لم تعد ليالي رمضان في بلدات ومدن قطاع غزة تشبه تلك الليالي في عشرات آلاف مدن العالمين العربي والإسلامي، حين تصدح مساجدها بصلاة التراويح.
فبالكاد اليوم يُسمع بعض تراتيل تلك الصلاة الليلية من إمام مصلىً في شارع بدير البلح أو حي بمخيم جباليا بعد أن فقد قطاع غزة أكثر من 1000 مسجد تعرض للتدمير المتعمد الذي نفذه جنود الاحتلال خلال شهور العدوان.
فبعد كل صلاة عشاء في شهر رمضان؛ تشتهر غزة بمشاهد حُفرت في الذاكرة من تسارع المصلين من الرجال والنساء إلى المساجد؛ وصبة يلهون حول المسجد بإشعال مفرقعات وتسامر جارات تحت أنوار أسوار الجوامع التي فاق عددها 800 تعرضت لتدمير هائل.
واليوم؛ يمكن القول إن تلك الصور الذهنية تلاشت إلى حدٍ بعيد بعد أن تحولت المئات من هذه المساجد إلى أطنان من الركام الإسمنتي الذي يعيق المارّة في الطريق.
لكن ذلك لم يمنع صوت الصلوات من الصدح مجددًا؛ فقد عكفت وزارة الأوقاف على إنشاء 400 مصلىً تقريبًا في العديد من الأحياء في القطاع باستخدام مواد بناء بسيطة مما توافر من الأخشاب ولفائف النايلون.
أما بعض الأحياء الأقل حظًا؛ فقد اضطر ساكنوها إلى أداء الصلوات في الطرق والساحات العامة أو على أطلال مسجد سابق.
وحتى وإن أقيمت صلاة التراويح في تلك المصليات؛ فإنها تراتيل الإمام لن تتعدى سور مصلّاه الضغير، كون الحصول على مكبر صوت ملحق ببطارية أمرًا بالغ الصعوبة إثر الندرة الشديدة لهذه الأدوات البسيطة.
كما أن انعدام التيار الكهربائي أصلاً وندرة مكبرات الصوت اضطر الصائمين في بعض المناطق للإفطار والإمساك وفقًا لورقة مواقيت الصلاة التي يحتفظون بها في جيوبهم أو يلصقونها على جدران خيامهم أو ما تبقى من منازلهم.
وتقول وزارة الأوقاف إن تعمد الكيان الإسرائيلي تدمير المساجد تسبب بمحاولة القضاء على أماكن العبادة وتعطيل برامج العبادة الجماعية مثل التراويح، وقيام الليل، والإفطارات الجماعية، التي كانت جزءًا أساسيًا من الأجواء الروحانية الرمضانية.
وبحسب مسؤولين بالوزارة؛ فقد فاقت خسائر تلك المساجد نحو 1.2 مليار شيكل.
ويقول العديد من جيران تلك المساجد ممن التقاهم مراسل وكالة "صفا" والذين حفظوا كل تفاصيل مساجدهم المحبّبة إنهم يشعرون بحرمانٍ بالغ من تجمعاتهم الروحانية والاجتماعية التي كانت مساجدهم تمنحهم تلك الأحاسيس.
فهذه المساجد كانت تمثل نقاطًا أساسية لتوثيق علاقاتهم المجتمعية من خلال الإفطارات الرمضانية وحلقات الذكر ومراكز تحفيظ القرآن.