غزة- مدلين خلة - صفا
ما أن وطأت قدماه أرض غزة وحطت رحاله في المستشفى الأوروبي عقب الإفراج عنه ضمن صفقة "طوفان الأقصى"، حتى صُعق الأسير المحرر طاهر عطوة بعدم وجود زوجته وأبنائه ضمن المستقبلين له.
14 عامًا من الحنين والاشتياق إليه، اُختزلت في مكالمة مرئية جمعت المحرر عطوة بزوجته نور إسليم، المغيبة قسرًا مع أبنائها الثلاثة "محمد، معتز، ومعاذ" عن مراسم استقباله، في رحلة علاج لأحد أطفالها، الذي خرج إلى الدنيا دون أن يرى والده، بسبب الاعتقال.
لم تحمل تلك المكالمة سوى نظرات الحسرة، فطاهر الذي كان يحلم باحتضان عائلته الصغيرة، تبدد حلمه على أعتاب شاشة الهاتف.
أما نور فسنوات صبرها تكللت بخروج زوجها ضمن دفعات الأسرى المحررين، إلا أن المسافة بين مصر والقطاع ومعيقات الاحتلال لم تُسعفها لتلقي حملها على زوجها وتُمسك بيده، لكي تواجه مصاعب الدنيا.
حرمان اللقاء
يقول المحرر عطوة لوكالة "صفا": "شعور سيء جدًا ومحزن للغاية أن تخرج من السجن بعد 14 عامًا من الاعتقال، ولا تجد زوجتك وأولادك في انتظارك، نظرًا لوجودهم في مصر لأجل العلاج".
ويضيف "تلك اللحظات التي كنت أنتظر أن أعيشها بفارغ الصبر تُنفى قسرًا عن وقت حدوثها".
"شعور النقص والحرمان ذلك الذي سيطّر على مخيلة الأسير المحرر، لأن عائلته ينقصها أهم أركانها وأعمدتها، لا يجمعه بهم سوى اتصال مسموع، وآخر مرئي إن توفر الإنترنت وحظيّ ببضع دقائق يُذهب بها نار شوقه".
يتابع "كنت أتمني وجود زوجتي معدة برنامج (موعد مع الحرية) على قناة الأقصى ضمن جموع المهنئين، لكن قدر الله أن تُعد الموعد للعديد من الأسرى وتختفي في موعد حريتي".
"كان لقائي بزوجتي وأبنائي عبر اتصال مرئي رأيتُ فيها معاذ لأول مرة منذ ميلاده، والذي كبر على عين والدته ودون وجودي معها".
ويُكمل عطوة حديثه "في المكالمة المرئية الأولى، تمكن عطوة من رؤية أطفاله الذين حُرموا من زيارته منذ عام 2013، لا تخفي نظراته لهم حجم الاستغراب من تغير حالهم ونمو أجسادهم ليصبحوا أكبر مما رسم صورتهم بعقله".
وارتبط طاهر بنور في العام 2007، بعمرٍ مبكر، على أعتاب العشرينات بينما لم تتجاوز هي الـ17 عامًا، واُعتقل بتاريح 8 ديسمبر/ كانون أول 2011، وحُكم عليه بالسجن 17 عامًا، أمضى منها 14 عامًا.
وترك لنور طفلين، وثالث لم يكتمل نموه بأحشائها، لتبدأ خوض حياة قاسية مليئة بالتحديات والمصاعب، تكون فيها الأم والأب لأطفالها.
معاناة الأسر
ويُواسي عطوة نفسه بأن حاله كحال أهله بغزة، قائلًا: "هذا حالنا بغزة، لا توجد أسرة كاملة بالقطاع، فهذه فقدت شهيد، وتلك جريح، وأخرى أسير".
ولا يملك وزوجته سوى الصبر حتى يلتم شمل العائلة ويلتقي بأطفاله بعد حرمان السجن، وتغييب المرض والسفر إلى مصر.
ويشير إلى أنه لم يكن يملك أي معلومات عن عائلته أثناء اعتقاله داخل السجون.
ويبين أن سلطات الاحتلال كانت تتخذ من أهالي الأسرى الغزيين وسيلة تعذيب نفسي يمارسونها عليهم بكل وقت وزمان.
"ومن أصعب اللحظات داخل السجن انقطاع أخبار أهلك عنك، فكيف إذا اجتمعت مع الحرب". يقول عطوة
ويضيف "خلال فترة الحرب، عمّد الاحتلال لاستخدام ما يحدث بغزة كورقة ضغط وحرب نفسية على الأسرى الغزيين.
ويضيف "كانوا (السجانين) يأتون للأسير ويحكوا له هينا قتلنا كل عيلتك ما ظل حدا فيهم، ومرة أخرى ما راح تطلعوا من هنا كل غزة دمار، ما ضل فيها شيء".
ويتابع "كابوس فقد العائلة كان يُؤرق جوانب الأسرى، كل ما يشغل تفكيرهم معرفة ما يحدث خارج أسوار زنازين السجن".
ويشير عطوة إلى أن ما يحدث داخل سجون الاحتلال ليس له مثيل، "فلا أبو غريب أو غوانتنامو يمارس فيهن ما يمارسه الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين".
ويشدد على أن الاحتلال لم يترك وسيلة تعذيب إلا ومارسها على جسد الأسرى دون رحمة بحالهم، متعمدًا إصابة أعضاء لا يمكن تطبيبها أو جبر الكسور فيها.
ر ش