"نتساريم"، اسم لطالما تغنت به "إسرائيل" على مدار عقود من احتلالها لأرض قطاع غزة، كأحد أهم أسباب "الأمن القومي الاسرائيلي"، انطلاقًا من اسم المستوطنة، ومرورًا بالحاجز، وانتهاءً بالمحور الذي اختلقته في حرب الإبادة الأخيرة لقطاع غزة.
ولـ"نتساريم" تاريخ من الإخفاق والفشل والأثمان الدموية الباهضة التي دفعتها "إسرائيل" وجيشها طوال سنوات من محاولتها فرض سيطرتها على القطاع.
واليوم الأحد، انسحب جيش الاحتلال من محور "نتساريم"، بشكل كامل، بعد 15 شهرًا فصل فيه الاحتلال شمالي قطاع غزة عن جنوبه، وجاء انسحابه تطبيقًا لشروط المقاومة الفلسطينية في اتفاق وقف إطلاق النار.
"ما هو نتساريم"
"نتساريم" كانت مستوطنة إسرائيلية محصنة جداً في غرب قطاع غزة تقع حوالي 5 كم جنوب غرب مدينة غزة، قبل أن يندحر منها جيش الاحتلال بأغسطس 2005 منها، واضطر لإجلاء مستوطنيها تحت وطأة المقاومة الفلسطينية في القطاع، كجزء مما تسمية "إسرائيل" بخطة "فك الارتباط الأحادية".
وكانت "إسرائيل" منذ عام 1967 تحتل قطاع غزة وتخصص أراضٍ فلسطينية داخله لإنشاء مستوطنات إسرائيلية تهدف لخلخللة الديموغرافيا السكانية للقطاع.
وأنشأت "نتساريم" ضمن مجمع مستوطنات "غوش قطيف"، وكانت واحدة من الـ 21 مستوطنة المكونة لكتلة "غوش قطيف".
ومع بداية انتفاضة الأقصى، قُتل تسعة جنود إسرائيليين في اشتباكات مع المقاومة الفلسطينية، لمحاولة بقاء الجيش بمستوطنة "نتساريم"، وفي أيلول عام 2000 تم تفجير عبوة ناسفة بقافلة إسرائيلية بجوار "نتساريم" وقتل جندي واحد.
وفي شباط 2002 قُتل ثلاثة جنود إسرائيليين، بعد أن مرت دبابة كانوا يستقلونها على عبوة بجوار محور كارني - "نتساريم".
وفي آذار/مارس من ذات العام طُعن جندي على يد فدائي فلسطيني، وفي تشرين الثاني 2002 قتل جندي عندما كانت قوة من جيش الاحتلال في دورية في المنطقة وأصيبت بعبوة ناسفة، كما قُتل يوم الجمعة 24 من شهر أكتوبر عام 2003 ثلاثة جنود، بعد أن اقتحم فلسطينيان قاعدة للجيش في المستوطنة، وأطلقا النار عليهم فأردوهم قتلى.
ووسط كل الضربات في جنود الاحتلال بالمستوطنة، بدأت أصوات كثيرة داخل "إسرائيل"، بإخلاء مستوطنة "نتساريم".
واعتبر حزب العمل الاسرائيلي "نتساريم"، موقعاً أمنياً ساقطاً، في حين رأى رئيس الوزراء الليكودي "آرائيل شارون"، وحزبه اليميني بأنها في مكانة "تل أبيب"، ولن يتنازل عنها أبدا ويوفر الحماية والدعم لها، وكرر مقولته "نتساريم كتل أبيب".
وفي حينه، قال رئيس حزب العمل الاسرائيلي السابق، عمرام متسناع، في معرض تعليقه على العملية الفدائية في المستوطنة: إنه "في هذا الوقت العصيب بالذات، يبدو أنه لا توجد حكومة في إسرائيل، ويتعين على كل أم عبرية أن تسأل نفسها: لماذا يسقط أبناؤنا وما الذي يجعلنا نبقى في نتساريم؟".
ومن قادة الاحتلال الذين خرجوا للبوح بما يجري في المستوطنة، رئيس حزب العمل في حينه، شمعون بيريز: الذي قال: "يجب ملاحقة الجناة والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة، بدون أي علاقة بالجدل الدائر حول ضرورة البقاء في نتساريم أو عدمه".
وقال أحد الضباط الاسرائيليين: "بسبب تسلل مخرب (مقاوم) يجب النظر فيما إذا كان من الصحيح على الإطلاق البقاء هناك في المستوطنة المنعزلة".
وبالرغم من اعتبار رئيس الأركان موشيه يعلون في كانون الأول 2002، "أن إخلاء مثل هذه المستوطنة سيكون بمثابة روح تعزيز للإرهاب"، إلا أن أصوات المطالبة باخلائها تعالت أكثر فأكثر.
وأخلت قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 2005 "نتساريم"، آخر المستوطنات اليهودية في قطاع غزة لتُكمل اندحارا سريعا أنهي 38 عاما من الاحتلال.
وطوال تواجد الاحتلال بغزة، عانى الفلسطينيون مما يسمى "حاجز نتساريم"، أو الطريق 749، وهو حاجز سابق أنشأه ما يسمى سلاح المهندسين التابع للجيش لتسهيل وصوله إلى أهدافه العسكرية بحيث يقسم قطاع غزة إلى قسمين شمالي وجنوبي.
وكان الاحتلال يتحكم في حركة المواطنين عبر هذا الحاجز، ويغلقه لساعات أو أيام أو حتى أسابيع.
ولم يكن الحاجز بمعزل عن ضربات المقاومة، والعمليات الفدائية، التي سقط فيها عشرات الجنود بين قتيل وجريح، إلى أن اندحر عام 2005 وفكك الحاجز، تحت ضربات المقاومة.
وفي نوفمبر عام 2023، عاد جيش الاحتلال واقتحم قطاع غزة، مستخدمًا ذات الطريق، وأعاد ذات المسمى، "نتساريم"، بمصطلح جديد وهو "المحور"، الذي قطع فيه قطاع غزة لنصفين، وفصل شماله عن جنوبه.
وقتل جنود الاحتلال العشرات من الفلسطينيين، ودمروا كل المنطقة المحيطة من منازل وأراض زراعية ومصانع، قبل أن ينسحب بعد 15 شهرًا من الإبادة، وأيضًا إذعانًا لشروط المقاومة، في اتفاق وقف إطلاق النار.
وطوال حرب الإبادة كان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يقول "إن إسرائيل لن تنسحب من محور نتساريم تحت أي ظرف من الظروف ومهما كانت الضغوط".
واليوم ينسحب ليلحق بقرينه "شارون"، الذي اعتبرها في سنوات حكمه بأنها "كتل أبيب"، لينحدر منها بسرعة البرق، بفعل المقاومة.
يُذكر أنه في 27 كانون الثاني/ يناير الماضي، بدأت عملية عودة المواطنين إلى شمالي قطاع غزة بالمركبات على طريق صلاح الدين، بتفتيش من طواقم مصرية وقطرية، وفي اليوم الـ22 لاتفاق وقف إطلاق النار، انسحب جيش الاحتلال من "محور نتساريم" بشكل كامل.
وبدعم أمريكي ارتكبت "إسرائيل" بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 و19 كانون الثاني/ يناير الماضي، إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 159 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، بالإضافة لما يزيد على 14 ألف مفقود.