web site counter

مع فراق الأحبة.. هكذا خطفت الحرب بهجة العيد من صحفيي غزة

غزة - مدلين خلة - صفا
"أخذت أركض واضعًا يدي على صدري أُردد بخفاء اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها، اللهم زياد وغادة ووالدتهم".. لم تكن هذه اللحظات الصدمة الوحيدة التي سيعيشها الزميل الصحفي محمود أبو حصيرة، بل كانت إشعار بداية لسلسلة أوجاع ستتراكم حتى تأكل الحياة بقلبه.
يعود محمود بذاكرته للوراء عامين من الزمن يستذكر اللحظات التي كان من المفترض أن يعيشها وطفليه لولا ذلك الصاروخ الذي التهم جسديهما ووالدتهم ليبقيه وحيدًا يُصارع ذكريات أعياد سابقة جمعته بهم.
فقد الأحبة
"لم يكن زياد مجرد طفل يلتحق بوالده أينما ذهب، حرصت كثيرًا على أن أصنعه رجلًا مختلفًا يكون سندًا لي على موبقات الزمن، فأخذت أصطحبه معي بجل الزيارات العائلية خاصة تلك التي ترتبط بالمواسم كرمضان والعيد". يقول الزميل أبو حصيرة.
ويضيف لوكالة "صفا"، "بحكم عملي كصحفي وتغيبي لساعات عن المنزل وخروجي المفاجئ لأي طارئ رغبت كثيرًا أن يكون زياد رفيقي في زيارة أعمامه وعمته وبيت جده، كذلك حرصت على أن أزرع به الشعائر الدينية فلازمني في ذهابي لصلاة العيد".
ويتابع "لم يعد زياد موجود ولم يحضر معي صلاة العيد حتى أنه لن يزور عمته، ولن يقبل يدي جديه".
"لا يمكن وصف ما أعيشه هذه الأيام، لأن غياب العائلة كسرٌ لا يمكن جبره أو تعويضه، أفتقد تلك الأجواء التي عايشتها معهم، لم يعد هناك فسحة للفرح أو الابتهاج بالعيد ففي كل خطوة هناك زياد وغادة". هكذا يصف أبو حصيرة عيده دون عائلته.
ويردف "في مثل هذه الأيام أفتقد اصطحاب زياد بالجولات العائلية، أفتقد وجود العائلة عند خروجي من أداء العيد متجهًا للمنزل للمعايدة عليهم، لن تركض غادة نحوي تسابق زياد لاحتضاني والفوز بعيديتها قبله".
ويتحدث عن طفلته غادة، قائلًا: "غادة ذات الأربع سنوات الحنونة صاحبة القلب الجميل، المشاكسة ذات الخطوات السريعة نحو باب البيت لتسبق شقيقها في احتضاني، التي كانت تلمس يدها الصغيرة وجنتي فأعلم أن العالم توقف هنا وأي تعب يهون عند ذلك الحضن".
ولم يتوقع أبو حصيرة أن يعيش العيد وطقوسه وحيدًا، وأن تتحول لحظات الفرح إلى أشد وأقسى أنواع العذاب التي تمر عليه.
ويوضح أن الاحتلال لم يترك مكانًا للفرح إلا وخطفه من قلوب الغزيين، دون إبقاء أي معالم للفرح، لأن فقد الأحبة نار تكوي قلوبهم.
لوعة الفراق
لم يكن حال الزميل محمود هنية بأفضل مما عاشه أبو حصيرة، فهو الآخر ذاق لوعة فراق عائلته وعذابات الحرب.
وعاش هنية مرارة التجويع وقصف المنزل والنزوح والتهجير، ليجمع قاموسًا من المعاناة أقساها غياب عبيدة ووالدته عن هذا العيد.
"عشت مع أم عبيدة ثلاثة أعياد كان لكل منها نكهة مختلفة وبصمة يوسم بها، ففي عيدي الأول معها كنت لا أزال بحكم الخاطبين وكان لوجودها في حياتي أثر عميق لا يمكن نسيانه أو تجاهله، ليكون متميزًا كما أحبت وصفه"، يقول هنية.
