web site counter

جيفارا غزة يوثق لمقاومة السبعينات

انهمك المخرج الفلسطيني خليل المزين وهو يصور آخر المشاهد من فيلمه الوثائقي "جيفارا غزة"، سعياً للوصول إلى أفضل صورة ممكنة لإظهار خاتمة تلائم قصة المناضل الفلسطيني محمد الأسود الذي "دوّخ" الاحتلال بداية السبعينات حتى اغتياله عام 1973. 

ويستعرض الفيلم قصة الأسود ذاك الطفل ابن العامين الذي هجّر مع عائلته عنوةً محمولاً على "كفين" من وجع بعيداً عن بيته إلى أرضٍ من "كبرياء" ليكون منشأه بمخيم الشاطئ بلوك "C36"غرب مدينة غزة، وما رافق ذلك من تطورات صقلت شخصيته الثورية ليكون شخصاً غير عادي في زمن غير عادي.
 
فكرة الفيلم خالجت عقل المزين منذ سنوات، وتذكر حينما كان طفلاً في مخيم الشابورة برفح وسمع عن المقاوم الذي ضرب بعملياته عقل قوات الاحتلال في قطاع غزة.
 
مشهد لدورية من قوات الاحتلال الإسرائيلي (صفا)
ويروي المزين في حديث خاص لوكالة "صفا" كيف كبرت معه قصة جيفارا، حين شده غموض الرجل في صغره، وتعززت في نفسه توثيق القصة بعد أن أصبح مخرجًا وثائقيا.
 
وبقول:" بعد سنوات من العمل قررت أن أتقدم نحو إخراج فيلم عن محمد الأسود لإيضاح المحاور الأساسية في حياته والمتمثلة في طفولته وشبابه وعمله النضالي واعتقاله ومطاردتهحتى اغتياله".
 
وكانت عودة الأسود من دراسته دون أن يكملها في مصر بداية لتحوله للعمل المقاوم. فبعد أن عمل مهندسًا معماريًا في بلدية غزة، وبعد هزيمة 1967 ارتبط الأسود بحركة القوميين العرب بقيادة جمال عبد الناصر، وشكل مع آخرين طلائع المقاومة الشعبية ليبدأ عمله النضالي.
 
وليلتقط المزين صورة واقعية تمثل حياة "جيفارا" بعد 36 عامًا عكف المخرج الطموح على تصوير عشرات المقابلات وعدد كبير من المشاهد الخارجية لتضفي صورة واقعية لما كان يجري حينها وتتبع مراحل القصة، ليخرج منها 53 دقيقة هي مدة فلمه الوثائقي.
اقتحام الجيش لمنزل بحثًا عن جيفارا (صفا)
 
ويقول المزين"الهدف من الفيلم ليس جيفارا فقط، بل تلك الحقبة التي عاش فيها الشعب الفلسطيني حالة نضالية مشهودة على أرض غزة، وحفظ الذاكرة الشفوية عن تلك الفترة،حتى لا تذهب مع الأشخاص الذين عاشوها وغادروا هذا العالم". 
 
صعوبات العمل
ولم يكن المزين يقصد بغياب هؤلاء الأشخاص سوى طرح العقبات التي واجهت إتمام الفلم قائلاً:" المعضلة الأساسية التي عانيت منها في إنتاج الفيلم هي افتقار القصة والحقبة الزمنية إلى توثيق بصري، حتى أننا لم نجد سوى ثلاثة صور نادرة للأسود". وتختلف كل واحدة من هذه الصور الثلاث عن الأخرى، ربما –كما يقول المزين- لتقمص "البطل" شخصيات متعددة تساعده على التخفي والهرب من عملاء جهاز المخابرات الإسرائيلية" .
 
المخرج خليل المزين
- ولد بمدينة رفح عام 1962، ودرس الإخراج السينمائي
بأكاديمية الحضارة في سان بطرسبورع بروسيا، وعاد ليعمل مخرجاً في التلفزيون الفلسطيني.
- أخرج عدة أفلام وثائقية، منها سلسلة "العابرون على جلد غزة"، و"رسل الحقيقة" حول عمل وكالة "رامتان" خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
- وأخرج جملة أفلام قصيرة، منها "فشل المشهد" الذي يتناول التعذيب في سجن غوانتانامو، ومشروع الأفلام القصيرة "غزة – اسديروت" الذي فاز بأفضل مشروع في أوروبا عام 2009 ويحكي أوضاع القطاع خلال الحصار.
وأصاب اختلاف الصور المزين بحيرة، فأي منها سيبني عليه مفهومه لشخصية "جيفارا غزة" علي اعتبار أنه بحث عن شخص يشابهه أو لديه القدرة على أداء دوره" ، مضيفاً أنه استطاع الوصل لشخصية رأي فيها ما يبحث عنه وهو الشاب باسل أبو النصر من مخيم جباليا.
 
