لم تكن قطعة الذهب التي أهدتها كتائب الشهيد عز الدين القسام، لمولودة أسير إسرائيلي قبل الإفراج عنه اليوم، ضمن صفقة التبادل، لتعكس فقط طبيعة المعاملة الحسنة التي تحتمها أخلاقيات ودين المقاوم الفلسطيني، بل إنها رسالة تحرص حكومة الاحتلال لمنع المفرج عنهم من كشفها عبر الإعلام.
وبسبب صور المعاملة الحسنة والتقدير والحماية والهدايا التي ما زالت المقاومة ترسلها في مراسم الإفراج عن أسرى الاحتلال في غزة، تخشى "إسرائيل" أن يخرج هؤلاء بأحاديث "وردية" عن فترة أسرهم لدى المقاومة، وفق مختصان سياسيان.
وأفرجت كتائب "القسام" يوم السبت عن ثلاثة أسرى إسرائيليين، وخلال مراسم التسليم، أهدت للأسير "ساغي ديكل" قطعة ذهبية هدية، لابنته التي ولدت بعد 4 أشهر من اعتقاله.
وجاء الافراج عن أسرى الاحتلال ضمن الدفعة السادسة لصفقة التبادل، والتي تبعها إفراج "إسرائيل" عن 369 أسيرًا، عدد كبير منهم من محكومي المؤبدات.
وظهر الأسرى الإسرائيليون المفرج عنهم بصحة جيدة، ولاقت هدية المقاومة لأحدهم، تفاعلًا، وأحدثت صدى في الوسط الإسرائيلي على المستوى الرسمي والشعبي والإعلامي.
تجريد الرسالة من محتواها
ويقول المحلل السياسي نجيب مفارجة لوكالة "صفا": "إن الإعلام العبري يتلقف كل الإشارات والرسائل التي تريد إرسالها المقاومة وحركة حماس، وهو من ست دفعات يعلق على كل صغيرة وكبيرة تحدث خلال تسليم الأسرى".
ويشدد بالقول "الإعلام العبري موجه وهو يحاول أن يجرد الرسالة من محتواها الحقيقي، عبر التهكم والسخرية تارة، وهو ما فعله اليوم وما حدث خلال الدفعات السابقة".
ويستدرك "لكن الرسالة الحقيقية وصلت وهي التي أرادتها المقاومة، وهي المقارنة بين وضع الأسرى الاسرائيليين في قطاع غزة من حسن معاملة وتأمين وملبس ومأكل ومشرب، والأهم تأمين الحماية طوال فترة حرب 15 شهر رمي فيها ملايين الأطنان من المتفجرات على قطاع غزة".
ويتابع "في المقابل وهي الصورة الحقيقية للمقارنة، فإن إسرائيل التي تدعي الحرية والديمقراطية، والتي وقعت على مواثيق دولية بهذا الخصوص، هي تقوم بإهانة الأسرى رغم إمكانياتها ككيان، تدعي انه دولة".
ويعلق مفارجة على ما حدث بتسليم الدفعة السادسة: "رأينا في مشاهد خروج الأسرى من سجون الاحتلال وحتى اللحظة الأخيرة، كيف يتم إهانتهم بشكل الملابس وإجبارهم على الجلوس جثوًا على الركب وتعامل سيء للغاية، وبالتالي القلادة الذهبية التي تم تسليمها اليوم وما قبلها، تعكس المقارنة بين الأسر والسجان الفلسطيني الحمساوي في غزة وبين السجان الاسرائيلي، هذا من جهة".
ومن جهة أخرى، يكمل مفارجة "هذا يدلل على أن حماس تتابع كل واردة وشاردة وكل صغيرة وكبيرة، وهو يدلل على أن لديها أرشيف كامل، ويعكس عمق المتابعة للأسرى وأوضاعه لديها".
ولكن هناك رسالة ثالثة هي الأهم، من وجهة نظره، وهي "البصمة التي ستتركها المقاومة الفلسطنية في نفسية هذا السجين الإسرائيلي، وطبعًا يبدو ذلك واضحًا من خلال كلمات الشكر للمقاومة على منصات الإفراج عنهم، وهو ما سيترك بصمة في المجتمع الاسرائيلي الداخلي".
ويوضح بأن هذه الرسالة ستُحدث شرخًا، وعدم توازن في موضوع النظرة تجاه السجان الفلسطيني، وبالتالي فإن كل الأسرى الإسرائيليين، الذين خرجوا من غزة لا يمكن أن يشوهوا الحقيقة التي رأوها خلال فترة أسرهم والإفراج عنهم.
ونتيجة لما سبق، فإن الطريقة الوحيدة للاحتلال لإحداث هذا التشويه، أو منع الصورة الحقيقة على لسان المفرج عنهم، "هو إبعادهم عن الإعلام، وذلك كما حدث مع الجندي جلعاد شاليط في صفقة وفاء الأحرار عام 2011".
المنع والخشية من الرواية
من جانبه، يجزم المختصّ بالشأن السياسي خلدون البرغوثي، بأن المستوى السياسي والأمني في "إسرائيل" يمنعون أسرى الاحتلال المفرج عنهم من غزة من الظهور عبر الإعلام، لمدة أسبوعين على الأقل، لأنهم يخشون من رواياتهم التي تؤذي صورة "إسرائيل"، أو تحمل صورة المقاومة بغزة.
ويضيف في حديثه لوكالة "صفا"، "أن منع الأسرى الإسرائيليين من الظهور لأسبوعين، هو لحين تجهيز رواية لهم، ليتحدثوا بها عبر الإعلام".
ويوضح أن الرواية الاسرائيلية التلقينية، من المؤكد أنها موجهة للتحريض على المقاومة وغزة، ويتم فيها الترويج كذبًا بأنهم تعرضوا لمعاملة سيئة وضغوطات.
ولذلك فإن البرغوثي، لا ينصح بالتعامل مع تصريحات بعض أسرى الاحتلال، الذين توجههم الحكومة.
ويشير إلى أن الإعلام الاسرائيلي الرسمي والخطاب والموقف السياسي، كله يتابع كل حركة ورسالة تفعلها المقاومة بغزة، وهم يروجون لها على أنها تتم رغمًا عن الأسرى، هذا بخصوص كلمات الشكر وشهادات التقدير والابتسامات وغيرها، سيما وأن الخطاب الإعلامي موجه بشكل سياسي بحت في "إسرائيل".
ومن شدة امتعاض المستوى السياسي الإسرائيلي من صور الإفراجات عن أسراه بغزة، حاول استغلال أسرى الدفعة الخامسة الذين ظهروا بوزن خفيف، والتحريض بروايات مفتعلة حول تعرضهم للتعذيب وما شابه، إلا أنها محاولة فاشلة، نظرًا لحال وصور كافة الأسرى الذين خرجوا من سجون الاحتلال بأوضاع صحية متدهورة نتيجة التعذيب الشديد.
وفي 19 يناير/ كانون الثاني المنصرم، بدأ سريان وقف لإطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة حماس و"إسرائيل"، يستمر في مرحلته الأولى 42 يومًا، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.