web site counter

كنان عدوان.. ثمرة 18 عامًا يرحل شهيدًا

غزة- مدلين خلة - صفا
18 عامًا مرّت أمامه كشريط سريع يحمل بين طياته حلم الحصول على طفل ذكر مُعافى، أعوامٌ ذرف فيها الوالدان آلاف الدموع واتكأ كلاهما على الآخر معلنان عدم الاستسلام، ليزهر شوق انتظارهما بـ"كنان"، قبل الحرب الإسرائيلية بأشهر قليلة.
ثوانٍ معدودة تلك التي قلبت سكينة المنزل ولحظاته الجميلة، وحولت ألعاب أطفاله إلى كومة من الرماد والسواد التي حجبت رؤيا الزميل الصحفي أحمد عدوان عما حدث، ليهرع ببناته الثلاثة وطفله "حكمت" من ذوي الحالة الخاصة وزوجته، إلى بر النجاة من الموت. 
والسبت، استشهد الطفل كنان عدوان (عام ونصف)، في قصف إسرائيلي على منزل في مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة.
لحظات مؤلمة
الصحفي عدوان يروي لوكالة "صفا" هول ما عايشه لحظة استهداف الاحتلال للمنزل، قائلًا: "كانت جود ابنتي الرابعة وأولاد عمتها يلعبون في غرفة منفصله عن مكان جلوسنا، فهرعت مسرعًا لإخراجهم والنجاة بأرواحهم".
ويضيف "وأنا حامل جود وأولاد عمتها راكضًا بهم إلى الشارع، بعدما أخرجت زوجتي وبناتي الثلاث وحكمت، كنت أسمع صوت أنين من أحد زوايا المنزل المدمر، لكني لم أستطع تحديد المكان بدقة، بسبب الظلام والسواد الشديد"،
شعرة واحدة هي الفرق بين الحياة والموت، لأن المسافة القليلة التي كان يبعدها كنان عن والدته ورفضه اللحاق، كي يجلس بجوار والده وشقيقاته على شاشة الحاسوب الذكي يزيلون عن أرواحهم تعب اليوم من مشاهد الفقد والوجع والدمار، بمشاهدة أفلام الرسوم المتحركة كنوع اتبعه الزميل أحمد في الترويح عن نفس أطفاله، حالت دون سقوط عامود الباطون على رأس الأم، فكان "كنان" فداءً لهم.
ويتابع عدوان "عندما خرجتُ وبين يدي طفلتي جود، أخذت زوجتي تُنادي على كنان، فأدركت أن ذلك الأنين كان لطفلي، فأخذت مسرعًا هاتف جارنا الذي أتى للمساعدة في عملية الإنقاذ وركضت باتجاه الصوت لأجده وقد غطى وجهه الركام وحصره عامود كبير من الباطون، ليبقيه دون حركة".
ويكمل حديثه والألم يعتصر قلبه، "حملت كنان واتجهتُ به نحو المستشفى وأنا أرى خطر الإصابة التي ألمت به، لكنه لا يزال يتنفس". 
صراع الحياة والموت هذا أخذ يُنازع قلب أحمد وزوجته، وبالرغم من جراح صغيرهما البليغة، إلا أن بقاء النفس في روحه أعطاهم بصيص أمل في حياة أخرى ستكتب في عمر كنان.
فرحة لا تكتمل
ومع ساعات الانتظار الطويلة أمام بوابة غرفة العمليات داخل المستشفى يحتضن أحمد زوجته، يبث فيها الإيمان والتسليم بقضاء الله وقدره، وانتظار الأسوأ مع اختفاء الضوء الأحمر، ليفتح الباب بعد ثلاث ساعات ونصف يُخبر فيها الطبيب باستشهاد كنان ومفارقته للحياة.
حمّل أحمد صغيره متجهًا ناحية المكان المخصص لتكفينه، يحتضن بجانبه زوجته يسندها وهو يردد في أذنها "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرًا منها"، ليقفز أمامه معاناتها مع حملها بكنان و700 حقنة نخّرت جسدها حتى يخرج إلى الدنيا سليمًا ويعيش فيها عام ونصف، ثم يرحل شهيدًا.
وهنا يقول عدوان: "بعد ميلاد حكمت وهو مصاب بمتلازمة داون، وإجهاض زوحتي مرتين بعدها، قررنا الذهاب إلى الطبيب لإجراء بعض الفحوصات الطبية ومعرفة سبب الإجهاض، ليخبرنا الطبيب بأن زوجتي تُعاني من تخثر في الدم ويجب عليها أن تأخذ إبر هيبارين، قبل أن نقرر إنجاب طفل آخر، مع استمرار أخذ هذه الإبر طوال فترة الحمل وبعدها بأشهر قليلة أيضًا".
ويضيف "عندما قررنا الحصول على طفل، باشرت زوجتي بأخذ إبر الهيبارين، قبل الحمل بشهرين بمعدل إبرتين في اليوم الواحد، واستمرت على هذه الحالة طوال تسعة شهور، رأت فيها من التعب ما لم تقوَ على النهوض من الفراش، حتى أصبح تقاسم وتبادل الأدوار بيني وبينها واجب لاستمرار الحمل وخروج صغيرنا إلى الدنيا".
لم يكن كنان مجرد طفل وحيد لعائلته، بل كان معجزة انتظرتها 18 عامًا، رغم ما حملته والدته من ألم وتعب لا يُحتمل.
يقول والده "كنان مش وحيد، لكن كان امتلاكه لعام ونصف فقط فرحة لا تُضاهيها فرحة أخرى، فقد جاء بعد 18 عامًا من الزواج، وبعد 700 حقنة تغلب فيها على مصاعب الحمل والميلاد، كي يعيش وسطنا يملؤنا حياة، ثم يشاء الله أن ينتزعها، لتحلق روحه بالجنة طيرًا شاهدًا على مذبحة التاريخ".
ر ش

/ تعليق عبر الفيس بوك