أن الأحوال أضحت أكثر صعوبة بعد النكسة وسط [img=032013/re_1363518965.jpg]السويد دعمت إعادة إعمار القرية قبل 48 عاماً[/img]تضييق الاحتلال، وصولاً إلى اتفاقية "كامب ديفيد" التي تم بمقتضاها عام 1982 تدمير عدد كبير من منازل القرية لتوسيع الشريط الحدودي، وهو ما كلف القرية ثلث مساحتها تقريباً. ويتابع "جرفوا مقبرتنا وسرقوا أراضينا مرة أخرى، لكننا صمدنا، حاولوا إغراءنا بالانتقال لسكن أفضل في منطقة تل السلطان، لكننا رفضنا وآثرنا البقاء لأننا لا نريد الهجرة مجدداً رغم أن هناك نحو ثلاثة أو أربعة عائلات قررت الرحيل". ويؤكد أن البقاء والصمود مهمان رغم القسوة الشديدة، "ليس لأننا نقيم بالقرب من البحر حيث مصدر رزقنا، لكن رحيلنا كان سيعطي للاحتلال مجالاً لتوسيع استيطانه، وتحويل المكان إلى قاعدة عسكرية، لذا فإنه سلط علينا كل أنواع القيود والتضييق لكننا رفضنا الرحيل"، على حد تعبيره. وواجهت القرية التمدد الاستيطاني في المناطق القريبة ومنها مستوطنة "رفيح يام" والبوابات الأمنية التي شكلت "صداعاً دائماً" للأهالي، وحتى السلطة الفلسطينية التي أقيمت عام 1994، واجهت صعوبات في توصيل الخدمات إلى المنطقة. [title]لا نمو ولا تنمية [/title]ويقول نعيم حسونة الناشط والمقيم في القرية لوكالة "صفا" إن العنوان في مرحلة الاحتلال كان "لا نمو ولا تنمية"، وكان الضغط على أهالي القرية على أشده فلا يسمح بالبناء ولا الحركة إلا بقيود، ولا توجد كهرباء أو مياه، ولا مجال لتطوير الخدمات. ويضيف: "الفقر مستشرٍ في قريتنا، والمباني مهددة بالانهيار والسقوط، لسنوات طويلة كانت المنازل وما تزال عرضة للغرق من مياه الأمطار، ناهيك عن المكرهة الصحية الناتجة على صب المياه العادمة القادمة من مناطق في رفح إلى البحر المقابل للقرية، التي تفتقر أساساً لشبكة صرف صحي". كان التحدي على أشده مع الاحتلال، خاصة مع مطلع انتفاضة عام 2000 وحتى الانسحاب الإسرائيلي، في مقابل التشجيع الرسمي للمواطنين على البناء فيما كان الاحتلال يمنعهم من ذلك دون ترخيص، كما تم تزويد القرية بمولد للكهرباء يوفر التيار لأربعة ساعات مساءً يومياً في ظل منع توصيل الخدمة. وبعد الانسحاب، يقول حسونة إن الأهالي كانوا يتوسمون خيراً بتحسن أحوالهم نظراً لمسئولية السلطة ووكالة الغوث عن تطوير القرية بعد سنوات من الحرمان والإهمال والتهميش بسبب الاحتلال، لكن ثماني سنوات مرت منذ ذلك الحين، وما تزال القرية تفتقر للكثير. المواطن جمعة أبو سليّمة (67 عاماً)، اللاجئ من "بربرة"، اضطر إلى السكن في معرش أقامه منذ سنوات على أرض مجاورة بعد اكتظاظ منزله البالغة مساحته 250 متراً، وتزويج أبنائه الستة، متسائلاً: "كيف يمكن أن أعيش وعائلتي (25 فرداً) في مثل هذا الوضع؟". وفيما يزداد عدد أفراد العائلة إلا أن مساحة المنزل كما هي، وبسبب[img=032013/re_1363518985.jpg]لا تتوفر مرافق ترفيهية للأطفال في القرية[/img] الفقر الشديد فإنه لا يستطيع وأبناؤه الذين يعملون في الصيد من توسيع وإعمار المنزل مجدداً، محملاً وكالة الغوث والحكومة المسئولية عن تحسين أحوال عائلته وسكان قريته المتروكة. ويقول أبو سليّمة: "نريد أن نعيش كباقي البشر، صمدنا وحافظنا على المنطقة، وصبرنا على ظلم