ولكن المزين واجه إشكالية أخرى، ورغم طبيعتها التفصيلية لكنها قد تؤثر بالبعد الواقعي للفيلم، لأنها تتعلق بالشكل الحقيقي لطبيعة الأشياء والعلاقات الاجتماعية، وحتى اختلاف لون الزى للأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية وقتئذ كضرورة لازمة لدقة العمل وترجمته.
 
واضطر المخرج إلى تمثيل الكثير من المشاهد كاقتحامات الجيش الإسرائيلي، وكيف كانت هيئة بيوت المخيم في ذلك الوقت إضافة إلى إعادة ترتيب الأماكن التي لا تزال قائمة في غزة كما كانت في السبعينات، فضلاً عن افتقاره لخبراء في المؤثرات البصرية عندما أراد تمثيل العمليات العسكرية .
 
وتغلب على تلك الصعوبات باستخدامه للضوء بشكل كبير في بلورة الشخصية بحيث تكون قريبة من شخصية البطل، كذلك طريقة عرض الصورة التي اعتمدت على التتابع الإيقاعي من خلال لقطات في المونتاج.
 
مقتطفات من الفيلم
ولم يكن الأسود عند اعتقاله 1968 قد سمي نفسه بجيفارا بعد، ما أضفى هالة ضبابية على صورته بعد أن خرج من السجن حيرت المخابرات الإسرائيلية، لتظل هويته محط تساؤل دائم ومستمر، من هو جيفارا ؟.
 
وبينما كان جيفارا يكبر مع كبر وجع اللاجئين، شهدت أوضاع قطاع غزة تغيرًا جذريًا تمثل في الحكم الذاتي والإدارة المدنية وسياسية تغيير معالم المخيمات وتجريف شوارعها وأزقتها والتي اتبعها الجيش الإسرائيلي للتضييق على الناس والمقاومين.
جانب من تصوير المشاهد الخارجية للفلم (صفا)
 
وشدد الاحتلال من حملته على المقاومة بغزة (في تلك الفترة) حين كان آرئيل شارون قائدًا للمنطقة الجنوبية، وأسس وحدتي اسمها "شاكيد" و"ساريت خوبيم" للقضاء على مقاومة غزة. واتبع الاحتلال أسلوبًا آخر لمحاربة المقاومة عبر تجنيد العملاء للقضاء على جيفارا والمقاومين.
 
وبعد عدة عمليات لجيفارا استطاع الاحتلال أن يزرع عدد من العملاء حوله أحبط أحدهم عدد من عمليات جيفارا، وعند اكتشافه هرب من غزة ليتقلد الآن منصبًا رفيعًا في المخابرات الإسرائيلية.
 
ويذهب الأسود لزوجته وداد بعد أن كشف أمره وهدم بيته طالباً منها أن توزع الحلوى لأن بيته ليس أحسن من بيوت الفلسطينيين، ومن ثم يعتقل الجيش زوجته التي تعرضت لتحقيق مهين، لم ينجح في إجبارها على أي اعتراف.
 
وأثارت المقاومة في غزة حفيظة وزير الجيش الإسرائيلي موشي ديان، ليعترف قائلاً: "نحن نحكم غزة في النهار، والملثمون يحكمونها في الليل".
 
نهاية مرحلة
وفي فضاء يوم التاسع من مارس عام 1973 خرج الأسود من وكره الذي صنعه على مقربة من سجن غزة المركزي (تطبيقًا لشعاره: كن قريباً يفتكرك عدوك بعيداً) ليتجه إلى بيت رفيقه رشاد مسمار، ليحاصر الجيش المنزل على جيفارا ورفاقه الذين لجؤوا إلى ملجئ صغير داخل المنزل بنوه وموهوه بجدار فوقه.
 
لكن الجنرال ديان الذي قاد الحملة استدعى خبراء ومهندسين في الجيش للبحث عن ذاك المخبئ السري إلى أن تم اكتشافه، ويندلع الاشتباك ويجرح فيه عدد من جنود الإسرائيليين، ويستشهد جيفارا وزملائه كامل العميصي، وعبد الهادي الحايك. وتقدم ديان وطلب من صاحب المنزل أن يتعرف على  جيفارا، ليتحلق الجنود حول جثته ويرقصوا طربًا لنيلهم من مقاوم عنيد .. لم يدروا أنه ترك شعبًا من المقاومين.

/ تعليق عبر الفيس بوك

تابعنا على تلجرام