"متى جاءت حتى تنقطع؟!"، يتساءل المواطن إبراهيم أبو دية، مستغربًا من قرار قطع الكهرباء عن غزة، والتي لم يراها سكان القطاع منذ عام ونصف.
ويقول أبو دية الذي يسكن في خيمة شبه ممزقة في مواصي خانيونس جنوبي قطاع غزة، لوكالة "صفا": "ضحكنا حينما سمعنا عن خبر قطع الكهرباء، الذي قررته إسرائيل، وكأنها وفرتها لنا وبقي عليها أن تعاقبنا بقطعها".
وتغرق عائلة أبو دية في ظلمات حرب الإبادة ومآسيها منذ ما يزيد عن 16 شهرا، ويكتفون بإضاءة "كشاف الهاتف" ليلًا.
ويضيف "أنا وأولادي الخمسة لا نرى بعضنا في الليل، نضيء بالكشاف ليلاً لغرض معين، هذا إذا توفر شحنه في النهار من نقاط شحن الطاقة".
تضليل وظلام
ويضلل الاحتلال العالم بإعلانه عن قطع الكهرباء على غزة، وكأن السكان عادوا ينعمون بها، مع اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير المنصرم.
وأعلن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين مساء الأحد، وقف بيع الكهرباء لقطاع غزة، مهددًا بقطع المياه خلال الفترة القادمة، في خطوة ستؤدي لتفاقم الكارثة الإنسانية والبيئية في القطاع المحاصر.
ولكن تداعيات قرار الاحتلال، ستنعكس على قطاعات حيوية أخرى، منها قطاع المياه والقطاع الصحي، والذين يعانيان من كوارث عديدة بسبب آثار حرب الإبادة التي انقطعت طوالها الكهرباء.
سجن الليل
الخمسينية رباب شاب تقول: "عن أي كهرباء يتحدثون، ونحن نحلم بأن نرى شارع مضيء لو بكشاف أو عامود واحد، بدلًا من حياة الظلم والظلمات التي نحن فيها".
وتضيف "أنا أخشى أنّ أصاب بالعمى، إذا رأيت نور الكهرباء يومًا، بعد عتمة سنة ونصف".
وتشكو مأساة انقطاعها "قلوبنا انطفأت من سواد العتمة، والليل صار سجن، ننساه بالنوم".
وفي معظم مناطق القطاع التي غيرت حرب الإبادة ملامحها، لا يوجد بيوت ولا أعمدة ولا أي أثر لحياة، حتى تتوفر الكهرباء، لذا فإن المنكوبين العائدين لهذه المناطق، لا يكترثون بقرار الاحتلال.
وانقطعت 10 خطوط رئيسية للكهرباء عن غزة منذ بداية حرب الإبادة، بأكتوبر 2023، واستمرت حتى اليوم، وتسببت بكارثة صحية وبيئية، حسب شركة توزيع الكهرباء.
70% من شبكات توزيع الكهرباء والاليات والمستودعات مدمرة.
كهرباء الهاتف
ويقول أبو محمد الدنف لوكالة "صفا": "لا في سخان مياه ولا غسالة تدور، ولا خلاط يزعجني، ولا ثلاجة تبرد قلوبنا ولا مكنسة كهرباء ولا غيرهم".
ويضيف مستهزئاً بقرار الاحتلال "وفرلي حياة وكهرباء، ثم تكلم عن قطعها، هذا تضليل ونحن لا نعرف شيء اسمه كهرباء من سنة ونصف".
ويعتمد المدنيون على شحن بطاريات صغيرة على الطاقة الشمسية، ممن تتوفر لديهم، ليقللوا من ساعات العتمة التي تحل عليهم، في خيامهم ووسط منازلهم المدمرة التي عادوا ليحتمون تحت ركامها.
ولكن معظم سكان غزة لا يملكون مصادر طاقة شمسية، ويعتمدون على هواتفهم المحمولة في الإنارة، منذ أشهر طويلة.
وبسب بغياب الكهرباء، فإن أهالي قطاع غزة يواجهون البرد الشتاء وحرّ الصيف دون أدنى مقومات ووسائل للتدفئة أو التبريد، خاصة الأطفال وكبار السن.
أنا قرار الاحتلال الأخير، فإنه سيؤدي لوقف ضخ المياه ووقف محطات التحلية عن العمل، بالإضافة لانهيار قطاعات الجانب الصحي، التي تعاني من شح الكهرباء.
ويؤكد مدير الإعلام في شركة توزيع كهرباء غزة محمد ثابت، أن 70% من شبكات توزيع الكهرباء في القطاع مدمرة بالكامل، وأن 90% من مستودعات ومخازن شركة توزيع الكهرباء دمرت بالكامل، و%80 من آليات ومركبات شركة توزيع الكهرباء دمرت بالكامل بحرب الإبادة.
ويشدد على أن القطاعات المهددة من قرار الاحتلال الأخير، تحتاج أصلاً لمعدات عاجلة لمنع انهيار المزيد منها، ولكن الاحتلال يرفض ادخالها حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار.
ومطلع مارس/آذار الجاري، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة رسميًا، والتي استغرقت 42 يومًا، فيما رفضت "إسرائيل" الدخول في المرحلة الثانية وإنهاء الحرب، واتخذت قرارات عديدة منها إغلاق المعابر ووقف ادخال المساعدات، والذي تبعه قرار قطع الكهرباء.
وبدعم أمريكي ارتكبت "إسرائيل" حرب إبادة في أكتوبر عام 2023، في غزة، استمرّت 15 شهرا، وارتقى فيها ما يزيد عن 49 ألف شهيد، بالإضافة لمئات الآلاف من الجرحى، وفوق الـ10 آلاف مفقود تحت الأنقاض.