ويضيف هنية لوكالة "صفا"، "في عيدها الثاني والذي حمل رمزية خاصة، كوني أحتفل به مع دعاء لوحدنا، تزامنًا مع بداية النواة لتأسيس أسرة والاستعداد لاستقبال ولي العهد حينها كانت الفرحة عظيمة، حيث كنت بجانب الزوجة التي لن ترى عيني بوفائها وحبها للحياة".
ويتابع "في عيدنا الثالث، كان لوجود عبيدة مذاقًا خاصًا ونكهة بطعم حلو، رغبت دعاء في توثيق كل لحظة فيه، حتى تبقى تتذكره وتحكي به".
و"كانت أجواء العيد تبدأ في بيتنا من اليوم الخامس والعشرين من رمضان، بحيث تحرص أم عبيدة على أن يكون العيد بأبهى حُلة ومنظر، تسعى لاضفاء الفرح على ما تلمسه يدها وتقع عليه عينيها".
ويكمل هنية "في هذا اليوم تحديدًا ثاني أيام العيد، أفتقد ذلك المشوار الذي انفرد به مع عائلتي الصغيرة، أتجول معهما في شوارع غزة لترسو أقدامنا على شاطئ البحر أم على مقعد في زاوية جميلة داخل أحد مطاعم غزة، وربما كانت جلسة هادئة في أحد أركان محل للبوظة كفيلة بإدخال السرور على قلوبنا".
ويضيف "أعظم ما أفتقده الآن الاستقرار الأسري وروح العائلة التي لم تعد موجودة، فالبيت ليس جدران بل أشخاص تلتقي بهم روحك تطبب على تعبك وتكون كلمة تخرج من قلوبهم بلسم يذيب شقاء الحياة وغصتها، فتحظى بجو خاص تستفرد به ذاكرتك ليكون نار غيابهم تكوي قلبك".
ويتابع "فقدتُ هذا العيد ضحكة عبيدة وبسمة والدته، حينما اختصرت فرحتها بفرحة صغيرها، التي طالما قالت ما دام عبيدة مبسوط كله بيهون".
ويردف "في كل تفصيلة أفتقد عبيدة ووالدته، أفتقد روح العائلة والدفء الذي طالني فترة من الزمن وآثر تركي وحيدًا أستجمع ذكرياتي معهم".
ويؤكد أنه مهما فعل الاحتلال فلن يخضعنا، ومهما سرق منا الفرحة والأحباء فلن يثنينا عن درب خضنا غماره وسرنا به.
فرحة منقوصة
أما الزميل سامي برهوم، أفقده الاحتلال فرحة العيد قسرًا مع عائلته، وأجبرته الحرب على البقاء بعيدًا عنها بحكم سفرها للخارج، لأجل علاج ابنته التي أُصيبت بجروح بليغة.
يقول برهوم لوكالة "صفا": "أعيش حالة من الشتات المرغم، بسبب سياسات الاحتلال واجرامه بحق عائلتي، أفتقد في هذه الأوقات فرحة العيد والتفاصيل التي كان لا بد أن أعيشها بصحبتهم، لكن الاحتلال أبى ذلك".
ويضيف "كان تعاملي مع عائلتي مختلف بشكل خاص، فأنا الذي حرصت على تعويض زوجتي فقدها لعائلتها، لا أستطيع اليوم أن أكون بجانبها في غربتها".
ويوضح أن سفر العائلة وغيابهم عنه أفقده كثيرًا من الطقوس التي كان يمارسها معهم، من خلال التجول في الأسواق وشراء ملابس العيد، عدا عن زيارة الأقارب.
ويدفع برهوم ثمن شتات أجبره الاحتلال على عيشه وعائلته، ليطبب آلامه التي يعيشها، بفعل عمله الصحفي وما يلاقيه خلال ساعات العمل.
ر ش

/ تعليق عبر الفيس بوك