غزة- مدلين خلة - صفا
"صاحب الهوية رقم... سلم الجرة للموزع"، لم تكن رسالة عادية تصل لأهالي محافظتي غزة والشمال، بل رسالة حملت في مضمونها طي صفحات من المعاناة التي أرهقت حياتهم، بفعل استخدام الحطب في طهي الطعام وتلبية احتياجاتهم الأخرى.
ومع بدء تعبئة إسطوانات الغاز للمرة الأولى بعد 15 شهرًا من الحرمان ومنع الاحتلال الإسرائيلي دخول غاز الطهي لشمالي القطاع، انتهت معاناة البحث عن توفير بديل لمصادر الطاقة المنعدمة كـ"الأخشاب والحطب".
عامٌ ونصف ارتدت فيها أواني المطبخ حلةٌ سوداء لازمتها طوال تلك الفترة، لأن النيران التهمت بريق ألوانها الزاهية بفعل الدخان المتصاعد منها، عدا عن حالات الاختناق، بسبب استخدام البلاستيك كنوع من الوقود عندما شح الحطب وندر وجوده.
فرحة كبيرة
ما إن وصلت تلك الرسالة لهاتف المواطن رامي البطران حتى أخذ يكررها عدة مرات وبصوت مرتفع يشارك فرحته عائلته التي التفت حوله تتأكد من صدق ما تسمعه، ليتبعها أصوات الصغار تهلل فرحًا بهذه البشرى التي ستزيل عنهم عناء البحث المطول عن الأخشاب المعدومة.
أسرع البطران على الفور إلى حيث يركن تلك الزرقاء وأخذ يمسح عنها غبار عامٍ ونصف من عدم الاستخدام ويتفحصها، ليتأكد من أن الحرب لم ترمي بظلالها عليها.
يقول البطران لوكالة "صفا": "فرحتنا كبيرة اليوم لأنها المرة الأولى التي نتمكن من تعبئة الغاز والانتهاء من هذه الأزمة التي سلبتنا وقتنا في محاولة طهو الطعام".
ويضيف "مع دخول الغاز إلى بيتنا سنطوي صفحة معاناة حولت ما تبقى من البيت لسواد قاتم، فشقتنا لم تكن تمتلك وسائل التهوية التي تمنع دخان النيران الأسود من التغلغل إلى غرفه التي يكتنفها أطفالي".
ويتابع "كان إعداد الطعام يستغرق ساعتين وأكثر، وأنت لا تتوقف عن وضع قطع الخشب أو البلاستيك داخل الموقد حتى تبقى النار مشتعلة، لكن الآن لن نحتاج لذلك، بل ستنتهي هذه المعاناة".
وما إن دخل المنزل ووضع إسطوانة الغاز على الأرض حتى قام بفتح محكم الإغلاق فيها، ليتأكد أن الغاز دخل بيته، ويشتم رائحته التي طالما تضرر منها قبل دخول الحرب.
ويشير إلى أن زوجته لن تحتاج بعد اليوم للجلوس فترة طويلة في إعداد الطعام، وأن الأواني ستعود تزهو بألوانها من جديد.
نهاية المعاناة
الفرحة ذاتها بدت جلية على معالم عمر نصر الذي كان يحمل اسطوانته ويركض بها سريعًا، كي يصطف دورًا يُعلن فيها انتهاء أزمته مع الحطب والأخشاب.
ويعبر نصر عن فرحته قائلًا: "كنت حامل جرة الغاز وأنا طاير من الفرحة، هذه هي المرة الأولى التي سنحظى بالغاز بعد انقطاع مدة طويلة، لقد عانينا بما فيه الكفاية وحان وقت الراحة".
ويضيف لوكالة "صفا"، "مع اشتداد أزمة الغاز لجأنا إلى استخدام الحطب الذي أخذ ينفد، إلا أننا وجدنا بديلًا عنه عبر جهاز يعمل بالبلاستيك والسيرج المحروق، لكنه كان ضارًا بالصحة ويخنق الصغار".
ويتابع "الآن أستطيع القول أن الحرب ستنتهي، فانتهاء أزمة الغاز يعني لي انتهاء كل الأزمات، ومنها الحرب".
وفي 28 كانون الثاني/يناير الماضي، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، دخول كمية محدودة من غاز الطهي لمحافظتي غزة والشمال، لأول مرة منذ بداية حرب الإبادة التي شنها الاحتلال على القطاع.
وأوضح أنه سيتم توزيع الكمية بالكامل على المواطنين، وفق قاعدة بيانات المنظومة الإلكترونية التي تشرف عليها الهيئة العامة للبترول، كما هو معمول به في محافظات وسط وجنوب غزة، وذلك عبر الموزعين بتعبئة وزن ٨ كجم بسعر ٥٥ شيقلًا.
تعبئة الغاز
وبدأ المواطنون في مدينتي غزة والشمال بالتسجيل عبر رابط إلكتروني نشرته وزارة الاقتصاد بالتعاون مع الهيئة العامة للبترول، لأجل الحصول على 8 كجم من الغاز.
عرفة أبو وردة، الذي أُدرج اسمه ليكون ضمن الموزعين المعتمدين لدى وزارة الاقتصاد، ينتظر بفارغ الصبر تفريغ إسطوانات الغاز التي اصطفت في ساحة منزله، كي يعطيها لأصحابها الذين ينتظرون بالطابور منذ صباح يوم أمس.
يقول أبو وردة لوكالة "صفا": "نحن هنا لتسليم الدفعة الأولى من إسطوانات الغاز المعبأة لأصحابها، بعد انقطاع دام عام ونصف".
ويضيف "الفرحة جلية على وجوه المواطنين وعباراتهم التي تحكي نهاية معاناة أرهقتهم، بفعل استخدام الخشب والبلاستيك".
ويوضح أنه لأجل تفادي حدوث أي اختلاط أو تبديل بين أسطوانات الغاز، فإنه يقوم بتدوين اسم مالك الإسطوانة عليها باللون الأبيض، في محاولة لتدارك اي أزمات قد تحدث مستقبلًا.
ويشير إلى أن توفر الغاز لا يُنهي أزمة المواطنين، لأن الكثير منهم لا يملكون السيولة اللازمة لسداد ثمن إسطوانة الغاز البالغة 55 شيقلًا.
ر ش