الاحتلال، لكن ما يجري حالياً لا يمكن تبريره بأية حال من الأحوال". ويعبر الأهالي أيضاً عن مخاوفهم من تداعيات مشروع الطريق الساحلي الذي سيضم مساحة واسعة من القرية، في ظل عدم تقديم رؤية واضحة لتعويض الأهالي المتضررين، أو حتى وجود خطط بديلة لإعادة إسكانهم أو إعادة تطوير المنطقة. [title]خدمات ضعيفة أو مفقودة [/title]وحول الكهرباء، يقول مواطنون التقتهم وكالة "صفا" إنه تم تمديد شبكة كهرباء لكنها ضعيفة للغاية بحيث أنه لا يمكن تشغيل الأجهزة الكهربية دون محول مناسب، وذكروا أن الشوارع المحيطة في حالة متواضعة أقيمت في زمن الاحتلال، وإن تم ترميمها خلال الأعوام الماضية، فيما الشوارع الداخلية ضيقة وترابية وعشوائية. واشتكوا من تداعيات عدم وجود شبكة مجاري، ما يضطرهم إلى نزحها في خزانات أسفل منازلهم رغم خطورة ذلك واحتمالات انهيار أرضياتها، وأنشأوا تمديدات بدائية لصب المجاري في المنطقة البحرية المقابلة وأحياناً في أرض مجاورة، وإلا واجهوا خطر غرق منازلهم مجدداً. مسجد القرية العتيق يعاني من التآكل، وتمكن أهالي القرية من الحصول على قطعة أرض حكومية ملاصقة للقرية لبناء المسجد الجديد عليها. كما يتم توفير المياه لمنازل القرية من بئر افتتحته الوكالة لتغطية المشاريع الإسكانية في منطقة تل السلطان القريبة، لكن لا تصلها المياه منه سوى لأقل من ساعتين ويوماً بعد يوم، حتى خدمات الهاتف لم تصل إليها سوى منذ 5 أشهر. ولا تتوفر فيها عيادة صحية أو مرافق خدميّة، والمدارس تبعد عدة كيلومترات، وفي حين تنقل حافلات الوكالة طلبة المرحلتين الأساسية والإعدادية، يضطر طلبة الثانوية العامة للمشي طويلاً أو الركوب في سيارات لنقلهم إلى مدارس رفح شرقاً. نسبة التعليم متزايدة، ويسعى الأهالي رغم أوضاعهم الصعبة إلى [img=032013/re_1363518972.jpg]حافلة تنقل طلبة القرية إلى مدارسهم البعيدة[/img]تعليم أبنائهم، لكن في المقابل دفع الفقر المدقع بعضهم إلى ترك الدراسة والبحث عن عمل نظراً لتوفير الحاجات الضرورية لأسرهم. ويذكر أبو عودة أن معدلات البطالة مرتفعة، خاصة في الصيد الذي أضحى مكلفاً في مقابل عائد مادي ضئيل أحياناً كثيرة، فضلاً عن تعرض الصيادين لاعتداءات إسرائيلية والتضييق المستمر، فضلاً عن تزايد عدد المشتغلين بالمهنة في هذه المساحة الضيقة. ويرى أنه رغم موقع القرية الساحلي وتمتعها بشاطئ جميل إلا أنها محرومة من استغلاله، حيث أن التلوث الحاصل جراء صب المجاري في المنطقة البحرية المقابلة، دفع الجهات المختصة إلى حظر السباحة والتأجير بسبب المخاطر الصحية. ومع تخصيص حكومة غزة 5 دونمات لإنشاء مدرسة قريبة إلا أن المشروع لم يبدأ، فيما يتواصل العمل في بناء الجامع بجهود ذاتية وبدعم فاعلي الخير، فيما تبددت آمال أهالي القرية بتشكيل جمعية تخدمهم لعدم توفر دعم أو مقر. من جانبه، يطالب نعيم حسونة الجهات المختصة بتحمل مسئولياتها، قائلاً: "الوكالة أحصت المباني والسكان لكننا لم نر أية نتيجة، الحكومة لم تستطع توفير خدمات ملائمة، وإن حصل البعض على خدمات إغاثية واجتماعية، إلا أن هذا ليس الشيء الوحيد الذي نحتاجه، نحن نطالب بحياة إنسانية".

/ تعليق عبر الفيس بوك

استمرار "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة